هي مفارقة مذهلة أن يتحول سمير جعجع إلى محامي دفاع عن الرئيس رفيق الحريري، بل ويصر في كل مناسبة تسنح له على استحضار جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري أو التذكير بها، فهو يذكّر عمر كرامي بأنه كان رئيسا للحكومة عندما اغتيل الرئيس رفيق الحريري، معتبرا ذلك بحد ذاته مسؤولية ومشاركة بالجريمة بطريقة غير مباشرة. يستنكر على أي طرف مقاربة قضية اغتيال الرئيس رشيد كرامي حتى من دون تسمية القاتل، وكأنها علامة تميزه عن سائر الخلق، فمتى قال أحدهم “المجرم الذي اغتال رشيد كرامي” ينتفض جعجع مدافعا عن جريمته بإثارة الحديث عن جرائم أخرى، والرئيس بالرئيس يذكر. فالمغدور الأول حظه سيء، إذ تخلى عنه بنو جلدته وأصبح ذكره يستثير النعرات الطائفية ويحرض فريقا على الآخر، وعندما ما يقال يحرض فريقا على الآخر فهذا اعتراف ضمني بأن القاتل ينتمي لأحد الفريقين، وإذا كان الفريقان معروفين للقاصي والداني فإن المجرم بينهما معروف موصوف محل شهرة واعتداد بالنفس والمنجزات والواجبات الوطنية. ألم يقلها سمير جعجع؟ ألم يقل في اعتذاره “النكتة” بأن القتل والإجرام كانا بدافع الواجب الوطني الذي أملته المرحلة؟
بذلك يصبح قتل الرئيس رشيد كرامي واجبا وطنيا مقدسا نفذه سمير جعجع “حتما” فوق مطار “حالات” من غير أن يرف له جفن أو حتى يبدي ولو ظاهريا أسفاً على الرشيد، بل أن الشماتة والتشفي كانتا أبلغ من الجريمة حين ارتكابها في 1 حزيران 1987.
هل يذكر أحد كيف تعاطت قناة (أل بي سي) مع حدث اغتيال الرئيس رشيد كرامي من خلال بثها لإعلان “حالات حتما” قبل وبعد الخبر وهو اسم المطار الذي رفض الرئيس رشيد كرامي تحويله الى مطار مدني لما كان يعرف بالمنطقة الشرقية، لأن ذلك كان الخطوة الأولى في مشروع سمير جعجع-”الحلم”، الوطن الكونفدرالي للمسيحيين.
من يردع القاتل؟ من يحاسب مجرما ماثلا جاثما كما هو، لا يجرؤ على اللجوء الى القضاء من أجل تصحيح حكم الإدانة الصادر بحقه لإنه يفتقر للدليل والبرهان على براءته؟ من يلجم القاتل ويرده عن الضحية التي لازال يغتالها كل يوم تحت عنوان الواجب الوطني؟
هاكم هذه الطامة الكبرى في السياسة اللبنانية: تيار المستقبل المطالب بدم الرئيس رفيق الحريري يتحالف مع من سجنه رفيق الحريري وحلّ “قواته” ومع من قتل الرئيس رشيد كرامي، فتصبح حاله كمن يدعو الى نسيان دم الرئييس كرامي والاستعانة بقاتله من أجل “العدالة” في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري. أما التيار الوطني الحر فيحاذر الدخول على خط المواجهة وإدانة تصاريح جعجع بحق الرئيس عمر كرامي، لأن ذلك يدخله في مواجهة مسيحية داخلية هو حلقتها الأضعف، فالمعركة نشبت بين رمزين طائفيين والحق يحتم عليه نصرة الرمز المختلف “طائفيا”. لكن عند الجنرال عون السكوت أولى من قول الحق والحقيقة!
أما حزب الله إذا تدخل انسجاما مع قناعاته ومبادئه التي يصبح معها سمير جعجع “خائنا للوطن وعميلا اسرائيليا”، فذلك صيد ثمين لجعجع وقع الحزب في دائرته، لأن معركة “قواتية” “حزبلاتية” ترفع أسهم جعجع مسيحيا وتشد عصب قواته من جديد بعد أن سقطت ورقة “البحر من ورائكم والعدو من أمامكم”.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو الى متى سيبقى الرئيس سعد الحريري مغمض العينين، لا يرى ولا يسمع ما يقوم به حليفه سمير جعجع؟ إلى متى سيبقى سمير جعجع حجر عثرة في عملية الاستقرار والى متى سيبقى معكرا للأمن ومثيرا للشغب؟ هل كان رفيق الحريري ليرضى بهذا التحالف الهجين بين “القوات” و”المستقبل” وهل هذا التحالف يتماشى مع مشروع الرئيس رفيق الحريري؟
إلى متى سيبقى سمير جعجع صوتا اسرائيليا عاليا في لبنان من غير أن يجد من يلجمه ويكبحه؟
الى متى سيبقى سمير جعجع حرا طليقا؟ سؤال تجيب عنه المواجهة القادمة في المنطقة ولو بعد حين..
Leave a Reply