لن نضيع مادام الله معنا. هذا ما قالته السيدة هاجر لزوجها النبي ابراهيم عندما تركها وابنها الرضيع اسماعيل في الصحراء وعاد راجعاً إلى فلسطين، ليتابع كفاحه في الدعوة الى الله. أرضعت أم اسماعيل ابنها. أحست بالعطش. كان الطقس حارا والشمس ملتهبة وساخنة تزيد الإحساس بالعطش والجفاف.
بعد أيام قليلة، انتهى الماء تماما، وجف حليب الأم. أحست هاجر واسماعيل بالعطش والجوع حيث كان الطعام قد انتهى ايضا. بدا الموقف صعبا وحرجا، بعدما بدأ اسماعيل يبكي من العطش. تركته أمه وانطلقت تبحث عن الماء. راحت تمشي بسرعة حتى وصلت الى جبل اسمه الصفا، فصعدت إليه ووضعت يديها فوق جبينها لتحمي نفسها من حر الشمس وضيقت عينيها باحثة بهما عن بئر أو إنسان أو قافلة. لم يكن هناك شيء. نزلت الأم مسرعة من جبل الصفا حتى إذا وصلت إلى الوادي راحت تسعى سعي الانسان المتعب حتى وصلت الى جبل المروة فصعدت إليه ونظرت ولكنها لم تر أحدا سوى طفلها الرضيع يبكي وقد اشتد عطشه فوق أرض حمراء قاحلة.
عادت هاجر بعد المرة السابعة التي هرولتها بين الصفا والمروة، وعادت وهي مجهدة متعبة تلهث من الحر وجلست بجوار ابنها الذي كان صوته قد بحّ من البكاء والعطش. في هذه اللحظات اليائسة أدركتها رحمة الله الواسعة عندما ضرب ابنها اسماعيل الأرض بقدميه فانفجرت تحت قدميه بئر زمزم. راحت هاجر تغرف بيدها من الماء وهي تشكر الله على النعمة التي انقذت حياة الطفل وحياة الأم.
بدأت الحياة تدب في المنطقة. جذب الماء الذي انفجر من بئر زمزم عديدا من الناس وبدأ العمران يتكاثر في المكان. لم يكن بيت الله قد تم بناؤه. ولم تكن الكعبة قد بُنيت. كانت هناك حكمة عليا إلهية مما حدث في تلك التصرفات الغامضة، وقد كان اسماعيل الطفل الذي تركه أبوه مع أمه في واد غير ذي زرع، كان هذا هو الطفل الذي أحبه أبوه النبي ابراهيم وتعلق به قلبه بعدما جاءه على كبرٍ في السن. كان هو الطفل الذي سيصير مسؤولا مع والده عن بناء الكعبة، ذلك المكان الطيب المبارك الطاهر الذي تهوي إليه الملايين من القلوب على مدار السنة.
تزيد تلك القلوب شغفاً في أيام معدودات لأداء فريضة الحج التي تشمل الطواف حول البيت العتيق والسعي بين الصفا والمروة إحياءً وتعظيماً لذكريات أمهم الأولى هاجر ونبيّهم العظيم اسماعيل والتقرب لله تعالى بالصلاة والدعاء والعودة من خلال أداء مناسك الحج إلى عصر رجل كان قلبه أعظم القلوب حبا لله. رجل أوتي النبوة وأوتي رشده من قبل ولم يكن في قلبه سوى الله وحده حتى اتخذه الله خليلا، هذا هو ابراهيم خليل الله تعالى، الذي رفع أركان الكعبة المشرفة هو وابنه النبي اسماعيل سائلين الله السميع العليم القبول وترسيخ وقوع الأفئدة في هوى الكعبة “فاجعل أفئدة من الناس تهوي اليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون”.
أتمنى أن تشمل الجميع بركة ونعمة عيد الشكر وعيد الأضحى.
Leave a Reply