فشل اللقاء الأخير بين أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى والرئيس نبيه بري، وغادر عمرو موسى لبنان بانطباع لوّن زيارته بأن الأوضاع سائرة باتجاه التعقيد وعلى طريق تشكيل الحكومة الثانية بعد أن رفض الرئيس بري البحث في أي أمر سوى تشكيل حكومة وحدة وطنية، على أن يليها مناقشة المواضيع الأخرى، وعلى رأسها إنتخاب رئيس الجمهورية والحدود بين لبنان وسوريا وغيرها من المواضيع الشائكة كسلاح المقاومة الذي تطلب قوى 14 آذار نزعه مقابل أي تسوية سياسية داخلية.ولكن ما الذي دفع بالجامعة العربية (مصر – السعودية) لإرسال موفدها إلى لبنان في هذه اللحظة بالذات؟لقد انكفأت مبادرات الجامعة العربية عن لبنان منذ أشهر عدة، تاركة لبنان يتخبط في أزمته، وهي بالأصل، حتى في مبادراتها التي كانت تطلقها كانت تراعي مطالب السلطة وتحرص دائماً عليها، حتى تحوّلت في بعض الإقتراحات إلى ناطقة باسمها، ناهيك من أنها منحتها وقتاً إيضافياً مكنّها من الصمود والإستمرار حتى هذه اللحظة. كانت السعودية تقوم بضبط دور الجامعة العربية الذي كان يصل إلى حد تقييد مهمة عمرو موسى، إلى أن وصلت الأمور إلى نقطة اللاعودة بالنسبة لكلا الطرفين، وراح الرئيس لحود يلوّح بإقالة الحكومة الحالية وتشكيل حكومة جديدة، بالتزامن مع تحرك الدبلوماسية الفرنسية بنهج جديد يسعى من خلاله الرئيس الفرنسي الجديد ساركوزي أن يحقق نقاطاً بالسياسة توطد أقدامه في بداية حكمه، فكان الرد الأميركي السريع بعرقلة المبادرة الفرنسية واستبدالها بالتحرك العربي الذي مُني بالفشل الذريع في آخر جولاته قبل الإنشطار اللبناني الكبير.لقد بات واضحاً أن مسألة الحكومة الثانية في لبنان أصبحت أمراً واقعاً، خاصة بعد الإجراء الذي قام به الرئيس محمود عباس في الأراضي الفلسطينية وأقال حكومة إسماعيل هنية وشكل أخرى موالية له. بالرغم من التفاوت في صلاحيات الرئيسين وبغض النظر عن شرعية هكذا خطوة، إلا أن المقارنة تبقى سياسية بحتة. فالدول العربية لا تستطيع سياسياً تبرير نفس الموضوع وضده في آن. فهي لا تستطيع دعم وتأييد حكومة سلام فيّاض في فلسطين وشجب الحكومة الجديدة المزمعة في لبنان والبقاء على دعم حكومة السنيورة. وهذا ما سيكون عليه موقف الدول العربية وعلى رأسها السعودية ومصر، ولكن ذلك سيطيح بالدور الحيادي الذي حاولت مؤخراً أن تتبعه هذه الدول، وسينكشف الصراع وستسقط الأقنعة. بعد مقتل وليد عيدو قامت السلطة بحملة واسعة مدعية أن هناك مخططاً للإطاحة بالأكثرية النيابية وتصفيتها حتى تصبح أقلية عددية، مروّجة أن إغتيال عيدو يأتي ضمن سلسلة إغتيالات نيابية حددتها بالأربعة لتصبح أقلية نيابية، فبرّرت خطوتها بإجراء الإنتخابات الفرعية في المتن وبيروت، وحاولت السلطة وأبواقها المبتذلة أن تروّج هذه المقولة متناسية بسذاجة لا تخلو من البله بأن أربعة أو خمسة أو حتى عشرة نواب إذا ما تمّ قتلهم فإن ذلك لا يغيّر شيئاً على المستوى الدستوري، فالأكثرية تبقى أكثرية والمعارضة تبقى أقلية نيابية، لأن الفارق بينهما حالياً هو أكثر من عشرة نواب، أضف بأن الأكثرية النيابية تُحتسب من إجمالي النواب الأحياء وليس من إجمالي عدد النواب الأصلي. وبالتالي فإن القصد من عملية إغتيال وليد عيدو هو هدف أمني بامتياز، قامت السلطة باستغلاله لصالحها في مسعى لتكريس شرعيتها الدستورية لتكتمل سلسلة الإمتحانات التي خضعت لها، من باريس-3 إلى المحكمة الدولية إلى قرار إقتحام مخيم نهر البارد ولاحقاً الإنتخابات الفرعية ومن ثم إنتخاب رئيس الجمهورية كتتويج لعملية الإنقلاب على الدستور والقانون والميثاق الوطني. أما من جهة المعارضة، وحسب ما روته شخصية معارِضة، «فإن المرحلة لم تعد مرحلة مبادرات فارغة تستهلك الوقت، ولا مرحلة مناورات لكل من السلطة والمعارضة، فهم (السلطة) جادون في عملية إنقلابهم على الدولة وعلى الدستور، وهم قد باعوا أنفسهم للخارج ويقومون بتطبيق أجندة أميركية إسرائيلية ويريدون جر لبنان إلى موقع الصدام مع المقاومة». وتضيف الشخصية المعارضة «ونحن جادون في مواجهة هذا المشروع والتصدي لهذه السلطة الفاسدة ونحن الآن نقوم بالمشاورات اللازمة لتشكيل حكومة إنقاذ وطني بعد حل الحكومة الحالية دستورياً، والمداولات لا تزال جارية لإيجاد الغطاء السياسي الداخلي لهذه الحكومة».كذلك فإن المعارضة تقوم بحملة إتصالات واسعة بالقيادات السنية ورؤوساء الوزراء السابقين من أجل إيجاد الغطاء السني كضرورة سياسية إذا كان رئيس الحكومة الجديدة سيكون سنياً، وقد تم طرح الوزير السابق عبد الرحيم مراد لهذا المنصب، ولكن هذه المسألة مرتبطة بإيجاد الغطاء السني وهو أمر متعذر حتى اللحظة، حيث أن الرئيس الحص يرفض الحكومة الثانية مع تحفظ للرئيس عمر ميقاتي الذي يرفض توّلي منصب الرئيس. والخيار الثاني المتاح أمام المعارضة والأوفر حظاً سياسياً هو أن يكون رئيس الحكومة مسيحياً مارونياً وهو ما يُبرّر سياسياً من خلال أمر الواقع القائم بالآتي:- أولاً، الحكومة المزمع تشكيلها تهدف إلى حماية صلاحيات رئيس الجمهورية «الماروني» والحؤول دون سيطرة حكومة السنيورة «السنيّة» على هذه الصلاحيات، والأحرى أن تكون الحكومة الجديدة ذات طابع ماروني ما يجعل غطاءها السياسي أوسع نظراً للحجم الكبير الذي يمثله الموارنة في المعارضة.ثانياً، إن الواقع الديموغرافي والجيوسياسي في لبنان يحتّم على المعارضة أن تولي المسيحيين دوراً محورياً في الصراع القائم وذلك لعدة أسباب منها:- إبعاد شبح الفتنة المذهبية بين السنة والشيعة، وذلك من خلال تراجع قوى المعارضة الشيعية خطوة للوراء مقابل تقدم مسيحي يحمل الراية، ما يشكل إحراجاً للقوى الغربية وخاصة فرنسا المعروفة تقليدياً بالأم الحنون للموارنة في لبنان.- إزالة مشاعر الغبن والتهميش والتبعية لدى المسيحيين.- تقوية موقع العماد ميشال عون في الوسط المسيحي وقطع طريق الإستقطاب السياسي على سمير جعجع.بعد عزلة طويلة مارستها قوى السلطة على الرئيس لحود، وبعد استهزاء وسخرية رافقا ذكر إسمه، فإن الرئيس لحود يستعد لدخول التاريخ اللبناني كأقوى رئيس للجمهورية استطاع أن يقف في وجه الحملة الغربية – الأميركية وأن يتصدى للمشاريع الحريرية في لبنان ويعيقها إعاقة تامة، تاركاً بصمته إلى الأبد في التاريخ اللبناني عبر حل حكومة السنيورة وتشكيل حكومة ثانية جديدة لن يكون معها لبنان كما كان قبلها.إنها مرحلة لحودية بامتياز.
Leave a Reply