«أرامكو» والعمق السعودي في مرمى نيران «أنصار الله» مجدداً
وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
بعد أيام قليلة على «عملية الردع الخامسة» التي استهدفت الرياض بصاروخ باليستي و15 طائرة مسيرة، وسعت حركة «أنصار الله» رقعة استهدافاتها لتصل إلى العمق النفطي بنحو 1,200 كيلومتر شرقاً، ونفذت «عملية الردع السادسة». وكما جرت عليه العادة في عمليات الردع السابقة، كان الهدف استراتيجياً هذه المرة أيضاً: مرافق شركة «أرامكو» في مدينة الظهران شرق السعودية، وخزانات ميناء رأس تنورة، ومواقع في الدمام وعسير وجيزان.
عضو المكتب السياسي لـ«أنصار الله»، محمد البخيتي، اعتبر أن عمليات الردع هذه ومثيلاتها تهدف إلى إفشال أيّ رهان لولي العهد السعودي على الحرب.
ورغم التوتر الذي شاب علاقات واشنطن بالرياض بعد وصول الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة جو بايدن، على خلفية إثارة قضية قتل الصحافي جمال خاشقجي وتقطيعه داخل القنصلية السعودية في اسطنبول، سارعت الولايات المتحدة إلى إدانة العمليات اليمنية ضد المملكة، وعدّتها اعتداءً خطيراً على حليفتها، بل وعلى أمن المنطقة كلها، ودعت صنعاء إلى التوقف التام عن الهجمات، وإلى البدء بالتفاوض من أجل التوصل إلى تسوية سياسية.
لكن عضو المجلس السياسي الأعلى في «أنصار الله» محمد علي الحوثي، استبق الدعوة الأميركية بمطالبة واشنطن نفسها بالتخلي عن عنصريتها واستكبارها، مؤكداً أن إيجاد سلام حقيقي في اليمن مرهون برفع الحصار ووقف العدوان.
المتحدث باسم وزارة الدفاع السعودية والتحالف العميد الركن تركي المالكي، أعلن في حديث تلفزيوني، إن بلاده تعاملت مع الهجمات التي استهدفتها بطائرات مسيرة وصواريخ باليستية وزوارق مفخخة بطريقة «فريدة في التاريخ العسكري»، زاعماً التحدث من منطق القوة، ومن «زاوية مشرقة» في حفظ الأمن والاستقرار للمملكة العربية السعودية وحماية مواطنيها والمقيمين على أراضيها، متوعّداً بضربات موجعة ضد الجيش اليمني واللجان الشعبية.
وفي كلمة متلفزة له قال عبد الملك الحوثي إن واشنطن تسعى إلى سحب السلاح من اليمن فيما هي تمتلك أفتك الأسلحة، متهماً الأميركيين بأنهم أقاموا برنامجاً لتدمير القدرات الصاروخية اليمنية بما فيها الصواريخ البعيدة المدى وأنهم يعملون على التمهيد ثقافياً وإعلامياً للتطبيع مع إسرائيل.
عمليات الردع
في ما يلي نستعرض العمليات العابرة للحدود التي شنتها «أنصار الله» في إطار ما تسمّيه عمليات الردع:
– عملية الردع الأولى كانت الأضخم والأكبر منذ بدء الحرب على اليمن في 18 آب (أغسطس) 2019، حيث استُهدف حقل الشيبة النفطي الذي يُعد من أكبر حقول النفط السعودية بعشر طائرات مسيّرة أصابت أهدافها بدقة.
– صباح السبت 14 أيلول (سبتمبر) من العام نفسه وبعشر طائرات مسيّرة أيضاً، قصف الحوثيون مصفاتي نفط بقيق وخريص في أقصى شرق السعودية، وقد أسفرت عملية الردع الثانية عن توقف نحو نصف إنتاج الشركة البالغ نحو عشرة ملايين برميل يومياً.
– شركة أرامكو ومنطقة ينبع الصناعية والنفطية كانتا هدف عملية الردع الثالثة في شباط (فبراير) 2020 ونفّذها «أنصار الله» بعد أيام على مجزرة ارتكبها التحالف السعودي في محافظة الجوف.
– عملية الردع الرابعة استهدفت وزارة الدفاع السعودية ومقر الاستخبارات العسكرية وقاعدة الملك سلمان الجوية ومواقع عسكرية سعودية أخرى، ونُفذت بتاريخ 23 حزيران (يونيو من العام المنصرم. – في 28 فبراير المنصرم، كان موعد تنفيذ عملية الردع الخامسة والتي استهدفت عمق العاصمة السعودية الرياض، بخمس عشرة طائرة مسيّرة وصاروخ باليستي.
وقد أفادت مصادر عسكرية مساء الأربعاء الماضي، بأن الناطق الرسمي باسم قوات التحالف السعودي العميد تركي المالكي أُصيب إثر قصف صاروخي استهدف مقر إقامته في مأرب، شرقي اليمن.
ورداً على هجمات «أنصار الله» ، شنّت قوات التحالف السعودي منتصف ليل الأربعاء – الخميس، سلسلة غارات على صنعاء العاصمة وعلى مديرية أرحب. كما أغارت على شبكة الاتصالات في منطقة المحجر بمديرية همدان، وغارة على منطقة بيت نَعَم في مديرية همدان.
قدرات متزايدة
رغم كل ما تعانيه من حصار وحرب عليها، تكشف صنعاء اليوم عن مزيد من القدرات العسكرية، خلال افتتاح الرئيس مهدي المشاط ورئيس هيئة الأركان ونائبه ووزير الدفاع معرضاً للصناعات العسكرية اليمنية وتضمن عدداً من الصواريخ الباليستية والمجنحة والطائرات المسيّرة الجديدة. ويبدو واضحاً، في خط تصاعدي واضح تمضي عمليات توازن الردع اليمنية. بعزم وثبات، رغم التفاوت الكبير في الإمكانيات والعتاد ومصادر التمويل.
عمليات «أنصار الله» تتوالى وفي فترات زمنية غير متباعدة، مع دقة وإتقان في إصابة الأهداف، باعتراف الرياض نفسها، التي ترد على هجمات الحوثيين المؤلمة، باستهداف المدنيين دون رادع، إلا من ردود صنعاء التي شددت هجماتها مؤخراً في استعراض لقدراتها المتنامية من خلال استخدام 22 طائرة مسيرة ضد أهداف حيوية، وكأنها تعلن دفن مرحلة الصبر الاستراتيجي، والانتقال إلى مرحلة العين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلم.
الحصار
قد تسببت الحرب على اليمن حتى الآن ومنذ آذار (مارس) 2015 بسقوط عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى وبدمار شامل في البنية التحتية وانهيار النظام الاقتصادي والصحي، بالتزامن مع منع التحالف دخول أي منتجات نفطية إلى البلاد منذ مطلع العام الحالي. كل هذا يُضاف إلى احتجاز قوات التحالف البحرية 14 سفينة تحمل منتجات نفطية تُقدّر بما يزيد على 350 ألف طن، بينها سفن محتجزة منذ 11 شهراً، رغم استكمال تلك السفن لكل إجراءات الفحص والتدقيق عبر آلية بعثة التحقق والتفتيش في جيبوتي (UNVIM)، وحصولها على التصاريح الأممية التي تؤكد مطابقة الحمولة للشروط المنصوص عليها؛ كما أنها انطلقت من موانئ في الإمارات والسعودية، أي أنه ليس هناك مجال للتشكيك في حمولتها.
وقد أوضح تقرير لبرنامج الغذاء العالمي في الأمم المتحدة أن النقص الحاد في مادة الفيول يهدد توافر المياه النظيفة وإمدادت الكهرباء والمرافق الصحية في اليمن. كما أشار التقرير إلى الارتفاع في أسعار الفيول، والاضطرار إلى التوجه نحو الأسواق الموازية، الذي سيؤدي بدوره إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية. وبناء على كل ما تقدّم، ناشد برنامج الغذاء العالمي جميع الأطراف من أجل التوصل إلى اتفاق يسمح بدخول وتوزيع الفيول على المدنيين والقطاع التجاري، عبر ميناء الحديدة. وفي السياق عينه، حذرت وزارة الصحة في صنعاء من حدوث كارثة إنسانية وشيكة من جراء استمرار تحالف العدوان في احتجاز سفن المشتقات النفطية. وخلال وقفة نظّمها عدد من المصابين بالفشل الكلوي، والكادر الطبي في مراكز غسل الكلى، أمام مكتب الأمم المتحدة، منذ أيام، أوضح الناطق باسم وزارة الصحة نجيب القباطي، أن أكثر من 1,500 مستشفى ومركز صحي عام وخاص، منها 15 مركزاً لغسل الكلى و400 بنك دم ومختبر باتت تحت التهديد. واتهم القباطي التحالف السعودي بأنه «لا يزال يسعى إلى تدمير القطاع الصحي ومنعه من تقديم الخدمات الطبية العاجلة وهو ما يُعدّ جريمة حرب».
وجهة الحرب
الهجمات الأخيرة التي استهدفت العمق السعودي ليست الأولى في نوعها ويبدو أنها لن تكون الأخيرة، ومن خلالها، ثمة رسائل في غير اتجاه وجهتها صنعاء، تبدأ من الرياض مروراً بشريكتها الرئيسية في الحرب على اليمن أبو ظبي، وصولاً إلى واشنطن، مفادها أنها قادرة على رد الصفعة بالصفعة، والغارة بالغارة، والباليستي بالباليستي، بل أكثر من ذلك، صنعاء اليوم، بعملياتها، سترغم ابن سلمان على التفاوض تحت النار.
فرغم كل ما تعانيه من حصار على المستويات كافة، تثبت صنعاء قدرتها على الإمساك بالأرض، وأن قدراتها لا تقتصر على الهجوم، بل تشمل الدفاع أيضاً. وهذا ما أكده الإعلان عن إسقاط طائرة تجسسية مقاتلة تركية الصنع، تابعة لسلاح الجو السعودي بصاروخ «مناسب». وها هي اليوم تكشف عن مزيد من القدرات العسكرية خلال افتتاح الرئيس مهدي المشاط ورئيس هيئة الأركان ونائبه ووزير الدفاع معرضاً للصناعات العسكرية اليمنية، في مقدمتها عدد من الصواريخ الباليستية والمجنحة والطائرات المسيّرة الجديدة.
العمليات اليمنية لا تروق واشنطن التي تعتبرها سبباً رئيسياً في زعزعة أمن المنطقة واستقرارها، فيما تُوصف مأساة اليمن الإنسانية وباعتراف كل مؤسسات الإغاثة الإنسانية بأنها الأسوأ في التاريخ المعاصر، وهي تطال الشعب اليمني في مختلف مناحي الحياة، وقد دمّرت بناه التحتية من مؤسسات عامة وخاصة ومستشفيات ومدارس ومنشآت اقتصادية ومحطات الماء والكهرباء.
تتعامى واشنطن وتصم أذنيها عن أن كل ذلك كان بفعل آلة الحرب السعودية وكل من يزودها بالسلاح والعتاد ويقف خلفها داعماً، وفي مقدمة هؤلاء، كل من بريطانيا والولايات المتحدة، وأنها هي التي أوصلت الشعب اليمني إلى المجاعة والموت على أعتاب المؤسسات الصحية التي باتت تفتقر بفعل الحصار السعودي إلى أدنى مقومات الاستمرار، والفارغة من كل شيء، إلا من رائحة الموت.
Leave a Reply