لم يسقط الثلج في شمال أميركا حتى الآن، عند الكثيرين هذا فأل سيء وبداية سنة عسيرة وحسيرة. حمل رحيل السنة الماضية وقدوم السنة الجديدة كأس حزن وحسرة لبعض العائلات من أهلنا وجيراننا هنا في ديربورن، بموت حبيب أو عزيز. وغاب بعض الشباب بموت خاطف وصاعق بلا مقدمات. والمؤلم أن يكون خبر الموت صادما لأقرب المقربين وبعد فترة جفاء طويل بين أفراد العائلة الواحدة والأهل والأقارب كما سمعت وشاهدت في مراسم العزاء لأحباء آثروا الرحيل باكرا عن هذه الدنيا.
لاشك أن للموت رهبة وأن فيه مصدرا للحزن النابع من الفراق. وقليل جدا من الناس في الدنيا من يستطيع أن يواجه الموت دون خوف أو جزع. قليل جدا من يجرؤ على ذلك، هؤلاء هم الشهداء والأنبياء وأولو العزم من البشر، أما الأغلبية فترتعش عظامهم رهبة ومخافة من الموت.
ومن المؤسف حقا، أن يرحل عنا الأعزاء والأحباء دون أن يعرفوا عمق ما تحمله لهم قلوبنا من محبة واعتزاز، ودون أن تواتي من حولهم القدرة على أن يسعدوهم في حياتهم بحبهم لهم، وابلاغهم بأحر الكلمات وأصدق المشاعر بدلا من الركون والغفلة الى توهم أنهم سيظلون في الجوار الى الأبد، وإنه دوما هناك غد سنستطيع أن نبلغهم أو نوصل لهم بما “نؤجل” اليوم إعلامهم به، أو نتحرج منه أو نظنه يتنافى مع نضج العمر وما بلغناه في الحياة من مراتب ودرجات.
إننا كبشر جميعا نحتاج كل يوم وربما كل ساعة لأن نذكّر من نحبهم بحبنا لهم، وبحاجة لأن يذكّرنا من يحبوننا بمشاعرهم تجاهنا، لكي نستمد منها القدرة على الاستمرار والاحساس بالرضا عن النفس والحياة. وهنا يحضرني قول الأديب البرازيلي باولو كويلهو حيث قال: “عرض علينا الحب، لكننا أدرنا ظهورنا له ببساطة. إذ كم من مرة منعنا الخوف أو الحرج أو الاستكبار أو الاستسلام للعادة من أن نقترب من شخص ونقول له إننا نحبك”.
وليس هناك أسمى ولا أعمق أو أخلد من الحب الذي عرضه علينا منذ اليوم الأول لمجيئنا للحياة، آباؤنا وأمهاتنا، ولا من الحب الذي عرضناه نحن، الأهل، على أبنائنا منذ بداية رحلتهم في الحياة.
وما أعجب إلا من عاجز عن التعبير عن حبه ومحبته لآبائه ولأبنائه وأقاربه، بالفعل والكلمات على السواء والعتب على كل من يؤجل لإعلان هذا الحب وإسعاد من حوله الى ما بعد فوات الأوان.
إنها كلمة عزاء حارة لكل من فقد عزيزا وحبيبا في بداية هذا العام، كلمة من قلبي وأنا التي أصابتني أحزان كثيرة على أهل وأخوة وأصدقاء فارقوا الحياة. ونحن الأحياء إن أشرقت علينا الشمس لا نعرف اذا كنا سنتنظر مغيبها ولا نعرف متى نقع على الموت أو متى يقع علينا، واذا كان فراق الأحبة في الدنيا غربة، فإن الغربة التي نعيشها في هذا البلد، كقطرات المطر تسقي الأحزان فتنمو وتكبر.. واذا كان الموت والفراق مصيبة فإن هناك نعمة أخرى لا نراها في الموت. وهذه النعمة هي عودة الإنسان الى الله، والله تعالى هو أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.
لنقترب من بعضنا البعض، ولنتواصل ونصل أرحامنا ونغفر ونسامح لمن أساء لنا ولنقُل لشركائنا وجيراننا في الحياة: إننا نحبكم!
Leave a Reply