أزمة كورونا ترفع أسعار اللحوم إلى مستوى غير مسبوق في أميركا
ديربورن – تخطت تداعيات وباء كورونا الجوانب الصحية والاقتصادية في الولايات المتحدة وطالت الجوانب المعيشية مع ارتفاع أسعار المواد الأساسية وخاصة المنتجات الغذائية، حيث أظهر تقرير صادر عن مكتب الإحصاءات العمالية نشرته –مؤخراً– شبكة «سي أن أن» الإخبارية أن مؤشر الأسعار زاد خلال شهر نيسان (أبريل) الماضي بنسبة 2.6 بالمئة، وهي أعلى زيادة شهرية تشهدها الولايات المتحدة، منذ العام 1974.
وبالتوازي مع ارتفاع أسعار البيض والحليب والخبز والفواكه والعصائر والمشروبات الغذائية، فقد ارتفعت أسعار اللحوم الحمراء بنسبة 3.3 بالمئة والدجاج بنسبة 5.8 بالمئة، والأسماك بنسبة 5.7 بالمئة، بحسب تقرير «سي أن أن».
وقفزت أسعار لحوم البقر بالجملة بأكثر من 20 بالمئة مقارنة بأسعار ما قبل وباء كورونا، وهو ما دفع الرئيس الأميركي دونالد ترامب قبل نحو أسبوعين إلى إصدار أمر تنفيذي بمواصلة تشغيل المصانع خلال الوباء للحفاظ على سلاسل الإمداد الغذائي.
غير أن سلاسل الإمداد هذه، باتت تعاني من مشكلة متفاقمة وهي تراجع اليد العاملة، وهو ما رصدته «صدى الوطن» في منطقة ديترويت، حيث تبين أن زيادة أسعار اللحوم سببها ارتفاع أجور العمال الذين يواصلون خدمة المستهلكين في ظل وباء كورونا.
ومع ازدياد المخاوف من نقص اللحوم في الأسواق الأميركية بسبب جائحة كورونا، قررت متاجر كبرى، من بينها «ماير» و«كروغر» فرض قيود مؤقتة على كميات اللحوم التي يمكن للزبائن شراؤها، تفادياً لموجات شراء مدفوعة بذعر المستهلكين من إمكانية نفادها.
وبدأت متاجر «كروغر» في ميشيغن، قبل نحو أسبوعين، بوضع لافتات تشير إلى الكميات التي يمكن شراؤها من لحوم الأبقار والدواجن والخنازير، بحيث لا يمكن للزبون الواحد شراء أكثر من حزمتين اثنتين من أي نوع من اللحوم. كما لجأ العديد من المتاجر الأصغر حجماً في الولاية إلى قرارات مماثلة، وسط تسجيل ارتفاع ملحوظ بأسعار اللحوم على أنواعها.
ولا يزال العديد من مصانع اللحوم في الولايات المتحدة معطلاً، جراء تعرّض المئات من العاملين فيها للإصابة بفيروس كورونا ما أدى الى تراجع التصنيع وتعطيل سلاسل الإمداد، وتراكم اللحوم لدى أغلب المنتجين، وسط استمرار إغلاق أغلب المطاعم والمدارس والجامعات، ما عرض المنتجين في هذا القطاع إلى خسائر ضخمة.
وبحسب بيانات وزارة الزراعة الأميركية، تراجع نشاط ذبح الأبقار في الآونة الأخيرة بنسبة 35 بالمئة، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. ووفقاً لشركة الإقراض الزراعي «كوبنك»، يمكن أن تتقلص إمدادات اللحوم للمتاجر بنسبة 30 بالمئة بحلول عطلة عيد «الميموريال» في 25 أيار (مايو) الجاري، مما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار لحوم البقر بنسبة 20 بالمئة مقارنة بالعيد الماضي.
اللحوم الحلال .. قصة أخرى
أما في منطقة ديترويت الكبرى، فللحوم الحلال قصة أخرى، إذ تضاعفت أسعارها بمعدلات كبيرة دون أن يؤثر ذلك في نسبة الإقبال على استهلاكها، أو تحديد الكميات التي يمكن للزبائن شراؤها.
وعزا بعض أصحاب الملاحم المحلية في مدينة ديربورن إقبال الزبائن على شراء اللحوم الحمراء والبيضاء رغم الغلاء غير المسبوق إلى ارتفاع وتيرة التسوق خلال شهر رمضان، وإلى البحبوحة المادية الناجمة عن إعانات البطالة الحكومية للأشخاص الذين فقدوا وظائفهم بسبب وباء كورونا.
ومع استمرار الإغلاق الجزئي للاقتصاد وزيادة إعانات البطالة بمقدار 600 دولار أسبوعياً، أصبح العاطلون عن العمل يتلقون مبالغ مغرية تفوق تلك التي يمكن أن يجنيها العاملون في وظائف متدنية الأجور. وأفادت حكومة ميشيغن أنها أنفقت حوالي 5,6 مليار دولار، لأكثر من 1.37 مليون شخص تقدموا للحصول على المساعدات الحكومية منذ 15 آذار (مارس) الماضي.
صاحب ملحمة على شارع شايفر في ديربورن، أفاد لـ«صدى الوطن» بأن أسعار لحوم البقر ارتفعت بنسبة تتراوح بين 50 و60 بالمئة، ولحوم الدجاج بنسبة 80 بالمئة، لافتاً إلى أن حركة التسوق لم تتأثر بالغلاء وأنها على العكس من ذلك ارتفعت بنحو ثلاثة أضعاف. وقال: «رغم ارتفاع الأسعار، الإقبال زاد بشكل كبير.. الناس كلهم معهم مصاري وطلبياتهم كبرت ولا يشتكون من الغلاء».
وأشار إلى أن شرائح واسعة من سكان ديربورن استفادت من إعانات البطالة الحكومية التي ساعدت الكثير من الأسر العربية على استيفاء حاجياتها خلال شهر رمضان، لافتاً إلى أن أرباحه تراجعت بشكل ملحوظ رغم «زيادة الإقبال بثلاثة أضعاف» وفق تعبيره. وقال: «رفعنا أسعار اللحمة الكفتة والناعمة بمقدار دولار واحد لكي نحافظ على أسعار متوازنة وعدم تحميل الزبائن أكثر من طاقتهم». وأضاف: «أما لحم الشواء، فقد كنا نبيع الباوند بـ6.99 دولار ومع التسعيرة الجديدة ارتفع إلى 8.5 دولار، وباوند الدجاج ارتفع سعره من 1.79 دولار إلى 2.49».
صاحب ملحمة أخرى، وصف ارتفاع أسعار اللحوم الحلال بـ«الجنوني»، مؤكداً أن «الكميات متوفرة في الأسواق بالشكل الاعتيادي، بل وأكثر من السابق». وقال: «ارتفعت تسعيرة لحم البقر وتصل الزيادة في بعض الأحيان إلى 100 بالمئة، وكذلك لحم الدجاج، أما لحم الغنم فسعره مستقر تقريباً على حاله».
وحول ارتفاع أسعار اللحوم في منطقة مترو ديترويت، أوضح الحاج ياسين ربابة أن «تسعيرة اللحوم تحدد –من حيث المبدأ– بحسب العرض والطلب»، مضيفاً أن «نسبة الإقبال على اللحوم الحلال في تزايد مستمر»، وأنها «لا تقتصر على الأسواق العربية والإسلامية، بل إنها تشهد طلباً متزايداً في الكثير من الأسواق الأميركية».
ربابة، وهو شريك مع أخيه الحاج عبد الكريم في ملكية «مسلخ بري وربابة» في مدينة ديترويت، عزا ارتفاع أسعار لحوم البقر إلى نقص اليد العاملة في هذا القطاع، حيث فضل الكثير من العمال البقاء في منازلهم تفادياً للإصابة بفيروس كورونا، على حد تعبيره.
وأضاف: «هؤلاء لم يتأثروا مالياً كونهم يحصلون على إعانات حكومية، تفوق في بعض الأحيان ما كانوا يجنونه من تلك الوظائف».
وأكد ربابة أن أسعار لحم البقر ارتفعت بنسبة 100 بالمئة، على العكس من أسعار لحوم الغنم التي ارتفعت بنسبة 10–20 بالمئة، معللاً ذلك بتراجع إقبال الزبائن على لحوم الغنم خلال هذه الفترة. وقال: «في العادة يزداد الطلب على لحوم الغنم خلال أعياد الفصح والميلاد، أما خلال هذه الفترة من السنة، فالأسعار تنخفض، ولكن حافظت على سويتها مع الاتفاع بنسبة طفيفة بسبب الإقبال الكبير على شرائها».
وأضاف: «الناس معهم مال، ويقبلون على شراء اللحوم في هذه الفترة أكثر من المعتاد، ربما يتخوفون من نفادها من الأسواق خلال الفترة المقبلة».
ونفى ربابة غلاء أسعار اللحوم الحلال بالمقارنة مع أسعار اللحوم غير الحلال إلى ارتفاع تكاليف الذبح على الطريقة الإسلامية، وقال «إن سعر باوند اللحم الحلال على الطريقة الإسلامية يساوي سعر اللحم غير الحلال، أو أقل منه بعشر سنتات لا أكثر». وأضاف: «البعض قد يتصورون ذلك بسبب ارتفاع أسعار لحم «الكوشر» (حسب الشريعة اليهودية) كونها تتطلب حضور حاخام إلى المسلخ لأداء الصلوات على الذبيحة، أما الذبح على الطريقة الإسلامية فلا يتطلب حضور شيخ، ولذلك فليست هناك أية زيادة كبيرة في المصاريف».
وأشار إلى أن سوق اللحوم في ولاية ميشيغن يعتبر «سوقاً مزدهراً، يتطلب عشرة آلاف رأس من الأغنام والأبقار والماعز في الأسبوع»، وقال إن «مسلخ بري وربابة» (وهو أول مسلخ إسلامي في الولايات المتحدة ويعود تأسيسه إلى عام 1977) يعد ركيزة أساسية «لتوفير اللحوم في الولاية إذ أننا نذبح يومياً، وخلال خمسة أيام في الأسبوع، ما بين 200–250 خروفاً، وما بين 35–50 بقرة».
Leave a Reply