بيروت -عماد مرمل
خلال مشاركته مؤخرا فـي لقاء أقامته مؤسسة التعاون فـي عمان- الاردن، تكريما لرجل الاعمال الفلسطيني سعيد خوري، أطلق احد أبرز قيادات تيار المستقبل الرئيس فؤاد السنيورة مواقف حادة حيال إيران وطريقة تعاملها مع القضية الفلسطينية، قائلا: لمن نترك، نحن العرب، الراية العربية فـي فلسطين؟ أنتركها لايران وميليشياتها ام للتطرف والارهاب؟ واعتبر انه لا يجوز ان يتحول الاسلام فـي بلاد العرب بالذات الى عبء امام حركة
الاوطان العربية، كما لا يجوز ان يستخدمه الايرانيون وغيرهم ضدنا!
ترك هذا الموقف اصداء سلبية لدى العديد من الاوساط السياسية فـي بيروت، خصوصا على مستوى فريق 8آذار الذي استهجن أحد قيادييه مضمون كلام السنيورة وتوقيته، معتبرا ان مواقفه تُسبب «الخراب السياسي».
بدا واضحا، ان ما أدلى به السنيورة يتعارض مع التحضيرات التي يتولاها الرئيس نبيه بري لإطلاق الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل، وهو ترك ظلالا رمادية على مقر الرئاسة الثانية فـي عين التينة، حيث لاحظ زوار بري خلال الايام الاخيرة انزعاجه مما طرحه السنيورة، لكنه تجنب التعليق المباشر عليه، حرصا على إنجاح فرصة الحوار بين «المستقبل» والحزب.
وإذا كان الحوار يتطلع بالدرجة الاولى الى تنفـيس الاحتقان السني-الشيعي، فان طروحات متشنجة كتلك التي صدرت عن رئيس الحكومة الاسبق، من شأنها ان ترفد هذا الاحتقان بالمزيد من «الوحدات الحرارية»، بدل ان يتركز الجهد على تأمين «بيئة حاضنة» للقاء بين حزب الله و«المستقبل»، فـي أعقاب سنوات من القطيعة.
أما فـيما يخص جوهر خطاب السنيورة فـي الاردن، فان هناك فـي بيروت من يقول ان رئيس كتلة المستقبل النيابية أخطأ فـي العنوان الذي بعث اليه رسالته، وانه كان عليه ان يلوم الدول العربية التي تآمرت على فلسطين وقضيتها بأشكال عدة، وتقاعست عن تقديم الدعم للمقاومة الفلسطينية فـي مواجهة الاحتلال الاسرئيلي ترجمة لرفضها الخيار المسلح اساسا، بدلاً من ان يهاجم إيران لانها ملأت الفراغ العربي، ومدت فصائل المقاومة، لاسيما حركتي حماس والجهاد الاسلامي بكل أنواع الدعم.
ويعتبر منتقدو السنيورة ان أفضل طريقة لسحب البساط من تحت أقدام طهران، وتقليص نفوذها على الساحة العربية والذي يشكو منه الملوك والامراء، إنما يكمن فـي ان تبادر الدول العربية المتذمرة من الدور الايراني الى مساعدة الشعب الفلسطيني على مواجهة الاعتداءات الاسرائيلية، ومنحه السلاح الذي يحتاجه للدفاع عن نفسه، وعندها سينجح المتحسسون من إيران فـي قطع «رزقها السياسي» فـي المنطقة وسحب إحدى أبرز أوراق قوتها من يدها.
أما ان يواصل الكثير من العرب محاصرة فلسطين، ورفض تسليح مقاوميها وحتى منع وصول اي سلاح آخر اليهم، مع اعتراضهم فـي الوقت ذاته على الدور الايراني-البديل، فهذه معادلة غير مقبولة وغير مفهومة.
ولعل المفارقة الأشد دويا هي ان طروحات السنيورة ضد إيران تزامنت فـي الوقت ذاته تقريبا مع إشادة علنية من القائد العسكري فـي حركة حماس بما قدمته طهران من مال وسلاح الى المقاومة الفلسطينية، مشيرا خلال احتفال بذكرى تأسيس «حماس» فـي غزة، وبحضور اسماعيل هنية، الى ان من بين المساعدات الايرانية صواريخ جرى استخدامها فـي قصف المدن والمستعمرات الاسرائيلية خلال التصدي للعدوان الاخير على قطاع غزة.
وقد جاء هذا الموقف الشجاع من قبل الرمز العسكري الابرز فـي حركة حماس، برغم التحريض المذهبي على مستوى المنطقة، ليضع السلوك الايراني حيال القضية الفلسطينية فـي سياق يتعارض مع كلمة السنيورة، وصولا الى تفكيك مضمونها.
ومن المؤكد، ان أحدا لا يمكنه ان يزايد على الانتماء السني لـ «حماس» التي، وللمناسبة، تُخالف إيران فـي النظرة الى الازمة السورية، وبالتالي فهي انطلاقا من هويتها الدينية وشرعيتها الجهادية ما كانت لتشكر طهران لو لمست ان دعمها للمقاومة الفلسطينية يندرج فـي إطار السعي الى فرض هيمنة مذهبية او سياسية على القرار الفلسطيني.
وما عبّر عنه السنيورة فـي كلمته ليس منفصلاً عن مناخ عام معاد لإيران، يسود معظم القوى فـي فريق 14آذار، وليس أدل على ذلك من المعارضة الشديدة التي أظهرتها هذه القوى للهبة الايرانية المقترحة لدعم الجيش اللبناني، ما أدى الى تعطيلها وبالتالي حرمان المؤسسة العسكرية من فرصة ثمينة لتعزيز قدراتها، فـي خضم المعركة التي تخوضها ضد الارهاب.
وإذا كان رافضو الهبة يتذرعون بضرورة تجنيب لبنان تداعيات خرق العقوبات الدولية المفروضة على إيران، والتي تمنع الحصول على أسلحة منها، فقد تبين ان الحظر لا يطال الهبات، لانها مجانية، لكن ذلك لم يغير شيئا من موقف المعترضين الذين لا يكفون، فـي معظمهم، عن المطالبة بدعم الجيش حتى يتمكن من بسط سيطرته فوق كل الاراضي اللبنانية!
فـي المقابل، تبدو إيران مرتاحة الى وضعها، على وقع المفاوضات المتواصلة بينها وبين المجموعة الدولية حول الملف النووي. ويقول سياسي لبناني عائد حديثا من طهران لـ «صدى الوطن» ان القيادة الايرانية تتعامل مع الجولة الممددة من المفاوضات باعتبارها جولة حاسمة، يجب ان تفضي الى فشل او نجاح، وبالتالي فهي هذه المرة ليست بوارد الموافقة على أي تمديد جديد.
وتفـيد الاجواء التي عاد بها هذا السياسي ان هناك قناعة لدى طهران بان احتمال شن عدوان عسكري على إيران قد سقط كليا، برغم التهويل والتحريض المتواصلين من اسرائيل.
ويشير السياسي نفسه الى ان قيمة المبالغ العائدة لإيران والمجمدة فـي الخارج تبلغ 120مليار دولار أميركي، لكنه يؤكد ان الايرانيين تأقلموا مع العقوبات المفروضة عليهم، ونجحوا فـي تكييف الاقتصاد معها.
ويلفت الانتباه الى قفزة نوعية حققتها التكنولوجيا الايرانية والصناعات العسكرية فـي زمن الحصار، الى درجة ان أحد المسؤولين الاتراك طلب خلال لقائه مع
مسؤول إيراني تزويد تركيا بالتقنية الايرانية لصناعة الصواريخ.
Leave a Reply