أروع ما في الحياة ليس أن يكون لديك إبناً باراً ووديعاً، بل أن يمنحك الله سبحانه العمر لترى هذا الإبن رجلاً رائعاً وناجحاً.
إلى إبني مازن أكتب الآن، والثلج يتساقط خارجاً، والبرد قارس، والجو غائم، وهواء كانون لافح، في يوم كهذا منذ خمس وثلاثين سنة، كانت ولادتك، ولن أنسى تلك اللحظة عندما وضعوك بين ذراعي، وشعرت بدفء ونور وقيمة لأيامي، وعندما لامست يديك الصغيرتين، أدركت أن الحلم حقيقة وشلال من الفرح غمرني بأن يكون لي ولدٌ في وقت، إعتقدت فيه أن الفرح قد هجرني بعيداً، ومنذ ذلك اليوم وحتى الآن، لازلت في حياتي النور والمعنى والطمأنينة بأن لديَّ رجلاً قوياً وناجحاً، ألجأ إليه في الحزن والفرح فأجده دوماً محباً كأم وحنوناً كأب.
مشاهد العواصف والثلوج والبرد والأمطار الغزيرة في لبنان هذه الأيام، أعادتني إلى سنوات بعيدة ومريرة، عشناها، أنت وأنا، سنين حرمان وفقر وحرب وتشرد وقلة أمن وأمان في لبنان ومعاناة وبكاء هنا في ليالي الغربة، لم أحتفل فيها بأعياد ميلادك، ولا أذكر أني أقمت لك ولأصدقائك حفلاً في مناسبات نجاحاتك العديدة في سنوات الدراسة حتى حصولك على درجة الدكتوراه في الهندسة من الجامعة.
وكثيراً ما إنتابني شعورٌ بأني «أفشل أم بالحياة»، وألوم نفسي لأني لم أتعلم درس أبي العلاء المعري، فلا أجني على أحدٍ كما جنى عليَّ أبي وأمي، وبالتالي لا أستحق أن تكون لي إبناً وأنا أراك تدرس وتعمل دون أن تعيش سنين طفولتك وشبابك، وأنا لا حول ولا قوة لي، فقد وطأتني الحياة بعذاب مستديم، ومع هذا لم أسمع منك لوماً أو شكوى أو عتاب وأنا أحمّلك ما لا طاقة لك به، فهل ينفع أن أعتذر منك بعد هذه السنين؟؟
لكن الذي يسعدني الآن، أن سنوات المثابرة والجهد والتعب التي واجهناها سوياً، قد جعلت منك رجلاً جاداً، شق طريقه في الحياة بنجاح وتفوق.. كنت دوماً الفتى الذي لم ينحرف كالكثيرين، والشاب المسؤول والمثل الناجح لإخوتك، والإبن البار بوالديك، والأجمل من كل ذلك، أنك كنت لي في تلك السنين رفيقاً وصديقاً.
فيا إبني الحبيب وصديقي الغالي، أشكرك بأن جعلتني أماً فخورة بك وعلمتني كل يوم، كيف أستحق أن تكون إبناً لي، أشكرك على تشجيعك لي لأكون أقوى في مواجهة صدمات الحزن والقهر في أيامي، أشكرك لأنك شجعتني على تعلم اللغة الإنكليزية ومساعدتي لأنال شهادة الثانوية العامة هنا في المغترب، أشكرك لأنك علمتني كيف أقود السيارة، وإستعمال الكمبيوتر، أشكرك على الأمسيات الثقافية والموسيقية التي نحرص على حضورها سوياً.
أحمد الله وأشكره وبفضله تعالى، أنت اليوم، المهندس مازن علي شهاب، الرجل الناجح والوجه المشرق والإبن البار للجالية العربية في ديربورن، والأهم من ذلك كلّه إنك إبني الحبيب الذي به أفرح، والدفء والنور والطمأنينة في عمري، فيا إبني وصديقي، في عيد ميلادك، أتمنى لك الصحة والسعادة والمزيد من النجاح والتوفيق، وكل عام وأنت إبني الحبيب.
Leave a Reply