رغم الدمار في أوطاننا الأم
ها هو العيد قد حلَّ، والعالم العربي ما يزال يلعق جروحه العميقة في العديد من البلدان العربية التي تشهد عقداً كارثياً من الدمار ونزف الدماء منذ بدايات ما سمي بـ«الربيع العربي»، والذي يبدو من تداعياته المتفاقمة أن أمنيات الناس لبعضهم البعض في الأعياد، بحلول الأمن والخير والبركات ماتزال.. بعيدة المنال!
لكننا في هذا المنقلب من العالم، وتحديداً في منطقة مترو ديترويت، ورغم متابعتنا اليومية للأحداث الدامية في العالم العربي ومعايشتنا المستمرة لآلام وأوجاع أهلنا في الأوطان الأم، في فلسطين واليمن وسوريا والعراق وليبيا وغيرها، نواصل النضال من أجل حقوقنا المدنية والدستورية، والتأكيد على وجودنا ودورنا الفاعل من خلال النجاحات الاقتصادية والأكاديمية والمهنية الأخرى، وكذلك من خلال الانخراط الحثيث في الخدمة العامة، إذ بات أبناء الجالية العربية –خلال العقدين الأخيرين– أكثر ميلاً إلى المشاركة الانتخابية، ترشيحاً وتمثيلاً، وتولياً للوظائف الرفيعة في مختلف الدوائر الحكومية والرسمية.
ها هو عيد جديد يأتي، وبين طياته «عيدية» مفرحة للعرب الأميركيين في منطقة مترو ديترويت، حيث تم –الأسبوع الماضي– تعيين المحامي العربي الأميركي علي حمود مساعد قاض (ماجستريت) في محكمة ديربورن، ليصبح بذلك المساعدون الثلاثة للقضاة في المحكمة الـ19 من أصل عربي، هم بالإضافة إلى حمود، هلال فرحات ودريد الدر.
وفي السياق، استحق العربي الأميركي أسعد طرفة ترقية وظيفية بعد مسيرة طويلة في مجال الخدمة العامة، وأصبح رئيساً لموظفي مكتب محافظ مقاطعة وين، بعد أن شغل لثلاث سنوات منصب كبير مساعدي المحافظ وورن أفينز.
أهمية التعيينين الأخيرين لا تقتصر على كونها تعكس النسيج السكاني في مقاطعة وين التي تضم كثافة عربية متنامية ومؤثرة، ولكنها –وهذا هو الأهم– تشير إلى أن العديد من المهنيين العرب باتوا يدركون بأنهم بحاجة إلى المشاركة النشطة في عملية صنع القرار والمشاركة في الخدمة العامة، بعد أن كانوا لعقود يفضلون الأعمال الحرة ووظائف القطاع الخاص، التي تدر عوائد مالية أكثر وفرة.
عشية الانتخابات العامة، وفي إطار الحديث عن المشاركة في الخدمة العامة، فإن من بين الأخبار المبهجة، ترشح وجوه عربية أميركية بارزة لمناصب رفيعة، في مقدمتهم عبدول السيد الذي يخوض السباق الديمقراطي على حاكمية ولاية ميشيغن، والذي بغض النظر عن حظوظه بالفوز بها، فهي تشير إلى ارتفاع سقف الطموح لدى الشباب العرب الأميركيين الذين باتوا يتطلعون إلى شغل أرفع المناصب، لا في المدن والمقاطعات التي يعيشون فيها، وإنما بات بينهم من يطمح إلى تولي أعلى منصب حكومي في الولاية.
وفي انتخابات مجلس النواب الأميركي، تسعى العربية الأميركية رشيدة طليب إلى الفوز بمقعد ميشيغن (الدائرة 13)، الذي شغر بتقاعد عميد الكونغرس السابق جون كونيرز، في كانون الأول (ديسمبر) الماضي. كذلك تسعى العربية الأميركية فيروز سعد إلى الفوز ببطاقة الحزب الديمقراطي للمنافسة على مقعد ميشيغن «الدائرة 11» التي تشمل أجزاء من مقاطعتي وين وأوكلاند.
أيضاً يخوض عدد من المرشحين العرب الأميركيين المنافسة الانتخابية للفوز بمقاعد في مجلسي النواب والشيوخ في ميشيغن، وفي مقدمتهم النائب الحالي عبدالله حمود (الدائرة ١٥)، إضافة إلى سعد المسمري وأسماء الحسن وابراهيم عياش…
وفي مقاطعة وين، يسعى المرشح العربي الأميركي سام (حسان) بيضون للفوز بعضوية مجلس مفوضي المقاطعة، الأكبر في ولاية ميشيغن.
ومن المفارقات المؤلمة في هذا الخصوص، أن بعض أبناء الجالية العربية لا يترددون في المجاهرة بتمنياتهم بعدم تولي العرب الأميركيين لأي منصب رسمي، بداعي أنهم سينقلون الفساد والمحسوبيات التي عهدناها في الأوطان العربية الأم إلى دوائر السلطة في الولايات المتحدة. ولا شك في أن أصحاب مثل هذه النظرة السوداوية لا يعون أهمية الانخراط في مراكز صناعة القرار وحجم التحديات التي يواجهها العرب والمسلمون الأميركيون في الولايات المتحدة، ناهيك عن أن الأغلبية الساحقة من العرب الذين تولوا مناصب رفيعة خلال السنوات الماضية أثبتوا كفاءة وقدرة عالية على تحمل أعباء المسؤولية، ونجحوا في إظهار الوجه المشرق لجاليتنا من خلال أدائهم المشرف.
في المقابل، فإن أصل أو ديانة أي مرشح لا يجب أن تكون معياراً لتوليه المسؤولية.
ولذلك تحرص «صدى الوطن» بالتعاون مع «اللجنة العربية الأميركية للعمل السياسي» (أيباك) –عند كل استحقاق انتخابي– على التدقيق في سير وأداء وبرامج المرشحين لاسيما العرب منهم، وصولاً إلى اختيار المرشحين الكفوئين والمؤهلين لخدمة مجتمعاتنا بالشكل الأمثل.
في الختام، لا بد من الإشارة إلى أن وصول العديد من العرب الأميركيين إلى المناصب الحكومية والرسمية قد ساهم في تخفيف وطأة الضغوطات والتمييز ضد جالياتنا، وهنا يمكن أن نستشهد بمدينة ديربورن كمثال واضح على ذلك. ولعل الكثيرين يعرفون أن الرئيس السابق لبلدية ديربورن مايكل غايدو كان قد خاض حملته الانتخابية الأولى تحت عنوان «التصدي للمشكلة العربية» لشد عصب الناخبين وحشد المزيد من الأصوات الانتخابية لضمان فوزه، ولكن ديربورن باتت اليوم أكثر من «بيئة صديقة» للعرب الأميركيين، بفضل انخراط أبنائها في مجمل مفاصل الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية، حتى غدت –بلا أدنى مواربة أو مبالغة– عاصمة العرب الأميركيين في الولايات المتحدة!
كل عام وأنتم بخير!
Leave a Reply