تسير سوريا على قدم النظام وساق المعارضة باتجاه حرب عصابات طائفية ومذهبية سوف يُترحم معها على الحرب الأهلية في لبنان وعلى العقلية الطائفية التي لاتزال تحكم أهله.
إذ ليس بوارد نظامها أن يتخلى عن السلطة كما يطالبه سُذّج المعارضة في المجلس الوطني أقله لأن النظام لازال يعتبر نفسه يمثل شعبيا أكثر مما يمثل المجلس وباقي أطياف المعارضة، ناهيك عن عوامل القوة التي بحوزته والتي تجعله أكثر تصلبا وتشددا تجاه المعارضة ومسلحيها وداعميها من الدول الخارجية. ولا يتوهم أحد أن يسقط النظام وأن يطلب بشار الأسد الأمان من أمير قطر أو ملك السعودية، أو أن يلقى مصيرا قذافيا سوداويا. فالمشهد هنا يختلف جذريا عن ثورات تونس ومصر وليبيا واليمن، أولا لما تشكله سوريا من حلقة أساسية قوية في محور استراتيجي منيع يمتد من ايران الى العراق ولبنان وفلسطين، تمثل سوريا قلبه ومبعث حيويته، وثانياً الطبيعة الجيوسياسية والديمورافيا الطائفية للواقع السوري التي تمنع انهيار النظام دفعة واحدة وفي وقت قريب وهو المنتظر من أي ثورة أن تحققه. ذلك مرده الى السياسات التي أرساها الرئيس الراحل حافظ الأسد تجاه الأقليات المسيحية والدرزية والشركسية والتي تخشى على وجودها وحقوقها اذا ما سقط النظام، وهي لن تنتظر حتى يسقط وتلقى مصير المسيحيين في العراق.
ثالثا، التأييد الذي لايزال النظام يتمتع به لدى شريحة واسعة من سنة سوريا الذين يخشون التدخل الخارجي ولا يثقون برجالات المعارضة الحاليين ويفضلون النظام على أي مجهول آخر سيجلب الويلات لهم.
بناء على هذا الواقع الديموغرافي فان النظام نجح في الحفاظ على كتلة لاتزال تشكل الأغلبية الشعبية وهو الأمر الذي يريحه أكثر في قمع الاحتجاجات وملاحقة العصابات المسلحة والبطش بها، وبالتالي فقد استطاع النظام أن يرسم مستقبل الأزمة السورية بكلمتين: لا سقوط للنظام ما عدا ذلك تبقى كل الاحتمالات مفتوحة.
أين تكمن مشكلة المعارضة؟
تسير المعارضة في طريق لا عودة فيها ودونها إحراق سوريا وربما المحيط القريب تحت مطلب يُختصر بتسليمها السلطة ومقدرات البلد وسوق رأس النظام ورموزه ومسؤوليه الى المحاكم، وهي ستعمل بعد ذلك الى استئصال حزب البعث من الدولة وحرمان كل من كان مع النظام من المشاركة في الحكم. فهي تطلب لنفسها ما تقول بأنها تحارب النظام من أجله. فلا تطرح المعارضة ورقة مطالب قريبة من أرض الواقع وقابلة للتطبيق، ولا تقبل اطلاقا بأن تحاور النظام وتغلق كل سبل الحل السلمي وتحاكم النظام على النيات دون الخوض معه في عملية تفاوضية كي ترى بأم عينها وتتأكد اذا ما كان النظام يريد اصلاحات جدية أم لا.
لم تعد تخفي المعارضة رغبتها بالحل العسكري الخارجي إضافة الى اعترافها باعتماد المعارضة المسلحة الداخلية كاحدى أدوات الضغط والاحتجاج. وبالتالي فان المعارضة مسؤولة كما النظام عن كل الدماء البريئة المهدورة. يسقط طفل قتيلا في اشتباك مسلح مع قوى الأمن ليس المهم رصاصة من اخترقت رأسه أولا ومزقته، فالطفل سقط نتيجة اشتباك بين طرفين.
تجهل المعارضة السورية وربما تعلم بأنه حتى لو أراد بشار الأسد أن يتنحى عن السلطة فذلك لا يحل الأزمة، لأن الاشتباك الحالي يدور بين مكونات المجتمع السوري الطائفي والاثني وبالتالي لا يمكن للحل إلا أن يكون داخليا وسلميا وتسوويا.
تتجاهل المعارضة عن قصد موقع سوريا في الصراع مع اسرائيل على مدى العقود الأربعة المنصرمة، فتنكر كل ما حققه النظام من انجازات ومن بناء لموقع سوريا الاستراتيجي في المنطقة. وهي في غفلة من الزمن تريد اسقاط الدولة الاقليمية القوية وتحويلها الى كانتونات طائفية متصارعة، وتحويلها أرض نزاعات دولية مفتوحة على المجهول. والمعارضة تعلم قبل غيرها حجم الاستهداف الغربي-العربي-الاسرائيلي لسوريا نتيجة سياساتها المواجِهة للولايات المتحدة، وتبرر ذلك بالاستفادة من اللحظة التاريخية المؤاتية التي لن تتكرر، بينما الواقع يشير الى العكس. فالاستهداف موجود والتربص قائم وما كان ينقص هو الغطاء الداخلي والأدوات التنفيذية، وعندما بانت بوادر الاحتجاجات بدأ الغرب والعرب بألعابهم القذرة.
محاذير المنطقة العازلة وسيناريوهات الحرب
يبقى النظام قويا حتى إقامة ما يسمى بالمنطقة العازلة أو المحظورة على النظام في الأراضي السورية، فحينها تصبح سوريا أمام تقسيم عملي وفي خضم حرب أهلية موصوفة. لذلك فإن النظام لن يسمح باقامة منطقة عازلة تتحول الى بنغازي سورية، وعدم السماح بذلك أمر دونه الحرب لأن النظام يفضل خوض الحرب كدولة متماسكة وقوية بوجه الخارج المعتدي على أن يُغزى في عقر داره وتتآكل قوته تدريجياً. وما دامت سوريا قادرة على الحرب والمواجهة فان الغرب لن يفرض المنطقة العازلة في الوقت الراهن ويفضل سياسة الاغراق حتى الانهاك مع سلسلة من العقوبات الاقتصادية والعزلة الدولية حتى تخور قوى النظام ويصبح سيناريو الحرب جاهزا للتنفيذ. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هنا هل يقف النظام السوري مكتوف اليدين بانتظار نضوج مرحلة الانقضاض عليه؟
الى الآن لم يستعمل النظام أيا من أوراقه الاقليمية التي جمعها على مدى عقود من الزمن، وهو ينتظر ويراقب الموقفين الروسي والصيني كي يبني عليهما وجهته، وفي نفس الوقت عينه، على إيران رأس المحور وقائدة الجبهة المنضوية فيها سوريا. سيناريو الحرب الشاملة اذا ما اعتدي على سوريا تحبذه الأخيرة، لكن ايران صاحبة البراغماتية الدينية لا تحرك جنودها بسهولة ودون دراسات وتمحيص وحسابات دقيقة، وبالرغم من التزامها المطلق والمتنامي بدعم صمود النظام ومده بكل ما يطلب، الا أن القرار يبقى في يد من يقرأ في كتب الغيب الدينية.
فهل تستعيض ايران عن سوريا الاقليمية بعراق اقليمي بعد الانسحاب الاميركي وتنتظر ظهور مهديها؟
Leave a Reply