حسن خليفة – «صدى الوطن»
شهدت المحكمة الفدرالية في ديترويت في الآونة الأخيرة سلسلة من الدعاوى القضائية التي تتهم المصارف الأميركية بالتمييز ضد العرب والمسلمين عبر الإغلاق التعسفي لحساباتهم المصرفية بعد هجمات ١١ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠١.
وقد قامت البنوك على مدى السنوات الماضية بإغلاق حسابات شخصية وتجارية لعرب أميركيين من دون إبداء أي تبرير لذلك السلوك، لكن اليوم، البنوك الكبرى مثل «تشايس» و«بنك أوف أميركا» و«هانتينغتون» تمثل أمام المحاكم بعدما أقدم رجال أعمال وأطباء ومعلمون على مقاضاتها بالتعاون مع منظمات حقوقية، مطالبين على الأقل بمعرفة الأسباب التي أدت الى إغلاق حساباتهم المصرفية.
معظم تلك القضايا تم رفضها من قبل المحاكم أو أنها انتهت بأحكام تبرّئ البنوك من ممارسة التمييز العنصري، كما هو الحال في القضية التي اختصمت فيها منظمة «لايف» للإغاثة والتنمية -وهي منظمة خيرية يديرها عرب أميركيون مع «بنك أوف أميركا».
غير أن بعض القضايا لا تزال عالقة ومنها الدعوى الجماعية المرفوعة ضد مصرف «هانتينغتون ناشيونال بنك» منذ عامين، والتي شهدت الأسبوع الماضي إطلاق مفاوضات التسوية بين ممثلي البنك وعشرين من ممثلي المدعين الذين يقدر عددهم بمئات الأشخاص.
ووصف المحامي والمدير التنفيذي لـ«الرابطة العربية الأميركية للحقوق المدنية»، نبيه عياد، إطلاق المفاوضات بأنه انتصار لآلاف العرب الأميركيين الذين أغلقت حساباتهم البنكية في مصرف «هانتينغتون» دون مبرر، مؤكداً أن التسوية تنطوي على اعتراف ضمني بأن البنك قام بالتمييز ضد هؤلاء الزبائن.
معركة «هانتينغتون» القضائية
قضية «هانتينغتون» بدأت في شهر تشرين الأول (أكتوبر) عام 2013، حين قام المواطنان علي الحلاني ومارك مانويل برفع دعوى جماعية أمام المحكمة الفدرالية في ديترويت، معتبرة أن قرار إغلاق حسابيهما في شهر آذار (مارس) من ذلك العام جاء لأسباب تتعلق بالعرق والدين. وحالما تولى عياد القضية تدفق آلاف المشتكين من العرب الأميركيين إلى مكتب «الرابطة العربية الأميركية للحقوق المدنية».
ومع أن محكمة ديترويت الفدرالية برئاسة القاضي جيرالد روزين قد رفضت القضية في العام 2004، إلا أنه وبعد إعادة رفع الدعوى عدة مرات، بلغت القضية محكمة الاستئناف الفدرالية السادسة في سنسيناتي والتي طالبت القاضي روزين بإعادة النظر في حكمه لأنه «من المحتمل أن ممارسات المصرف «تنطوي على أسباب تمييزية».
وكان حسين دباجة -الذي كان يعمل مديراً في فرع بنك هانتينغتون بمدينة ديربورن- قد أدلى بشهادته أمام محكمة ديترويت مفيداً بأن فرع البنك في ديربورن الذي عمل فيه بين العامين 2008 و2009، كان يرسل كل ثلاثة أشهر لائحة بأسماء زبائن عرب أميركيين ليتم إغلاق حساباتهم، وقدّر دباجة في شهادته أن الحسابات التي أغلقت في تلك الفترة بلغت حوالي 200 حساب بنكي.
وأوردت محكمة الاستئناف الفدرالية في قرارها أن شهادة دباجة «تدعم الاستنتاج بأن الانتماء العرقي قد يكون سبباً في إغلاق تلك الحسابات» لاسيما وأن آلاف العرب الأميركيين، تهافتوا على الاتصال بمكتب الرابطة العربية الأميركية للحقوق المدنية للإبلاغ عن شكاوى مماثلة، رغم أنهم من خلفيات دينية متعددة.
وقال عياد إن فرع «هانتينغتون» في ديربورن، كان يعتبر من أكثر فروع المصارف ربحية على مستوى ميشيغن، ورغم ذلك قام بالتمييز ضد زبائنه، وهم من مالكي المتاجر ومحطات الوقود والأطباء والمهندسين حتى أن هناك طفلاً في الخامسة من عمره بينهم. وأضاف «عياد «إنهم يستفيدون ويتربحون من هذه الجالية ولكنهم أيضاً يضايقونها ويستفزونها ويميزون ضدها».
وفي قضية أخرى حكم قاض فدرالي في ديترويت بالسماح لعائلة عربية أميركية من أصول كلدانية، بمقاضاة «بنك جي بي مورغان تشايس» للحصول على تعويضات مالية، بعد قيام البنك بإغلاق حسابات العائلة المصرفية بشكل تعسفي في العام 2014، مما تسبب بأضرار مادية ومعنوية بالغة للعائلة بحسب الدعوى.
وتقدم رجل الأعمال نجاح منّي، وزوجته وابناه، في شباط (فبراير) الماضي، بالدعوى أمام المحكمة الفدرالية، حيث رفض القاضي الفدرالي شون كوكس طلب البنك بإسقاط الدعوى معتبراً أن قرار إغلاق أكثر من ٣٠ حساباً مصرفياً (شخصياً وتجارياً) من دون سبب وجيه، قد يكون تمييزاً عنصرياً ينتهك قانون «أليوت لارسن للحقوق المدنية في ميشيغن» و«القانون الأميركي لتكافوء الفرص الإئتمانية».
«لايف» دفعت ضريبة العمل الخيري
من ناحية أخرى، قال العميل السابق في الـ«أف بي آي» والخبير في مكافحة تمويل الإرهاب، دينيس لورميل، لصحيفة «صدى الوطن» إن البنوك غالباً ما تغلق الحسابات المصرفية التابعة للمؤسسات التجارية والخيرية التي تتعامل مع بلدان «عالية المخاطر» بسبب تفشي الإرهاب والجريمة المنظمة فيها.
وأشار لورميل، الذي قدم شهادته لصالح «بنك أوف أميركا» أمام محكمة ديترويت الفدرالية، الى أن المجموعات الإرهابية لطالما استفادت مالياً من المنظمات والجمعيات الخيرية، لافتاً الى أن الولايات المتحدة بدأت في أعقاب هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) ٢٠٠١ بتضييق الخناق على تلك المجموعات الإرهابية.
وفي العام 2009 حُكم على خمسة من قادة «مؤسسة الأراضي المقدسة للإغاثة والتنمية» (هولي لاند) -وهي مؤسسة خيرية مقرها تكساس- بالسجن لمدة 65 عاماً لضخها ما يزيد عن 65 مليون دولار دعماً لحركة «حماس» الفلسطينية، بحسب الادعاء الفدرالي.
وبعدها بعام، حكم على سوداني أميركي في محكمة فدرالية لاستخدامه «وكالة الإغاثة الإسلامية الأميركية» -وهي منظمة خيرية مقرها ميزوري- لإرسال تبرعات بقيمة مليون دولار إلى العراق حين كان مشمولا بالعقوبات الاقتصادية (قبل الغزو)، بالتآمر مع «إرهابي عالمي» كان يعيش في الأردن، بحسب الادعاء. وأضاف لورميل بأن البنوك تعتمد على سياسة «تقليص المخاطر» لتجفيف مصادر تمويل الإرهاب عبر المنظمات الخيرية، وأن العديد من تلك البنوك ترى أن الفوائد الناجمة عن تلك الحسابات لا تستحق المخاطرة.
وفي هذا الإطار، جاء حكم المحكمة الفدرالية لصالح «بنك أوف أميركا» ضد منظمة «لايف» للإغاثة، حيث قررت هيئة المحلفين أنه من حق البنك إغلاق حساب المنظمة لأنها تمتلك عدة حسابات بنكية في مصارف أخرى، وعلّلت المنظمة امتلاكها لعدد من الحسابات كنوع من الأمان في حال إغلاق أحد الحسابات.
ومع ذلك، قال لورميل إن البنك لاحظ جانباً واحداً فقط من نشاطات منظمة «لايف» وهو جمع التبرعات، مما أثار شكوكاً حول غسيل الأموال، «لكن البنك لا يرَ الصورة كاملة.. إذن هناك نقص في الشفافية». لافتاً الى أن إغلاق حسابات «لايف» «قد يكون مبرراً قانونياً ولكنه غير عادل».
وأشار لورميل إلى أن الممارسات التمييزية -في إغلاق الحسابات- تنشىء من نقص التنسيق بين المنظمين الماليين الفدراليين والبنوك. فمن جهة يقوم المنظمون الماليون بإعطاء المصارف اليد العليا في تقدير المخاطر و«تحديد الزبائن الخطرين»، فيما تترك البنوك تحت انطباع بأن المنظمين الماليين سوف يعاقبونها إذا ما تُركت تلك الحسابات مفتوحة.
إنجاز
من ناحيته، قال عياد بهذا الخصوص: إن قرارات البنوك بإغلاق آلاف الحسابات العائدة للعرب الأميركيين قد تجاوزت حدود المخاطر المتصورة، وإن التعامل مع هذه المسألة يتم على نطاق واسع يتخطى المخاطر الفردية، مشبهاً تعامل البنوك مع العرب بتعامل بعض المتاجر التي ترفض تجول الأفارقة الأميركيين فيها تحسباً من السرقة.
وبالنسبة لعيّاد فإن سياسة «أغلق (الحساب).. في حال الشك» تشبه القول «في حال الشك.. لا تؤجر منزلك لأفريقي أو مكسيكي» مشدداً على أن المصارف هي «مؤسسات مالية.. لا مؤسسات أمن قومي، فإذا تصرفت البنوك مثل مؤسسات الأمن القومي.. إذن هي تعمل في المكان الخطأ».
وأكد عياد أن المدعين ضد «هانتينغتون» لديهم سجلات مالية نظيفة وليست عليهم رسوم متأخرة كما أن سجلاتهم المالية تخلو من التحويلات إلى خارج البلاد.
ووصف التسوية المحتملة بين المدعين وبنك «هانتينغتون» بالإنجاز الكبير في معركة الحقوق المدنية للعرب الأميركيين، وقال: «العدالة لا توهب.. عليك أن تحارب من أجلها».
Leave a Reply