كتب خليل رمَّال
عاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الى فلسطين المحتلَّة مزهواً بنصره بعد أنْ أثار زوبعة كبيرة داخل الولايات المتحدة من خلال زيارته وتوجيهه صفعة جديدة للرئيس الأميركي من خلال إصراره على إلقاء كلمة فـي جلسة مشتركة للكونغرس الأميركي بدعوة من رئيس مجلس النوَّاب جون باينر من دون التنسيق مع البيت الأبيض، ولهذا لم يلتق بأي مسؤول رسمي بسبب رفض الرئيس أوباما الإجتماع معه من أجل عدم التأثير فـي الإنتخابات الإسرائيلية المقررة فـي ١٧ آذار (مارس) الحالي. وخلّف نتنياهو وراءه انقساماً حاداً داخل الكونغرس الأميركي بعد مقاطعة ٥٩ مشرِّعاً ديمقراطياً للخطاب (ليس من بينهم ديمقراطيو ميشيغن الذين حضروا جميعاً ماعدا جون كونيورز).
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال كلمته في الكابتول هيل بواشنطن |
لكن هذا الانقسام لا يبدو جدياً الى درجة زعزعة أركان الحلف الأميركي الإسرائيلي خصوصاً بعد محاولة الاعلام، وحتى الحكومة،التخفـيف والحد من آثاره لدوافع يهودية داخلية وحتى لا يغضب اللوبي الاسرائيلي الذي يملك مفاتيح الانتخابات والسلطة بعكس التأثير العربي الاميركي الذي يكاد يكون معدوماً بدليل مشاركة كل المشرعين من ميشيغن بحضور الخطاب ما عدا عضو مجلس النوَّاب الأميركي المخضرم جون كونيورز الذي أصبح قريباً من التقاعد.
إلا أنه فـي حسابات الربح والخسارة لا يمكن تجاهل حقيقة أنه لأول مرة فـي تاريخ الولايات المتحدة يتم انتقاد رئيس وزراء لإسرائيل بهذا الشكل ومن قبل عتاة وأشد المدافعين عن دولة الاحتلال وحتى بعض اليهود من المشرعين الذين تجرأوا على عدم حضور خطابه. وعلى سبيل المثال، شبكة «سي أنْ أنْ» طرحت السؤال على موقعها الإخباري على الإنترنيت عما اذا خسرت إسرائيل الحزب الديمقراطي وهذا طرح لم يسبق له مثيل من قبل، كما تجرأ بعض زعماء الحزب الديمقراطي على توجيه نقد لاذع لنتنياهو وهذا شيء جديد فـي العلاقات السياسية بين أميركا وربيبتها.
ومع أنَّ نتنياهو كان فرحاً بنفسه عندما دخل قاعة الكونغرس وسط عاصفة من التصفـيق وقوفاً له وأخذ يلوح بيديه للمعجبين وكأنه مرشَّح للرئاسة فـي أميركا لا فـي إسرائيل، ومع أن خطابه حفل بجولات تصفـيق حاد وقوفاً بلغت 26 مرة، غير أن تعليقات الصحف ووسائل الإعلام الأميركية أجمعت على انه لم يأتِ بشيءٍ جديد فـي كلمته ومع انه قدم نقطة مهمة الا أنها فـي النهاية لا تصب الا فـي مصلحته السياسية المرتبطة بالانتخابات التشريعية الإسرائيلية.
ووُضع خطاب نتنياهو فـي خانة السلبي ــ العدائي أو السلبي ــ السلبي بالنسبة إلى موقع «ديلي بيست»، الذي اعتبر أنه كان «قوياً لأنه حدّد الطبيعة العدائية للشرق الأوسط تجاه إسرائيل، من خلال الحديث عن لعبة العروش (game of thrones) بين داعش وإيران التي تهدد وجودها»، فنتنياهو أتقن عمله فـي مهاجمة إيران على أنها «معتدٍ إقليمي على جيرانها وراعٍ دولي للإرهاب»، وبالتالي تمكّن من مهاجمة إدارة الرئيس أوباما، التي تسعى إلى إتمام اتفاق مع هذه الدولة، الأمر الذي أسهم بشكل أو بآخر فـي تقوية ولاء المشرعين لإسرائيل وبالتالي تشكيل حصن صلب فـي وجه أوباما.
بناءً عليه، أصبحت مهمة هذا الأخير فـي تسويق اتفاق محتمل مع إيران «أمام كونغرس متشكك»، أصعب من ذي قبل، وفق ما رأى كل من جولي هيرشفـيلد دايفـيس ومايك شير فـي صحيفة «نيويورك تايمز»، التي هاجمت أيضاً فـي افتتاحيتها الخطاب ونتنياهو بشكل حاد. وبعدما شبهته بالـ«بطل الفاتح وسط المشرعين الذين تزاحموا لتملقه فـي طريقه إلى المنصة»، انتقلت إلى وصف ما جرى بـ«المسرح السياسي الاستغلالي» الذي لا تشهده واشنطن غالباً، ولتضيف أن الأسوأ من ذلك كله «كان من الواضح أنه تمّ تعمّد تحدي لسياسة أوباما الخارجية».
«لم يقدم خطاب نتنياهو أي شي جوهري جديد، وكان واضحاً أن هذا الأداء قد حصل من أجل أن يبرهن عن صرامته فـي ما يتعلق بالقضايا الأمنية، قبل الانتخابات البرلمانية»، عقّبت الصحيفة الأميركية. وفـي ما بدا تعمقاً فـي التماهي مع رد أوباما على الخطاب، أضافت «نيويورك تايمز» أن رئيس الحكومة الإسرائيلية «لم يقدّم أي نظرة جديدة عن إيران كما أنه لم يعطِ أي سبب من أجل رفض الاتفاق الهادف إلى احتواء برنامج إيران النووي».
علاوة على ذلك، وفق الصحيفة نفسها فإن مطالبة نتنياهو لباراك أوباما بأن يدفع من أجل اتفاق أفضل، هي مطالبة «فارغة»، إذ «يبدو من الواضح أنه لا يريد المفاوضات، وفشل فـي اقتراح أي مقاربة بديلة معقولة يمكن أن تمنع إيران من مواصلة جهودها النووية». وما أثار حفـيظة الصحيفة هو أن نتنياهو ظهر «كأنه يفرض شروطاً جديدة، بإصراره على أن لا تُرفَع العقوبات الدولية فـي ظل استمرار إيران فـي تصرفها العدائي، بما فـي ذلك عدائيتها تجاه إسرائيل ودعمها حزب الله، الذي وصفه بالسعي لدمار إسرائيل».
كان للصحافـي اليهودي المشهور توماس فريدمان رأي أيضاً فـي هذا الموضوع. بالنسبة إليه، بدت الأجواء المحيطة بالخطاب كـ«السيرك». ففـي مقاله فـي «نيويورك تايمز»، قال إن نتنياهو «لم يقدم حجّة مقنعة»، وأشار فـي سياق آخر إلى أن رئيس الحكومة الإسرائيلية «حذر من أن الاتفاق المؤقت الذي توصل إليه أوباما مع إيران والذي أدى إلى تجميد وإيقاف جزء من برنامجها النووي، سيؤدي إلى انهيار العقوبات، ولكن لم يحدث أي من ذلك».
لم يغفل فريدمان الغمز من قناة الإنتخابات الإسرائيلية، وَإِنْ اعتبر أن «رسالة بيبي (بنيامين نتنياهو) هي أنه ليس هناك أهم من ردع إيران»، لكنه تساءل واضعاً نفسه مكان نتنياهو: «إذا كانت هذه من أهم أولوياتي، فهل كنت سأرتب دعوتي للحديث أمام الكونغرس بالاستفادة فقط من الجمهوريين ومن دون إعلام الرئيس الذي يدير المفاوضات؟ وهل كنت سأقوم بذلك قبل أسبوعين من إجراء الإنتخابات الإسرائيلية؟ وإن كنت أريد أن يكون الأوروبيون إلى جانبي لفرض المزيد من العقوبات، ألم يكن من الأجدى أن أعلن عدم بناء المزيد من المستوطنات فـي الضفة الغربية؟».
بالنسبة إلى ديفـيد إغناطيوس فـي صحيفة «واشنطن بوست»، فقد عمّق خطاب نتنياهو «الانقسام بينه وبين البيت الأبيض، حيث بدا التهليل الحاصل فـي قاعة مجلس النواب كأنه توبيخ بحق البيت الأبيض. كذلك خلق هذا الخطاب دينامية جديدة يمكن أن تضع الشرق الأوسط أقرب إلى حد السكين».
لم يقدم خطاب نتنياهو أي أفكار جديدة، بالنسبة إلى إغناطيوس أيضاً، ولكن ما قام به هو أنه «رفع الحاجز أمام أوباما، وعليه فإن أي اتفاق يمكن أن توقعه الإدارة الأميركية، يجب أن يأخذ فـي الاعتبار المخاوف التي أثارها نتنياهو». وأضاف إن «ما قام به رئيس الحكومة الإسرائيلية من خلال خطابه الذي كانت له آثاره فـي تعميق الخلافات السياسية، هو أنه أسهم فـي زيادة التركيز على ماهية الاتفاق الجيّد».
وكان العديد من القادة والنشطاء اليهود الأميركيين قد عبروا عن قلقهم بشأن اتساع الانقسامات السياسية بين إسرائيل والبيت الأبيض قبل وبعد خطاب نتنياهو. ويخشى كثيرون أن ما يراه البعض أسلوب نتنياهو «فـي وجهك» قد يقوض علاقات وثيقة تمتعت اسرائيل بها منذ فترة طويلة مع الولايات المتحدة.
وقال روب ايشمان، ناشر ورئيس تحرير مجلة يهودية، فـي لوس أنجلوس «الناس مستاؤون من ذلك. انهم من الواضح قلقون حول ايران … (ولكن) أعتقد أنه من المؤسف حقاً أن يفعل رئيس الوزراء نتنياهو هذا العمل- اي خلق صراع خارج الصراع القائم».
وكانت زيارة الزعيم اليميني الليكودي قد تعرضت للاحتجاج حتى من أبرز القادة اليهود ومن بينهم الحاخام مايكل ليرنر، رئيس تحرير «تيكون»، وهي مجلة الأديان اليهودية ومقرها فـي بيركلي، ولاية كاليفورنيا، الذي قام بتنظيم مجموعة احتجاج من أكثر من ٢٤٠٠ شخص وقعوا على إعلان ظهر على صفحة كاملة فـي صحيفة «نيويورك تايمز» ينتقدوا فـيها زيارة نتنياهو.
«لا، يا مستر نتنياهو – أنت لا تتحدث باسم اليهود الأميركيين»، قال الإعلان. كذلك أظهرت استطلاعات الرأي أن غالبية اليهود الأميركيين (وغير اليهود) تدعم محاولة أوباما للتفاوض على تسوية من شأنها أن تحظر تطوير الأسلحة النووية الإيرانية بدلاً من محاولة «تقويض تلك المفاوضات» من قبل رئيس الوزراء الاسرائيلي. «هؤلاء منا الذين يريدون إسرائيل قوية يشعرون بأن (نتنياهو) قد ضعف بشكل كبير التأييد الشعبي»، كما قال ليرنر.
وفـي القدس المحتلَّة استقبلت معظم الصحف الإسرائيلية نتنياهو بمقالات انتقادية ركزت على أن البلاغة اللغوية ليست بديلاً للسياسة الحكيمة التي افتقر إليها بإصراره على إهانة الرئيس باراك أوباما فـي أميركا.
وركز كثير من الساسة والمعلقين على واقع أن خطاب نتنياهو كان فـي الغالب «كلاماً فـي كلام». وحاول بعض الخبراء تحليل الخطاب لجهة العبارات التي استخدمت فـيه، فوجدوا مثلاً أن إيران ذكرت ١٠٧ مرات، وأن كلمة نووي ٤٦ مرة، والاتفاق ٤٠ مرة، فـي حين أن كلمة السلام مرت فقط خمس مرات. وفـي نظر خبراء فإن كلمات مثل «إيران» و«نووي» صارت مضجرة جداً للإسرائيليين، بحيث يصعب أن تؤثر فـيهم، خصوصا أنها تتكرر على لسان نتنياهو منذ أواسط تسعينيات القرن الماضي.
ومن الواضح أن التفاعل الإسرائيلي مع خطاب نتنياهو فـي الكونغرس لم يغير من واقع الاستقطاب القائم. وشكل الخطاب وسيلة للسجال بين اليمين واليسار فـي إسرائيل. وفـيما أيد معظم قادة اليمين الخطاب بكل جوارحهم، عارضه كل قادة الوسط واليسار.
وقد انتقد رئيس «المعسكر الصهيوني» اسحق هرتسوغ بشدة خطاب نتنياهو، ووصفه بأنه لم يسهم قيد أنملة فـي إيقاف المشروع النووي الإيراني. وقال إن «الحقيقة المؤلمة هي أنه بعد التصفـيق، بقي نتنياهو وحيداً، وإسرائيل بقيت وحيدة، والمفاوضات مع إيران ستستمر من دون مشاركة إسرائيلية. هذا الخطاب يمثل التخريب الأشد للعلاقات الأميركية- الإسرائيلية. إنه لن يغير موقف الإدارة، وفقط سيوسع الهوة مع صديقتنا الكبرى وحليفتنا الإستراتيجية».
ووصفت زعيمة «ميرتس» زهافا غالئون الخطاب بأنه «خطاب تخويف كاذب، يتظاهر بأننا ضحية، وفـي الأساس صادم لكمية اليأس وانعدام الأمل الذي يعرضه على إسرائيل والعالم». وأضافت «كالعادة نتنياهو غير مؤهل لأن يقترح علينا أي شيء إيجابي، أي خطة عمل، أي مبادرة. فـي السنوات الست الأخيرة حول نفسه إلى العجوز الغاضب فـي الديبلوماسية الدولية. بعد هذا الخطاب صار ببساطة عديم الصلة. فهو لن يهاجم إيران، وهو جبان ويعرف أنه ليس فـي إسرائيل أحد جاهز لتأييده فـي أي خيار حرب، بل إنه شخصيا لم يتجرأ حتى بالتهديد بذلك هذه المرة».
وكتب حيمي شاليف، من واشنطن فـي «هآرتس»، أن خطاب نتنياهو أمام الكونغرس كان دعاية انتخابية بقيمة مليارات الدولارات، لكن لم يؤثر بالضرورة على المفاوضات الجارية مع ايران.
هذا ظنَّ معظم قادة اسرائيل بنتنياهو الذي اتضح أنه يتمتع بشعبية وسط الجمهوريين والديمقراطيين أكثر مما عنده فـي إسرائيل. أما ردود فعل العرب داخل وخارج أميركا فلا نفع السؤال عنهم لانهم خارج الخدمة وغياب «الحضور» العربي أصبح أكثر بروزاً وأقل نفعاً.
Leave a Reply