لم تتأخر كنيسة مار شربل المارونية في تلبية نداء «الشركة والمحبة» الذي أكد عليه البطريرك مار بشارة بطرس الراعي خلال زيارته الأخيرة لمنطقة ديترويت، حيث استضافت، في مبادرة هي الأولى من نوعها، حفل إفطار حاشد في قاعة الكنيسة في مدينة وورن وسط مشاركة عدد كبير من قيادات وناشطي ورجال دين الجالية اللبنانية المسلمة في ديربورن ومحيطها.
ويبدو أن زيارة البطريرك التي دعا خلالها الى تقارب وتعاون أبناء الجالية اللبنانية من كافة الطوائف والمذاهب، سرعان ما كسرت الجليد بين وورن وديربورن بعد عقود من التباعد فرضتها حقبة الحرب الأهلية اللبنانية (١٩٧٥- ١٩٩٠) وكرسها غياب الجهود الحقيقية والفعالة لإعادة أواصر المحبة والتعاون بين أبناء الجالية اللبنانية في منطقة ديترويت.
عشرون ميلاً فقط تفصل المدينتين ولكن لسنوات طويلة ظلت وورن في وجدان لبنانيي ديربورن «بيروت الشرقية»، فيما كانت ديربورن بالنسبة لأهالي وورن «بيروت الغربية». «هذا الواقع المرير الذي ترسخ عبر سنين طويلة.. لا يحتاج أكثر من صدق النوايا حتى يصبح من الماضي، لتفتح بعده الجالية اللبنانية في ميشيغن صفحة جديدة من مسيرتها على الأرض الأميركية.. وهذه النوايا الحسنة لمسناها لدى الجميع في حفل الإفطار». هكذا لخص أحد رجال الأعمال اللبنانيين المدعوين المشهد الجديد.
فقد كان حفل الإفطار الذي أقيم يوم الخميس ٢٦ تموز (يوليو)، فريداً من نوعه لأنه كان الأول الذي يقام تحت سقف كنيسة. ورغم أنه سبق للجالية اللبنانية المارونية أن استضافت إفطارات سابقة إلا أن ما ميز إفطار كنيسة مار شربل هو أنه جاء كنتيجة مباشرة لدعوة البطريرك الراعي المنادية بتعاون اللبنانيين وتقاربهم. وقد ارتأى المسؤولون في الكنيسة أن استضافة هذا الحدث سيكون خير تعبير عن إرادة البطريرك وتجسيد لدعوته «للشركة والمحبة».
وقد حرص القائمون على تنظيم الحفل الذي حضره حوالي ٣٠٠ شخص تقدمهم القنصل اللبناني العام في ديترويت بلال قبلان ورجال دين من مذاهب مختلفة، على توفير قاعة في الكنيسة للمسلمين لأداء صلاتهم، إضافة الى تقديم اللحوم الحلال واستقدام طباخ من ديربورن للإشراف على تحضير الطعام.
الأب الفرد بدوي يستلم مسبخة هدية من الامام محمد المارديني |
وقال رجل الأعمال لويس الغفاري الذي كان أحد منسقي الحفل «لقد بذلنا ما في وسعنا لنوفر الظروف المريحة والمناسبة لضيوفنا من المسلمين»، وأضاف «الجميع أعربوا عن سعادتهم بهذه التجربة الفريدة». وكان الغفاري ومنسقون آخرون من الكنيسة المارونية قد قاموا بزيارات لمؤسسات ومراكز دينية واجتماعية لتوجيه الدعوات شخصياً لممثلين عن الجالية اللبنانية المسلمة في منطقة ديربورن من المذاهب المختلفة، سنة وشيعة ودروز.
وقد تركزت الكلمات التي سبقت الإفطار على أهمية السلام والتعايش والتعاون بين اللبنانيين في ميشيغن مهما اختلفت طوائفهم ومذاهبهم، إضافة الى التأكيد على التمسك بدعوة البطريرك الراعي تحت عنوان «الشركة والمحبة».
وقام الشيخ محمد المارديني، إمام «المركز الإسلامي الأميركي» في ديربورن، بتقديم سبحة لراعي كنيسة مار شربل الأب ألفرد بدوي كعربون محبة وصداقة. في حين قام مدير «المجلس المركزي الإسلامي في أميركا» الشيخ صائل الأتات وراعي كنيسة «سانت ماري» للروم الأرثوذكس الأب جورج شلهوب بمباركة طعام الإفطار.
وقدم رجل الأعمال نسيب فواز ورئيس أمناء «المركز الإسلامي في أميركا» جمال دكروب درع تقدير وشكر لكنيسة مار شربل. كما ألقى كلمات في المناسبة كل من الأب بدوي، والشيخ محمد دبوق ممثلاً «المركز الإسلامي» والقنصل قبلان الذي تعرض لوعكة صحية. وأعرب بدوي عن سعادته لاستضافة هذا الحفل مبدياً رغبة الكنيسة في إقامة مناسبات جامعة أخرى في المستقبل القريب.
الشيخ صايل الأتات والأب جورج شلهوب يباركان مائدة الإفطار |
ومن ناحيته، قال الغفاري أن الحفل لقي صدى إيجابياً في الجالية اللبنانية المسيحية حيث توالت خلال الأسبوع الماضي رسائل الثناء المشجعة على تكرار هذه الخطوة. وكشف المسؤول الإداري في كنيسة مار شربل، دان بارتيلمو، أن الحديث بدأ يدور عن إمكانية إقامة حفل مماثل بمناسبة عيد الميلاد المجيد في ديربورن يدعى إليه ممثلون عن الجالية اللبنانية المارونية.
والجدير بالذكر أن البطريرك الراعي كان قد دعا في زيارته التي قوبلت بترحيب واسع من أبناء الجالية اللبنانية المسلمة في ديربورن، الى تعاون اللبنانين والتأسيس لحوار بناء ليعم السلام فيما بينهم وفي العالم.
وطالب البطريرك الراعي اللبنانيين من الطوائف المسيحية بالدفاع عن مواطنيهم المسلمين وعن الدين الإسلامي في الغرب بوصفه دين محبة وسلام وليس دين حرب وجشع كما تسوق آلة «الإسلاموفوبيا». كما طالب الراعي اللبنانيين المسلمين بالدفاع عن أخوتهم المسيحيين والتأكيد على أن المسيحية في الشرق هي دين محبة وحضارة وأخوة، لاسيما في العالم العربي.
Leave a Reply