السيد عبدالله (صالح): جميع الديانات السماوية تحرم ممارسة السحر واللجوء اليه
بسام أبو علي: على رجال الدين التمييز بين العلم والدجل.. وعدم التعميم
ديربورن – خاص «صدى الوطن»
يمر الناس في حياتهم اليومية بتجارب عديدة، منها ما هو معروف الأسباب والنتائج ومنها ما يبقى مجهولا. لذلك نرى بعضهم يلجأ الى السحر أو الماورائيات لكشف الجانب المجهول من حياتهم، وهناك آخرون يلجأون الى هذه الأمور لتحقيق النجاح في حياتهم العملية والعاطفية والاقتصادية.. الخ.
«صدى الوطن» رصدت تزايداً مضطرداً في أوساط الجالية العربية، خاصة في ديربورن ومحيطها، في اللجوء الى السحر و«قراءة الطالع»، قابله اعتراض واسع على هذا التوجه في الأوساط الثقافية والدينية التي تعتبر السحر محض استغلال لبساطة الناس وباباً لتبذير الأموال وإفساد المجتمع.
أمام هاتين الوجهتين تحاول «صدى الوطن» من خلال هذا التقرير الإضاءة على وجهتي النظر المتناقضتين عبر لقائين؛ واحد مع السيد إبراهيم السيد عبدالله (صالح) ممثل المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في ولاية ميشيغن، وآخر مع أحد أبرز العاملين في مجال السحر وهو قارئ الحظ بسام أبو علي.
بداية «عالم روحاني»
بدأ «أبو علي» (84 عاما)، المختص بضرب المندل والتوقعات السنوية والحجابات وعلاجات الجن والقرينة، العمل في هذه المهنة وهو في السادسة عشر من عمره قبل ان يصبح اسما معروفا في هذا المجال في الولايات المتحدة والعالم العربي أيضاً.
بسام أبو علي الذي استضاف «صدى الوطن» في منزله المتواضع الكائن في ديترويت والذي يستقبل فيه زبائنه يقول انه في سن الثانية عشر كان يسمع قصص الجان وغيرها في القرى اللبنانية حتى اصبح مولعاً بها، ويضيف انه منذ كان صغيراً كان يشعر بالروحانيات، و«لكن لم اكن اعلم بهذا الاحساس الغريب الا في سن الرابعة عشر. في هذا العمر كانت بداية حضور الجان، ولم يكن واحداً بل كانوا اثنين وعشرين جاناً منهم المسلم، المسيحي، واليهودي».
ويتابع «أبو علي» قوله «حضورهم كان بشكل يومي. كنت اتلقى منهم الدروس والعهود، وتم تعليمي اموراً جعلتني في ذلك الوقت اشعر بأني لست شخصاً عادياً..».
ويقول انه كان يتلقى منهم يومياً «العلوم الروحانية وتحديداً ما يسمى «الاقسام والعزائم» وهما متفرعان من الباب الروحاني، وهذا النوع من العلم بقدر ما هو جميل وممتع إلا انه صعب وله اسراره» حسب قوله.
ويوضح انهم كانوا يستغرقون وقتاً طويلاً في تعليمه «مكارم الاخلاق وعدم استغلال الناس والغرور حتى لا اتحول الى «دجال» همه الوحيد جمع المال وعدم خدمة ما يعجز عنه الطب وغيره.. ثم بدأوا بكتابة العهد والتوكيل، واملاء الشروط، ومبايعتي لخدمة الناس.. وكان هذا امر لا رجعة فيه..».
وعن الشروط التي يدعيها «أبو علي» يوضح انها شروط يقبلها العقل والمنطق وتنص عليها جميع الديانات السماوية، «وهي: عدم الشرب، التدخين، التحشيش، الزنا، السرقة، القتل، بالاضافة الى عدم الغضب او حمل اي ضغينة لاي شخص، بالاضافة الى عدم الذم.. كانت هذه شروطهم الاساسية»..
وحول بدايته هذه يقول «أبو علي» انه شعر في المراحل الأولى بأنه مقيّد، ويضيف «كنت في الخامسة عشر من عمري واصبحت اشعر بالملل كأي ولد يريد اللعب. وفي ذات الوقت كان الاهل وبعض الأقارب حتى الجيران ينظرون لي نظرة مختلفة، وقد بدأ ظهور الموهبة وتفوقت بنقاشات عدة على الكثير من الذين يفوقونني سناً وخبرة بمواضيع الجان والسحر مع اثباتات وبراهين ومقدرة كنت اعرضها عليهم، ممتعة وبسيطة ولكنها كانت تظهر علامات الدهشة على وجوههم حتى برزت في الحي الذي كنت اقطن به».
ويغوص «أبو علي» في الماضي ويتذكر كيف انه لم يقم بالدور المنوط به من قبل الجان في البداية حتى «أتاه احدهم» وقال «من كرم الله عليك حاجة الناس إليك، اعطيناك علماً بفضل الله فعليك خدمة الناس»، الأمر الذي اعتبره «أبو علي» بمثابة امر شديد اللهجة و«أقرب الى التهديد».
ويقول «أبو علي» انه كان في سن الـ16 عندما «عالج أول شخص وهو مازال حيّاً يرزق» وأنه «احد الجيران، وكان يعمل في تجارة السيارات، واخبرني بأنه لا ينجب اطفالاً وقد فقد الامل هو وزوجته بعد طول علاج». ويتابع «أبو علي» «قمت بعمل الحجاب اللازم. ولله الحمد ظهر الحمل على زوجته بعد اربعة اشهر، وكانت المفاجأة.. حيث اتاني والدموع في عينيه والضحكة تملأ وجهه وقال: «اتيتك غير مقتنعاً، ضارباً عرض الحائط قناعاتي، وشعرت بالغباء عندما غادرتك حينها حيث اعتبرتك طفلاً شاركته همي، ولكن إلحاح زوجتي أفاد»..
ويقول «أبو علي» ان اسمه شاع كثيراً في المنطقة التي كان يسكن بها من جراء هذه القصة. فقام بعد ذلك بتجهيز مقر له في منطقة راس النبع في بيروت لاستقبال الزبائن، وكان المكتب يدعى «ابو علي بري معروب»، حسب قوله.
نظرة الدين الى السحر
هذه القصة التي يرويها «أبو علي» ويؤكد على صحتها يعتبرها آخرون انها مجرد أكاذيب أو نسج من الخيال أو بأحسن الأحوال صدفة. فيما لا ينكر البعض الآخر وجود السحر، وخاصة في الأوساط الدينية، لكن هؤلاء يعتقدون بتحريمه استنادا الى ما جاء في الديانات السماوية والكتب المقدسة.
يؤكد السيد إبراهيم السيد عبدالله (صالح) ممثل المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في ولاية ميشيغن أن السحر محرم في جميع شرائع الرسل عليهم السلام، وهو أحد نواقض الإيمان والاسلام.
ويرى السيد عبدالله أن الإسلام حرّم الاعتداء على العقول بكافة أنواع المسكرات الحسية والمعنوية. ويضيف السيد عبدالله (صالح) ان السحر والكفر قلما يفترقان، وان «السحر سبيل لتبذير المال وتضييعه، وهو مفسد للذرية بتفريق رباط الأسرة، وهو مدخل للزنا والاعتداء على الأعراض، وهو كذلك سبيل لاغتيال العقول وطمسها، فلا غرو حينئذ أن يقف الإسلام من السحر وأهله موقفا صارماً فقد حّرم تعلمه وتعليمه، وأوجب كف الساحر عن سحره، وإقامة الحدّ عليه تطهيرا للمجتمع من شره ودجله، وحرم على الناس الذهاب إلى السحرة والاستعانة بهم».
ويقول السيد عبدالله ان «تاريخ السحر تاريخ أسود قاتم، وهو خدعة شيطانية، يُضِّل بها شياطين الإنس والجن عباد الله، فيوقعونهم به في أعظم جريمة، جريمة الكفر والشرك والضلال».
ويعتقد السيد عبدالله انه «نَظَراً لخطورة هذا الأمر، كان سبباً في خلود صاحبه في نار جهنم، فكلامنا عن السحر والشعوذة أمرٌ لا بد منه، خاصة ومع كثرة انتشارهما، وانخداع كثير من المسلمين والمسلمات، واعتقاد أنهم متطببون، يعالجون الناس بأدوية مباحة، وأنهم أصحاب صلاة وقرآن، والأمر بخلاف ذلك، فهم أصحاب كيد وخداع ودَجَل».
ويضيف السيد عبدالله مستندا الى ما نقل عن الرسول محمد (ص) وآله ان العمل بالسحر كفر وحرام.
وينقل عن السيد الخوئي قوله ان «عمل السحر وتعليمه وتعلمه والتكسب به حرام مطلق». وعن السيد الخميني «عمل السحر وتعليمه وتعلمه والتكسب به حرام». ويستشهد كذلك بقول السيد الخوئي بكتابه «منية السائل» (ص 197) «السحر حرام بجميع أقسامه وليس فيه أسود وأبيض وغيرهما».
ويقول السيد عبدالله انه كذلك علماء المذاهب الأربعة قالوا بحرمة السحر، منهم ابن قدامة في «المغني» «…فإن تعلُم السحر وتعليمه حرام لا نعلم فيه خلافاً بين أهل العلم»، وقال الإمام النووي في «شرح مسلم»: «وأما تعلمه – أي السحر – وتعليمه فحرام». ويضيف السيد عبدالله (صالح) انه «رغم اتفاقهم على حرمة تعلم السحر وتعليمه وممارسته إلا أنهم اختلفوا في تكفير فاعله، فذهب جمهور العلماء ومنهم مالك وأبو حنيفة وأصحاب أحمد وغيرهم إلى تكفيره».
حيث «ذهب الشافعي إلى التفصيل، فإن كان في عمل الساحر ما يوجب الكفر، كفر بذلك، وإلا لم يكفر». ويرد السيد عبدالله (صالح) ذلك الى استدلال الشافعية بما رواه أبو هريرة «أن رسول الله (ص)، قال: اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات».
ويضيف السيد عبدالله (صالح) «إستدل النصارى من الكتاب المقدس بحرمة السحر والشعوذة وموقفهم الواضح من السحرة والسحر والمتعاملين معهم»، ويتابع «أوضح الكتاب المقدس أن العرافة خطية (سفر صومائيل الأول 1525)، وفي سفر ملاخي يقول الله: وأقترب إليكم للحكم وأكون شاهدا سريعا على السحرة، وعلى الفاسقين، وعلى الحالفين زورا ..» وحسب السيد عبدالله فإن «تكفير السحرة كان واضحا في سفر الخروج (خر 2218)، ويحث الناس على عدم القيام بالسحر (التثنية 1810) وسفر الرؤيا يذكر أن خارجا (في جهنم) يكون الكلاب والسحرة والزناة والقتلة (رؤ 2215) أما بالنسبة للمتعاملين مع هذا الأمر فقد رفض اللهُ شاولَ لمثل هذا الأمر كما رأينا، وقال في سفر اللاويين «لا تلتفتوا إلى الجان ولا تطلبوا التوابع فتتنجسوا بهم» (لا1931) وكان عقاب الله صارما ( أشعياء 4712- 15. لا206)».
التعامل مع الجان
إلا أن «أبو علي» لديه وجهة نظر مختلفة في التعامل مع الجان فهو يؤكد انه يستعين بـ22 منهم، بينهم المسلم والمسيحي إلا أن اعتماده الأكبر على الجان اليهود «لأنهم أقوياء جداً» حسب قوله.
ويقول «أبو علي» انه رجل مسلم يصلي ويصوم ويقوم بواجباته الدينية على اكمل وجه، وهو علماني أيضا يؤمن بجميع الأديان. واعتماده على الجان اليهودي أكثر من المسلم يعود الى قوة الجان اليهودي فيما يسمى بـ«العلم الحاصل» اي الامور التي وقعت.
ويشرح «أبو علي» ان «معظم القضايا التي استلمها لعائلات اولادها قد انحرفوا او فقدوا في بلد لا يتقلد ديننا، وتكثر به الحانات والنوادي الليلية، والجان اليهودي يستطيع دخول هذه الاماكن وغيرها من الاماكن التي لا يدخلها الجان المسلم للبحث عن هؤلاء الاشخاص، وبما اننا في بلد غربي فمن الطبيعي ان تكثر به هذه الحالات التي تعج بمثل هذه الاماكن».
ويقول «أبو علي» انه يميز ديانة الجان من خلال إلقائه التحية.. فيسأله «إذا كنت مسلماً فقل السلام عليكم، ان كنت مسيحياً قل حياكم الله، ان كنت يهودياً فقل سلام على خيم، وان كنت فرنجياً فقل نيرا فنيرا».
وعن الصفات التي يجب ان يتحلى بها الشخص الذي يقدم على تحضير الجان يقول «أبو علي» ان تحضيره سهل للغاية، ولكن التعامل معه مخيف جداً عند صرفه «اذا لم تكن قوياً، مقتنعاً، وغير متردد في ذات الوقت، والجان يحب بطبيعته ان تأمره بقوة وثقة.. الجان يقوم بخدمتك عندما يشعر بأنك اقوى منه، غير متردد، لا تخافه، وملتزماً بالعهد والقسم معه، غير ذلك يبدأ بتقديم اخبار غير صحيحة، وصرفه يكون صعباً للغاية ويبدأ بالتأثير سلباً على حياتك وينقلب عليك»، ويضيف مبتسما «وكما يقال: انقلب السحر على الساحر»..
ورغم ادعائه التعامل مع الجان إلا أن «أبو علي» لا يعتبر نفسه منجّماً فهو يعد نفسه روحانيا فقط، وذلك رغم انه يقوم بالتنبؤات. ويرى «أبو علي» ان هناك فرقا كبيرا بين الكلمتين (منجّماً وروحانيا) لأنه يعتمد على الكتب السماوية في عمله إذ عالج وما زال يعالج قضايا كثيرة مستعصية من خلال القرآن الكريم. ويقول ان «القرآن علم واسع. يرتكب اثماً كبيراً من يقارن التنجيم بكلام الله».
ويقول أيضا انه «مزامير داوود» وهي «الانجيل القديم» او «العهد القديم»، وهذه المزامير تعتبر النسخة الاصلية القديمة للانجيل..
ويستطرد «أبو علي» بالقول ان اكثر اعتماده على القرآن الكريم وأن «هناك آيات مختلفة لو قرأتها عدة مرات، كفيلة بحل مشكلة تعاني منها: القرينة وفك السحر، الرزق، السعادة، المرض، عوارض نسائية كالحبل وخلافه، طرد الروح الشريرة، حصانة البيت، الوفاء للوالدين، حل قضية قانونية بشرط ان لا يكون قد صدر الحكم فيها، منع الطلاق في حالات خاصة، معرفة من اذاك او يضمر لك الاذية، او اذا اردت رؤية احد اقربائك او محبيك في المنام ممن وافاهم الله وذلك بكتابة كلمة «يا روقائيل .. يا رومائيل» على كف يدك اليمنى، وهذه اسماء تعلمناها عن أهل البيت سلام الله عليهم، مع قراءة آية قرآنية قبل النوم.. فعلم القرآن الكريم ليس تنجيمياً، فهو علم أكيد ومضمون. وما من حسنة من الله، وما من سيئة فمنّا».
غير ان «أبو علي» يستدرك بالقول انه فيما يخص الرغبة الجنسية والحب والزواج فهذه أمور غير مضمونة و«نسبة نجاحها 70 بالمئة، وذلك لاسباب تعود الى عدم توافق نجم كل من الآخر». ويضيف «انت تريد وأنا أريد والله يفعل ما يريد».
ويضرب «أبو علي» مثالاً عن استعانته بـ«العهد القديم»، ويقول «في حال تركت امرأة زوجها وبيتها ولا تريد العودة الى منزلها او العكس، في هذه الحالة استخدم «مزامير داوود» اي «العهد القديم».. ادوّن «مزمور رقمه 241» على ورقة، بالاضافة الى تحضير عشبة تسمى «لافاندر» باللغة الانكليزية او «خزامى» باللغة العربية وهي متوفرة في المحلات التجارية، واجعل المرأة تصلي بطريقتها الخاصة اذا كانت مسلمة او مسيحية، ثم تقرأ الفقرة 241 من «العهد القديم» وترمي هذه العشبة في الهواء بعد انتهائها من قراءة المزمور، وبإذنه واحد احد تعود الامور الى نصابها».
علم أم شعوذة؟
إذاً هناك ثلاث وجهات في التعاطي مع السحر أو الروحانيات كما يحب البعض ان يسميها. الأولى تراها مجرد أكاذيب وأساطير وتستند هذه الوجهة على منطق بسيط يقول ان ما من شيء يحصل دون سبب. والنتائج تأتي بعد تسلسل منطقي للأحداث، ومهما كانت النتائج مفاجئة يمكن فهمها وتبريرها بالعودة الى الأحداث السابقة، ولذلك يستحيل تصديق ان مجرد زيارة الى «مشعوذ» تقلب الأحداث رأساً على عقب وتؤتي بنتائج تخالف المنطق. وتميل هذه الوجهة الى عدم تصديق منطق المعجزات.
الوجهة الثانية تؤمن بوجود السحر والاتصال بالجان الا انها تعتبر هذين الأمرين حرام ولا يجوز ممارستهما أو اللجوء اليها وتميز بين السحر والمعجزة، إذ يقول السيد عبدالله (صالح) أن هناك فرقاً بين السحر والمعجزة، وبمعرفة الفروق تظهر لنا حقيقة السحر، والفروق كثيرة ويحددها على الشكل التالي:
الأول: إن السحر علم مكتسب يحصل بالتعلم والصناعة وليس إذا قلنا هذا التعبير نحقق وجوده وإنما جعل علما عند الموهومين الذين يظنون السراب حقيقة كما أن السراب حقيقة في المخيلة الموهومة لإشتداد الهلوسات عند أصحاب هذا المرض، يتم بمعاناة أقوال وأفعال، وأما الكرامة فهي هبة ومنحة من الله لا تحتاج إلى شيء من المعاناة، والمعجزة كذلك غير أنها لا تُعطى إلا للأنبياء والرسل فقط.
الثاني: أن المعجزة والكرامة لا تظهر على فاسق، وأما السحر فلا يظهر إلا من فاسق.
الثالث: أن معجزات الأنبياء عليهم السلام على حقائقها، وبواطنها كظواهرها، وأما السحر والطلسمات فليس فيها شيء خارق للعادة .
الرابع: أن المعجزة لا يمكن إبطالها، أما السحر فإنه يمكن إبطاله ولا يفلح الساحر ما أتى به بشهادة الله إذ يقول بسورة طه 20 – آية 69{والق ما في يمينك تلقف ما صنعوا انما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث اتى}.
الخامس: أن السحر يوجد من الساحر وغيره، وقد يوجد جماعة يعرفونه ويمكنهم الإتيان به في وقت واحد، وأما المعجزة فلا يمكن أن يأتي أحد بمثلها (قصة سحرة فرعون).
الوجهة الثالثة تؤمن بالسحر وتعتبره علما قائما بحد ذاته ووسيلة لتحسين حياة البشر. ويقسم «أبو علي» ما يقوم به الى عدة علوم وهي:
علم «ضرب الرمل»: هو «علم الحرف» او «علم الغيب» ويمكن تسميته بـ«علم النقط/التنقيط» وليس له علاقة بالجان. و«هو علم جميل وممتع جدا ولكنه صعب، ويتكلم عن الغيبياتً»، حسب قوله. ويضيف ان «هنالك وقت محدد للقيام به، فلا يمكنك عمله عند غروب الشمس او شروقها او حتى وقت الظهيرة، ولكن يتم العمل به ليلاً، ويجب ان يكون ليلاً صافيا، غير ممطر او عاصف او وجود رياح قوية». ويتحدث «أبو علي» عن حسنات «ضرب الرمل» فمن خلاله، حسب رأيه، «تتعرف على السارق، القاتل، الضامر للسحر، الموت، وغير ذلك.. وهذا النوع من القضايا السؤال عنها قليل، ومكلف». كما يساعد «ضرب الرمل» حسب قول «أبو علي» بقضايا الموت، ويقول انه لطالما نصح زبائنه بحل الامور المعلقة كالميراث او التسامح او اي امر شخصي وغيره.. إلا أنه يستدرك بقوله «ولله العلم في ذلك»، ولا يعتبر «أبو علي» ذلك تعدياً على الله.
أما عن «ضرب المندل» فيقول «هو حضور الجان، وعلى ضارب المندل ان يكون على دراية بأسماء «ملوك الكشف»، وغير ذلك يكون دجلاً، والقليل من لديه الالمام بأسماء ملوك الكشف». ويضيف «ايضاً هناك ما يسمى «الريح الاحمر» الذي يبلي به الله الدول كالعواصف والتورنيدو والزلازل والفيضانات».
أما عن «علم الفلك» فيقول «أبو علي» «من خلاله نستطيع ان نحدد من يدوم اطول عمراً، الزوج ام الزوجة. ايضاً تحديد شهر رمضان او بعض الامور التي ستحصل مستقبلاً، وهنا اركز على كلمة «بعض الامور».. وهذا العلم اكيد بنسبة 90 بالمئة. والله اعلم».
وحول علم «الابراج» يشرح انه «من خلاله يمكن معرفة الزواج الناجح، او في حال عدم استمراريته». وأكد «أبو علي» بأن الابراج التي يقصدها «ليست التي نقرأها في المجلات والصحف اليومية، وانما نتعرف على برج الشخص من خلال اسمه واسم امه وبعض الحسابات في الاحرف».
ويؤكد «أبو علي» انه يقوم بتطوير عمله او تثقيف نفسه من خلال قراءة كتب الروحانياتً، وبعض الكتب القديمة التي يحصل عليها من بلدان مختلفة، ويضيف «لا أنسى التعمق في كتاب الله والكتب السماوية الاخرى».
ويأسف «أبو علي» لبدايته المتأخرةً بتدوين الحالات الصعبة، وكيفية حلها ونتائجها لان ذلك يساعده في التدريس، «او توريث هذا العلم لطفلتي الصغيرة مستقبلا».
من يلجأ الى السحر؟
حسب تجربته الشخصية يقول «أبو علي» أن من يلجأوون اليه يختلفون حسب البلد او المنطقة التي يتواجدون بها، ويقول حول ذلك انه «في افريقيا ولبنان، يؤمنون كثيراً بالقرينة (الخوف المفاجئ وباستمرار، ارهاق وتعب من الدورة الشهرية للمرأة)، فك السحر، الرزق، المشاكل الصحية».
أما عن الخليج العربي، فيقول «أبو علي» أن أكثر الحالات تكون الامراض المستعصية. «اشحن لهم الدواء وهي عبارة عن اعشاب طبية احدد نوعها حسب نوع المرض. والعلاج عن طريق الاعشاب الطبية له دور كبير في تسيير اموري المادية ولله الحمد. وخصوصاً عبر الخليج العربي».
أما على صعيد اميركا و«بالتحديد المدن القريبة منا كديربورن وديربورن هايتس وديترويت اكثرها فتح النصيب والزواج، الخيانة الزوجية، الطلاق، تسيير الامور في المحاكم واكثرها قضايا الهجرة».
وحول تجاربه مع الجالية العربية يؤكد «أبو علي» على نجاحات هامة له ويقول «احمد الله في كل حالة. فقد قمت بإصلاح ذات البين في امور عديدة وبسرية مطلقة، وانقاذ بيوت كثيرة من خلاف وطلاق.. وكان ايماني القوي بالله وثقتي بنفسي جعلني اعتمد على الدين والامور الشرعية والنصيحة لحل هذه الامور ولادخال السكينة، اكثر من اعتمادي على مهنتي». ويضيف «الا بذكر الله تطمئن القلوب».
ويقول «أبو علي» انه لا يقوم بالإجابة على استفسارات عن خصوصيات اناس آخرين، او الخيانة الزوجية إلا نادرا حيث «يكون الشخص قريب جداً من الشخص الذي يُسأل عنه (زوج، زوجة، اخ، اب، ام)، ويجب ان أوكَّل من قبله، بالاضافة الى السماح لي من قبل الجان بالبوح بالحقيقة، كالخيانة الزوجية على سبيل التحديد. لانهم يعلمون تماماً بنية السائل بارتكاب جناية او مشكلة او عدم نيته. فإذن التوكيل بالاضافة الى القبول من الجان هما الشرطان الاساسيان في خوض هذا النوع من القضايا التي تعتبر حساسة جداً في مجتمعاتنا. وغير ذلك مرفوض».
ويقول «أبو علي» انه في حال اصرار أحد الزوجين على معرفة الحقيقة يستطيع ان يجعله ينسى زوجته أو زوجها «عن طريق كتابة بعض الآيات القرانية على ورقة واكتبها بالمسك والزعفران ثم تغلف على شكل حجاب وتوضع تحت الوسادة عند النوم او في الثياب، او تبل الورقة في اناء ماء ويشربها.. او عن طريق السحر».
ويتابع «أبو علي» «هناك اولياء امور يسألون عن اولادهم عندما يلحظوا تغييراً.. هنا وجب عليّ ان اخبرهم الحقيقة، ومهما كانت المشكلة، من مخدرات او غير ذلك.. وختامها الله اعلم».
ويستطرد بالقول «مهنتي غير مسموح لي على الاطلاق ان استخدمها الا بامور الاصلاح والسلم، وهذا عهد وقسم».
لكن «أبو علي» لا ينفي تسليط الجان على أناس آخرين وذلك «في حالات خاصة جداً يجب ان تكون بعيدة كل البعد عن الشهوات الجنسية». وينفي «أبو علي» تعامله مع اي جهة امنية، ويقول مبتسماً «الله يكفينا شر الحاء والحاء» اي «الحكومة والحكيم»، ويتابع «لا استطيع ذكر السبب».
وينصح بذكر الله دائماً. ايضاً و«قراءة سورة ياسين لانها تفك السحر، وسورة الجن لطرد الجان من البيت».
رفض اللجوء الى السحرة
ويشكك كثيرون بصدق الروايات التي يتداولها ما يسمونهم المشعوذين والمروجين لهم، لأنها تتنافى مع المنطق والعقل وتستغل ضعفاء النفوس الذين ينجرفون وراء الخرافات من أجل تحصين أنفسهم فيتخلون عن عقولهم ويصبحون رهينة للسحرة. ويقول ربيع أ. وهو أحد أبناء الجالية العربية في ديربورن أنه لجأ في فترة من الفترات الى السحر لمواجهة مصاعب الحياة إلا أنه اكتشف لاحقا أنه أضاف عليها مشكلة جديدة استنزفت ماله ونفسيته وأفقدته الحس بالمسؤولية.
وهو اليوم، حسب ما يقول «يأسف لتوجه أعداد كبيرة من الناس في المجتمع العربي في ديربورن الى السحر» ويضيف «المشاكل المستجدة على العرب الأميركيين من ضيق الأحوال الاقتصادية في ولاية ميشيغن والصعوبات في نيل الجنسية أو الإقامة وما تستولده هاتان المشكلتان من مشاكل زوجية أو عاطفية دفعت بالكثيرين الى السحر إلا أني أقول لهؤلاء إرجعوا الى عقولكم ودينكم قبل فوات الأوان».
ويقول السيد عبدالله (صالح) أن من يذهبون الى السحرة يمكن تقسيمهم الى حالتين. «الحالة الأولى: أن يكون مصدقا لهم، معتبرا قولهم فهذا كفر: قال النبي (ص) من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد» .
أما عن الحالة الثانية فيقول «من ذهب إليهم ولم يكن مصدقا بما يقولون فقد أتى كبيرة من الكبائر، ولا تقبل له صلاة أربعين يوما، مع وجوبها عليه، وعليه أن يتوب من عمله، قال (ص) «من أتى عرافا فسأله عن شئ لم تقبل له صلاة أربعين ليلة».
ويرى السيد عبدالله (صالح) ان واجب المسلم تجاه السحرة والمشعوذين «الحذر منهم، وعدم إتيانهم وسؤالهم، وعدم تصديقهم، وعدم الاستعانة بهم، والتحرز من كيدهم ومكرهم بالأوراد الشرعية، والتحذير منهم والإبلاغ عنهم، ودحرهم».
ويقول السيد عبدالله (صالح) «اعلم أنه لن يصيبك إلا ما كتب الله لك، قال تعالى: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (التوبة:51). وليس للساحر أو عونه دخالة في ما كتبه وأراده المولى وخاصة إن الله أخذ عهدا على نفسه أن يدافع عن المؤمنين وعن من توكل عليه». وأنه «على المسلم إذا أصيب بمصيبة في نفسه أو غير ذلك أن يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون».
ويضيف السيد عبدالله (صالح) ان «ما يصيب المسلم هو بسبب ذنوبه وبعده عن ربه تعالى {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} (الشورى:30). وقد يكون امتحانا وابتلاء وتمحيصا للذنوب. وليس بفعل السحرة والدجالين». و«إن الشفاء بيد الله تعالى وهو الشافي وحده . قال تعالى: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} (الشعراء:80)».
ضحايا المشعوذين
ويعرض السيد عبدالله (صالح) في كتاب وجهه الى أبناء الجالية عبر «صدى الوطن» مجموعة من تجاوزات المشعوذين في الجالية والتي بلغت مسمعه من خلال الضحايا الذين سقطوا في فخ السحرة، حسب قوله. وجاء فيه:
«أين أنت من الذي أراد أن يخرج الجن والسحر المعمول حسب إدعاء ذلك الدجال من ثدي تلك المرأة المعتوهة وذلك بطريقة مصّه كما قال لها، فما شعرت إلاّ وقد هتكها بإستسلامها له؟
أو لم تسمع بآخر اراد أن يكتب التعاويذ على جسد أخرى كانت تعاني من مرض نفسي، فقال لها ذلك الدجال إن الجن يتلبسك، فيجب عليك الكتابة على جسدك، وكان ذلك الدجال يعلم مسبقا بانها خلية لا زوج لها فلم يرض أن يكتب حتى عقد عليها لأنه لا يجوز (دجال متشرع)!، فانطلت الحيلة فنال منها وأخرج الشيطان منه إلى جسدها على حد تعبير الراوي؟
أو ذلك الذي بقي مدة يرقي غالونات من الماء ليشفي به المرضى من بينهم فتاة صغيرة مريضة بداء عضال وهو يسحب الأموال من ذويها بناءً على شفاءها فخسروا إبنتهم وربح «فيلا» إشتراها من أموالهم وأموال الغافلين وأبدال الـمال المتراكم لديه بتبيضه بإبداله شيكات عند أحد المتاجرالمعروفة لدى الجالية!، أو ذلك الذي يدعي أن لديه أحجار كريمة في خواتم وقلائد لكل ملمة للرزق، والإنجاب والمحبة وخاصة للوقوف في المحاكم! فلديه حجر إسمه عين الشيطان خاص لتلك المهمة وما من أحد وقف أمام القاضي إلاّ وأحتضنته قضبان السجن برعاية تلك العين ومن جراء المخالفة التي أوقفته وغيره أمام القاضي الحاذق بمهنة القانون فلم يفلح كيد ذلك الساحر الذي باع القلائد والخواتم لأولئك المغفلين بأموال تذهل العاقل عند سماعه ثمنها وبائعها يمضي مع ضحكته الخبيثة ونجاح حيلته التي إنطلت على الغافل؟
أو ذلك الذي إطلع على عورة احدى النساء أمام عين زوجها الأبله المنتظر تبديل نوع الجنين الأنثى إلى ذكر بعدما أكد له الطبيب أن أمرأته حامل بأنثى، وقد كثرت الإناث لديه، وهو يريد ذكرا يكون ابلها مثله، فجاء ذلك الدجّال العرّاف مقنعا له قبل زوجته التي إمتنعت بدءا ومن ثم رضخت لإرادته بعد أن هددها بالطلاق، فبدأ المشعوذ المسح براحتيه القذرتين يرش الماء من فمه الموبوء على ذلك الجسد مدلكا مرورا بالبطن واكثر!
وغير ذلك من قصص في هذه الجالية يندى لها الجبين ولو أردنا التأليف في هذا المجال لكان عندنا من هذه القصص أكثر من ألف ليلة وليلة!
من هنا، كان الوعي بهذا الداء والذي انتشر في بلاد المسلمين عامة أمر واجب، والإنتباه خاصة في هذا المنقلب من الأرض بين أبناء الجالية الكريمة الغافل أكثرها عما يراد بها من شياطين الأنس الطيّعين لشياطين الجن الذين لعنوا على لسان رب العالمين تبارك وتعالى علوا كبيرا.
«الخير يخصّ والشرّ يعمّ»
ومن جهته، يتوجه «أبو علي» لرجال الدين الذين لا يجيزون مهنته بالقول «الخير يخص والشر يعم».
ويضيف «انا استخدم القرآن الكريم في الكثير من اعمالي، واتبع تعاليم الدين، والاخلاق، بالاضافة الى العلوم الاخرى، وعدم الدجل.. فما العيب في ذلك.. لا استطيع ان اذم علماء الدين اذا قام احد العلماء بعمل مشين او مخزي كما نسمع هذه الايام من قصص كثيرة وعلى سبيل المثال هنا في مدينة ديربورن».
ويتابع «أبو علي» «وهم ايضاً لا يستطيعون ان يحرّموا علماً ويصفونه بالدجل.. او يعمّموا على كل من عمل في هذا المجال.. لا اعتقد بأن من يحل مشكلة ما كانت قد صعبت على طبيب او محامي بأنها حرام.. ايضاً هناك علماء دين يمتهنون هذا العمل، وقد جمعوا ثروات من خلاله ولبّوا رغباتهم الشخصية. ولماذا يجاز حصر هذا العمل بعالم الدين فقط؟ فهذا علم ويحق لاي فرد اذا اتقنه ان يمتهنه ولكن بشروط».
ويعترف «أبو علي» «بأن هناك دخلاء على هذا العمل ولا انكر ذلك، ولكن ايضاً هناك دخلاء على اصول الدين ايضاً وعلى من نعتبرهم قدوة لنا».
ويتمنى «أبو علي» من بعض السادة والشيوخ ان يميزوا ما بين العلم والدجل. «فأنا رجل اتقيد بتعاليم الدين واحترم الناس واتحاشى الرذيلة في عملي».
Leave a Reply