فشل “أصدقاء سوريا” و”فرملة” أميركية.. وقطر والسعودية تواصلان الحملة
عواصم – توالت الضربات الموجعة لمحور إسقاط النظام السوري خلال الأسبوع الماضي، الذي بدأ بـ”مؤتمر أصدقاء سوريا” الذي كرس التفكك في هذا المحور وما تبعه من تخبط في التصريحات الغربية والعربية، قبل أن توجه السلطات السورية ضربتها التالية بإجراء الاستفتاء العام على الدستور الجديد في البلاد، والذي تبعه مباشرة حسم معركة حي بابا عمرو في حمص الذي كان بمثابة ضربة قاصمة للمسلحين الذين كانت تعول عليهم الجهات الخارجية للتدخل في سوريا.
وأمام هذه التطورات دخلت الأزمة السورية مرحلة جديدة تمهد لها عملية الحسم العسكري التي من المرجح أن تركز في الأيام المقبلة على منطقة إدلب التي تعج بالمسلحين. فالتطور الميداني الذي تمثل في بسط الجيش السوري سيطرته على حي بابا عمرو وإقرار المسلحين بـ”انسحابهم تكتيكياً” من الحي، تبعه دعوة مجلس الامن الدولي عبر بيان للمرة الاولى منذ 7 اشهر (بموافقة روسيا والصين)، لدمشق “السماح بالدخول الحر والكامل والفوري لفرق المساعدات الانسانية الى كل السكان الذين يحتاجون للإسعاف”، معرباً عن أسفه للتدهور السريع في الوضع الانساني.
وسارعت السلطات السورية بالسماح الفوري للصليب الاحمر الدولي والهلال الاحمر السوري بدخول الحي.
ومع تضعضع “محور إسقاط النظام السوري”، ظهر خلاف واضح بين “المجلس الوطني السوري” بزعامة برهان غليون وقائد “الجيش السوري الحر” العقيد رياض الاسعد حول تشكيل “مجلس عسكري للإشراف على المعارضة المسلحة داخل البلاد وتنظيمها تحت قيادة موحدة”، فيما اكد رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم آل ثاني استعداد بلاده لدرس “كل الخيارات لإنقاذ الشعب السوري”، بعد أيام من اعلان الدوحة والرياض ترحيبهما بفكرة تسليح المعارضين، وهو الامر الذي رد عليه الامين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي، مؤكداً أنه يعارض العنف كوسيلة لإنهاء الأزمة السورية، في حين بدت واشنطن متحفظة إزاء فكرة التسليح على اعتبار انه ليس واضحاً ما اذا كانت هذه الخطوة تفيد المعارضة او تضرها.
وقال العربي إن موفد الامم المتحدة والجامعة العربية الى سوريا كوفي أنان “سيصل القاهرة في 7 آذار (مارس)”. واضاف انه سيقوم بعد ذلك بجولة الى سوريا والدول النافذة في الملف السوري، لكن من دون تحديد موعد للزيارة أو تسمية الدول التي سيزورها.
وكان أنان قال، في مؤتمر صحافي في نيويورك بعد لقائه الامين العام للامم المتحدة بان كي مون، انه يأمل التوجه “قريباً” الى دمشق وتسليمها “رسالة واضحة: المجازر وأعمال العنف يجب أن تتوقف وان تصل الوكالات الانسانية (الى السكان) كي تقوم بعملها، ومن المؤسف ان هذا الأمر لم يحصل”. وأشار الى “ضرورة قيام حوار بين جميع الفاعلين في الازمة السورية في اقرب وقت ممكن”.
قطر
وفي إطار تصميم الدوحة على مواصلة الحملة على النظام السوري، قال رئيس الحكومة ووزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، في تصريح لقناة “الجزيرة” التي تواصل حملتها التحريضية على دمشق، “انا أعتقد أنه يجب أن تكون هناك قوات عربية-دولية لجعل مناطق آمنة وإدخال المساعدات ومراقبة وقف إطلاق النار، المشكلة في هذا، هل الجانب السوري سيلتزم بوقف إطلاق النار؟، وأن أي قوات ستدخل حتى لو كانت عملية إنسانية يجب أن تكون معها حماية عسكرية لحماية الأفراد الذين سيقومون بعمل المساعدات الإنسانية سواء دواء أو غذاء”.
ومن ناحيتها، أشارت صحيفة “الغارديان” الى ان الـ100 مليون دولار التي اعلن المجلس الانتقالي الليبي، الأسبوع الماضي، انه سيقدمها الى المعارضة السورية كمساعدة “انسانية” تأتي بعد ايام من إعلان قطر والسعودية دعمهما تسليح المعارضين. واشارت الى ان ليبيا لا تملك المال اللازم لتقديم مساعدات. وذكرت ان متحدثاً باسم المجلس رد على سؤال حول ما اذا كانت طرابلس قادرة على تقديم مثل هذا المساعدة “لن يكون هناك مشكلة”. وذكرت الصحيفة أن قطر كانت من اوائل الدول في العالم التي سلحت المعارضين الليبيين، ودربت المقاتلين.
مجلس الأمن
فيما تستعد واشنطن وباريس لطرح مشروع قرار جديد على مجلس الأمن، طلب المجلس من السلطات السورية “السماح بالدخول الحر والكامل والفوري لفرق المساعدات الانسانية الى كل السكان الذين يحتاجون للإسعاف”. ووافقت روسيا والصين على البيان الذي جرت المصادقة عليه بعد ان رفضت سوريا السماح لمسؤولة الشؤون الانسانية في الامم المتحدة فاليري اموس بدخول اراضيها، موضحة أن الموعد الذي اقترحته اموس كان غير مناسب.
وفي جنيف، تبنى مجلس الامم المتحدة لحقوق الانسان قراراً يدعو مرة اخرى “الحكومة السورية الى وقف انتهاكات حقوق الانسان والسماح للامم المتحدة وللوكالات الانسانية بالوصول من دون عائق” الى البلاد. وقامت الدول الـ47 الاعضاء في مجلس حقوق الانسان بالتصويت على مشروع القرار الذي تم تبنيه بتأييد 37 صوتاً ومعارضة ثلاثة، هي الصين وروسيا وكوبا، وامتناع ثلاث دول هي الاكوادور والهند والفيليبين.
تخبط واشنطن
تطورات مفصلية هامة استجدت على المشهد السوري، ما دفع واشنطن الى الاعتراف، على لسان وزيرة خارجيتها، بتعقيدات الوضع السوري وصعوبة التدخل العسكري في هذا البلد أو تسليح المعارضة التي وُجّهت إليها انتقادات حادة، ما دفع المراقبين الى التساؤل حول سر “فرملة” الاندفاعة الاميركية المستجدة تجاه النظام السوري.
ومن ناحيته، قال روبرت فورد، السفير الأميركي في دمشق الذي غادر منصبه وأغلق السفارة قبل شهر لأسباب أمنية، امام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، ان “نظام الاسد يعاني من ضغوط أكبر الآن من تلك التي كان يتعرض لها قبل شهرين او ثلاثة”.
واعتبر أن الجيش السوري “حافظ حتى الآن على تماسكه، كما ان الاجهزة الامنية حافظت على تماسكها، ولكنها تحت ضغوط أكبر بكثير”. وتابع ان “اوساط الاعمال والتجارة غير سعيدة مطلقاً” وقد غيّر النظام سياساته “لإرضائهم”، كما أن القيادة قلقة كذلك من التأييد المتناقص لها في الشارع.
وقال مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الادنى جيفري فيلتمان إن “الشعب السوري أظهر شجاعة فائقة رغم الوحشية والحرمان الذي عانى منه”. واضاف “لا نعرف بالضبط متى ستحدث نقطة الانهيار.. ولكنها ستأتي.. إن انهيار نظام الاسد هو أمر حتمي”.
ومن ناحيته، أعلن البيت الأبيض أن تنظيم “القاعدة” يحاول الاستفادة من الوضع في سوريا، وأقر بأن هذا الأمر هو أحد الأسباب التي تحول دون وضع مسألة تزويد المعارضين بالسلاح على جدول أعمال واشنطن. ومن جهتها، اعتبرت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أن هناك “حججا” قد تتيح ملاحقة الرئيس بشار الأسد بتهمة “ارتكاب جرائم حرب”، إلا أن هذا الخيار قد يعقد التوصل إلى حل في سوريا.
مؤتمر أصدقاء سوريا
وحملت بداية الأسبوع الماضي أولى مؤشرات تفكك المحور الذي يستهدف نظام دمشق من خلال فشل “مؤتمر أصدقء سوريا” فكلّ الكلام الذي قيل عن المؤتمر قبل انعقاده، سقط مع صدور البيان الختامي، الذي خلا من أيّ قرارات، لا على صعيد الممرات الإنسانية، التي راج فيها الحديث، ولا في ما يتعلق بالاعتراف بالمجلس الوطني السوري، الذي أقر بأنه يمثل جزءاً من السوريين، مع إبقاء باب توحيد المعارضة مفتوحاً. وبناءً عليه، كان المؤتمر ساحة لـ”الصراخ” من دون أفعال، وهو ما أثار امتعاض الخليجيين الذين يعتبرون معركة إسقاط النظام السوري مسألة حياة أو موت، حسب المراقبين.
وجاء فشل مؤتمر “أصدقاء سوريا” في تحقيق أيّ من أهدافه المعلَنة بعد انسحاب المندوب السعودي وتراجع المندوب الفرنسي عن واجهة المؤتمر ليكتفي بالصفوف الخلفية في اشارة إلى أنّ فرنسا تعمل على لجم اندفاعتها في ظل غياب التصريحات النارية لوزير خارجيتها الان جوبيه، لم تنته مع نجاح النظام السوري في تمرير استحقاق الاستفتاء على الدستور بأقل قدر من الاضرار.
وأثار فشل المؤتمر امتعاض وزير الخارجية السعودي، سعود الفيصل، الذي رأى أن الحل هو بتنحي الرئيس السوري “طوعاً أو بالقوة”. وقال الفيصل “إن ما يحدث في سوريا مأساة خطيرة لا يمكن السكوت عنها، أو التهاون بشأنها، والنظام السوري فقد شرعيته وبات أشبه بسلطة احتلال، فلم يعد بإمكانه التذرع بالسيادة والقانون الدولي لمنع المجتمع الدولي من حماية شعبه، الذي يتعرض لمذابح يومية يندى لها الجبين، ولم يعد هناك من سبيل للخروج من الأزمة إلا بانتقال السلطة، إما طوعاً أو كرهاً”.
وكان لافتاً في المؤتمر، التظاهرة التي نظمها ناشطون تونسيون تأييداً لسوريا ورفضاً للتآمر عليها من الغربيين والخليجيين والتابعين لهم، ووصفوا المؤتمر بأنه “مؤتمر أصدقاء إسرائيل”.
الدستور
في الشأن الداخلي، أصدر الرئيس الأسد مرسوما يقضي بجعل الدستور الذي اقره السوريون عبر استفتاء الأحد الماضي نافذا اعتبارا من 27 شباط (فبراير). وأقر السوريون مشروع الدستور الجديد بنسبة 89،4 بالمئة من الناخبين الذين بلغت نسبة مشاركتهم في الاستفتاء 57،4 بالمئة، في حين اعتبرت واشنطن ان الاستفتاء على هذا الدستور يعبر عن “وقاحة مطلقة”. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الاميركية فيكتوريا نولاند “اننا نرفضه (الاستفتاء) لانه يعبر عن وقاحة مطلقة”. أما من ناحيته، انتقد رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين في مقال نشر الاثنين الماضي، بعنف موقف الغرب من سوريا، معتبرا انه “وقح” وحذر من شن هجوم على ايران.
Leave a Reply