ديترويت – بعد أخذ ورد استمر لأكثر من خمس ساعات ونصف، صادقت هيئة الانتخابات في مقاطعة وين، في وقت متأخر من مساء الثلاثاء الماضي، على نتائج انتخابات الثالث من تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، بشرط إخضاع أقلام الاقتراع «غير المتوازنة» للتدقيق من قبل سكريتاريا الولاية. غير أن الأمور اتخذت منعطفاً أكثر تعقيداً في اليوم التالي مع تراجع العضوين الجمهوريين في اللجنة المكونة من أربعة أعضاء، عن المصادقة على النتائج بسبب تعرضهما لحملة ضغوط وتهديدات لإجبارهما على التوقيع على النتائج، بحسب ما كشف رودي جولياني، المحامي الشخصي للرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وكانت هيئة الانتخابات قد فشلت أولياً في التصديق على النتائج بسبب التفاوت بين عدد الأصوات وعدد الناخبين المسجلين في عشرات أقلام الاقتراع لاسيما في مدينة ديترويت.
ولكن بعد ساعتين تقريباً من المداخلات عبر تطبيق «زووم»، تمت المصادقة بالإجماع (4–0) على النتائج، بشرط إخضاعها للتدقيق من جانب مكتب الانتخابات في سكريتاريا الولاية، قبل المصادقة النهائية عليها.
وتعرض العضوان الجمهوريان في الهيئة لسيل من الانتقادات من مسؤولين ونشطاء محليين بينهم رئيس بلدية ديترويت مايك داغن وعضو الكونغرس الأميركي عن المدينة، النائبة رشيدة طليب، وصلت إلى حد اتهامهما بالعنصرية ومحاولة «كبت أصوات السود» في مدينة ديترويت.
ووافق العضوان الجمهوريان، مونيكا بالمر وويليام هارتمان، على القرار حوالي الساعة التاسعة مساء الثلاثاء، بالتزامن مع توقف البث المباشر للجلسة عبر تطبيق «زووم»، التي حضرها المئات عبر الإنترنت، فيما تظاهر عدد من المحتجين خارج مبنى المقاطعة تنديداً بموقف العضوين الجمهوريين.
ويشار إلى أن بالمر وهارتمان، هما من الأميركيين البيض، في حين أن العضوين الديمقراطيين هما من الأميركيين السود. وكان يتعين على الهيئة إقرار النتائج في موعد أقصاه يوم الثلاثاء الماضي، وهو ما نجحت بفعله قبل ساعات معدودة من انتهاء المهلة القانونية.
وقبل أن تغير الهيئة قرارها الأولي، كان ترامب قد غرد عبر «تويتر»، قائلاً «واو! ميشيغن رفضت للتو التصديق على نتائج الانتخابات، إن الشجاعة أمر جميل. الولايات المتحدة تقف فخورة!».
وردت سكرتيرة ولاية ميشيغن جوسلين بنسون على الرئيس عبر تغريدة مرفقة بالعلم الأميركي، قالت فيها: «مخطئ مجدداً» وذلك بعد مصادقة هيئة الانتخابات في مقاطعة وين على النتائج.
ويوم الأربعاء الماضي، وقع العضوان الجمهوريان في مقاطعة وين إفادات بأنهما نادمان على تصديق النتائج بسبب «التنمر الشديد» الذي دفعهما إلى الموافقة بالإكراه، فضلاً عن تقديم مشورة قانونية مخادعة لهما بأن اشتراطهما التدقيق بالنتائج سوف يؤخذ بعين الاعتبار عملياً.
وقال المحامي جولياني خلال مؤتمر صحفي صباح الخميس الماضي، إن حملة ترامب الانتخابية سحبت دعوى قدمتها أمام المحكمة الفدرالية في غراند رابيدز للطعن بنتائج الانتخابات في ميشيغن، «بعد حصولنا على ما نريده وهو عدم اعتماد نتائج مقاطعة وين قبل التحقق من احتساب كل صوت قانوني وعدم احتساب كل صوت غير قانوني»، في إشارة إلى شرط التدقيق بنتائج أكبر مقاطعات الولاية.
وكانت بنسون قد نفت في بيان لها أن تكون «الأخطاء البشرية الطفيفة» التي حدثت في بعض مراكز الاقتراع بمدينة ديترويت دليلاً على أن الانتخابات مزورة، موضحة «أنه من الطبيعي أن تكون بعض أقلام الاقتراع في ميشيغن وفي جميع أنحاء البلاد غير متوازنة بعدد صغير من الأصوات خاصة في ظل الإقبال الكبير على التصويت».
وقالت إن «مكتب الانتخابات في ميشيغن على استعداد للوفاء بواجبه في استكمال جمع الأصوات، ومعالجة أي أخطاء وتحسين جودة العملية بشكل عام».
وبحسب بنسون، صادقت جميع مقاطعات ولاية ميشيغن الـ83 على نتائج الانتخابات ضمن المهلة المحددة.
في المقابل، قالت لورا كوكس رئيسة الحزب الجمهوري في ميشيغن، إن سكان الولاية «يستحقون معرفة ما حدث» ليلة الانتخابات وعلى مدار الأيام اللاحقة.
وأعربت كوكس في بيان عن فخرها بجهود الحزب في ميشيغن، واللجنة الوطنية الجمهورية، وحملة ترامب الانتخابية لمساهمتهم في الكشف عن «أدلة كافية على وجود مخالفات وتزوير انتخابي محتمل، وهو ما أدى إلى رفض هيئة الانتخابات في مقاطعة وين، للمصادقة على النتائج قبل إخضاعها للتدقيق».
وأضافت: «سيسمح هذا الإجراء لنا بمزيد من الوقت للوصول إلى حقيقة هذه المخالفات المقلقة للغاية»، مؤكدة أن «شعب ميشيغن يستحق انتخابات نزيهة ومفتوحة وشفافة، وسنواصل النضال من أجل ذلك».
والجدير بالذكر أن المرشح الديمقراطي للرئاسة جو بايدن حصل على حوالي 234 ألف صوت في المدينة (93.5 بالمئة) مقابل نحو 12.5 ألف للرئيس الجمهوري دونالد ترامب (5 بالمئة)، وفقاً للنتائج غير الرسمية.
أي أن ديترويت –وحدها– كانت كفيلة بترجيح كفة بايدن على ترامب في ميشيغن التي فاز بها المرشح الديمقراطي بفارق 146 ألف صوت، وفق النتائج الأولية.
وعلى صعيد المقاطعة بأكملها، حصل بايدن على أكثر من 587 ألف صوت، أي ما يعادل 68.12 بالمئة من الناخبين. وتمكّن بايدن من التفوق على ترامب في معظم مدن وبلدات المقاطعة، بما فيها ديربورن وليفونيا وكانتون، فيما تفوق الرئيس الجمهوري على منافسه في مدينة غاردن سيتي وغروس بوينت فارمز.
مسار معقد
أمام السلطات الانتخابية في ميشيغن مهلة عشرة أيام، ابتداء من يوم الأربعاء الماضي، للتصديق على نتائج الانتخابات تمهيداً لرفعها إلى مجلسي النواب والشيوخ في لانسنغ لاعتمادها رسمياً بحلول منتصف كانون الأول (ديسمبر) المقبل، علماً أنه بعد مصادقة هيئة الانتخابات في ميشيغن على النتائج، يستطيع أي مرشح أن يطلب إعادة فرز الأصوات خلال نافذة 48 ساعة.
وتعهد القادة الجمهوريون في مجلسي النواب والشيوخ في ميشيغن، باحترام نتائج الانتخابات في اختيار المندوبين الـ16 الذين سيمثلون الولاية في المجمع الرئاسي، ولكن بعد إخضاعها للتدقيق اللازم.
وفي تطور لافت، سيتوجه رئيس مجلس النواب، لي تشاتفيلد، وزعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، مايك شيركي، إلى البيت الأبيض يوم الجمعة (مع صدور هذا العدد) للقاء الرئيس ترامب ومناقشة سبل منع إقرار نتائج انتخابات ميشيغن في حال عدم موافقة المسؤولين الديمقراطيين على تدقيقها.
وبحسب الدستور الأميركي تقع مسؤولية المصادقة النهائية لنتائج الانتخابات الرئاسية على عاتق المجالس التشريعية في كل ولاية.
ويسيطر الجمهوريون على أغلبية مريحة في مجلسي النواب والشيوخ في ميشيغن، كما في عدد من الولايات الأخرى المتنازع عليها مثل بنسلفانيا وجوروجيا وويسكونسن.
وردت حاكمة الولاية غريتشن ويتمر باستياء، على خبر توجه الزعيمين الجمهوريين إلى واشنطن قائلة: «كل اجتماعات العالم لا يمكنها أن تغير حقيقة أن جو بايدن فاز بميشيغن بأكثر من 150 ألف صوت.
كذلك انتقدت النائبة طليب، زيارة شيركي وتشاتفيلد المرتقبة إلى البيت الأبيض، ودعت الزعيمين الجمهوريين إلى عدم الانخراط بـ«مخطط ترامب لتقويض الديمقراطية».
وأضافت أن «المؤامرات تبدأ بمثل هذا النوع من الاجتماعات» وأن «الناس شبعوا من محاولات الحزب الجمهوري لتهميش الناخبين والسماح بترويج هذا النوع من نظريات المؤامرة لتحسين مواقعهم».
وبالتوازي مع المسارات السياسية للأزمة، تشهد المحاكم المحلية والفدرالية سيلاً من الدعاوى القضائية المقدمة من قبل الجمهوريين وحملة ترامب ومكاتب محاماة خاصة للطعن بنزاهة الانتخابات الأخيرة في عدة مقاطعات، بينها وين وواشطنو وإنغهام وغيرها، إلى جانب دعاوى قضائية أخرى رفعت أمام القضاء الفدرالي في الولاية.
ورغم رفض المحاكم لعدد من الدعاوى القضائية حتى الآن، يواصل المحامون جهودهم للطعن بنزاهة الانتخابات ودفع المسؤوليين إلى إجراء عملية تدقيق شاملة.
وتعتبر ميشيغن واحدة من ست ولايات أميركية لا تزال نتائج الانتخابات فيها محل نزاع قانوني، وسط مزاعم من الجمهوريين بحدوث مخالفات وعمليات تزوير واسعة النطاق أدت إلى فوز بايدن بالانتخابات الرئاسية.
Leave a Reply