المسار الدبلوماسي سالك.. رغم العقوبات الغربية الموجعة على النفط الإيراني
طهران – أعلن الغرب بقيادة الولايات المتحدة، مطلع الأسبوع الماضي، الحرب الاقتصادية على إيران من خلال محاصرة صادراتها النفطية التي تشكل ٧٠ بالمئة من اقتصاد الجمهورية الإسلامية، في خطوة زادت من تعقيدات المنطقة التي لا تزال مشحونة بانتظار مسار ونتائج الأزمة السورية.
من جهتها، لم تلتزم إيران بالهدوء الذي اتسمت به سياستها في ظل التحولات الكبرى في المنطقة العربية، فوضعت “مضيق هرمز” الإستراتيجي لتجارة النفط في قلب المعادلة مهددة بإغلاقه كرد على العقوبات الغربية، كما هددت بتدمير قواعد عسكرية أميركية في الشرق الأوسط واستهداف إسرائيل خلال دقائق من تعرضها لأي هجوم، في حين مدد الحرس الثوري الإيراني مناورات صاروخية بدأها مباشرة بعد إعلان العقوبات التي كانت متوقعة. وتحاكي هذه المناورات استهداف قواعد عسكرية بالمنطقة نتيجة لسريان حظر أوروبي كامل على شراء النفط الإيراني الخام يهدف الى إجبارها على الحد من النشاط النووي.
تهديدات بإغلاق هرمز واستهداف القواعد الأميركية
ونقلت وكالة “فارس” للأنباء عن قائد الطيران في الحرس الثوري أمير علي حاجي زاده، قوله إن “هذه القواعد جميعا في مرمى صواريخنا، والأرض المحتلة كذلك (إسرائيل) أهداف جيدة بالنسبة لنا”.
وأضاف زاده أن 35 قاعدة أميركية في مرمى الصواريخ الإيرانية التي قال القادة إن أكثرها تقدما ستضرب أهدافا على بعد ألفي كيلومتر، وتابع “فكّرنا في إجراءات لإنشاء قواعد ونشر صواريخ لتدمير كل تلك القواعد في الدقائق الأولى بعد أيّ هجوم”. وجاء التهديد الإيراني ردا على تلميحات إسرائيلية باحتمال مهاجمة إيران إذا فشلت الدبلوماسية في وقف برنامجها النووي المتنازع عليه، كما تحدثت الولايات المتحدة عن العمل العسكري كخيار أخير، لكنها تحث إسرائيل من حين لآخر على إعطاء وقت للعقوبات الاقتصادية المكثفة المفروضة على طهران.
وذكرت وسائل إعلام إيرانية أن التجارب الصاروخية التي نفذت في المناورات التي حملت اسم “الرسول الأعظم ٧”، دمرت بنجاح قواعد جوية صورية. وتقع المنشآت العسكرية الأميركية في البحرين وقطر والإمارات والكويت وتركيا، كما أن لديها نحو عشر قواعد أخرى خارج المنطقة في أفغانستان وقرغيزستان.
وهدد قادة الحرس الثوري بإغلاق مضيق هرمز الذي يمر به أكثر من ثلث تجارة النفط البحرية التي تخرج من الخليج، ردا على العقوبات التي تزداد قسوة. وفي المقابل تؤكد القوى الكبرى أنها لن تتهاون مع أي تعطيل للحركة التجارية عبر المضيق، كما أن للولايات المتحدة وجودا بحريا قويا في منطقة الخليج.
ونقلت واشنطن مؤخرا تعزيزات عسكرية كبيرة إلى الخليج العربي وزادت عدد الطائرات المقاتلة هناك، لتعزيز وجودها العسكري في المنطقة بهدف طمأنة إسرائيل بشأن التعامل مع إيران، الأمر الذي ينذر بعودة أجواء الحرب.
وقالت صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية الأربعاء الماضي إن الولايات المتحدة نقلت تعزيرات عسكرية كبيرة إلى الخليج لردع الجيش الإيراني من أي محاولة محتملة لإغلاق مضيق هرمز، كما زادت من عدد الطائرات المقاتلة القادرة على توجيه ضربات في العمق الإيراني، في حال تصاعد الأزمة بشأن برنامج إيران النووي.
ونقلت الصحيفة عن “مسؤول بارز” في الإدارة الأميركية أن إرسال التعزيرات يأتي في إطار جهد طويل الأمد لتعزيز الوجود العسكري الأميركي في منطقة الخليج العربي بهدف طمأنة إسرائيل بشأن التعامل مع إيران، وأنه “عندما يقول الرئيس إن هناك خيارات أخرى مطروحة بخلاف المفاوضات، فهو يعني ذلك” في إشارة إلى التعزيزات العسكرية.
ونبهت الصحيفة إلى أن تعزيز الوجود العسكري الأميركي في منطقة الخليج يحمل في طياته مخاطر جمة، بينها أن قوات الحرس الثوري الإيراني قد ترد بشكل قوي على تزايد الوجود الغربي هناك.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) قوله إن الرسالة إلى إيران هي “لا تفكري في هذا الأمر، لا تفكري حتى في إغلاق المضيق، لأننا سنقوم بإزالة الألغام. لا تفكري حتى في إرسال قواربك السريعة للتحرش بسفننا الحربية أو التجارية، لأننا سنسقطها في قاع الخليج”.
المسار الدبلوماسي
وعلى المسار الدبلوماسي، اتفقت القوى العالمية مع إيران على عقد اجتماع على مستوى غير رفيع في مدينة إسطنبول التركية لمواصلة المحادثات الفنية بشأن برنامجها النووي، على أمل إنقاذ الدبلوماسية التي تهدف إلى حل النزاع القائم منذ نحو عشر سنوات، وبعد فشل ثلاث جولات من المفاوضات السياسية خلال العام الجاري في التوصل إلى انفراجه. وقال متحدث باسم مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون التي تقود الجهود الدبلوماسية بالنيابة عن القوى الست الكبرى، إن مفاوضين كبارا من الاتحاد الأوروبي وإيران سيجرون محادثات متابعة في إسطنبول حول عدد من الموضوعات الفنية. غير أنه لم يحدد موعدا للجولة التالية من المفاوضات.
وخلال المحادثات الفنية التي عقدت في إسطنبول، الخميس الماضي، واستمرت أكثر من 12 ساعة، بحث المفاوضون قضايا منها منشأة فوردو الإيرانية التي كانت سرية من قبل والتي يجري فيها تخصيب اليورانيوم بمستويات مرتفعة. وتريد القوى الست (الولايات المتحدة والصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا) إغلاق المنشأة الواقعة تحت الأرض، لكن هناك خلافات مع الجانب الإيراني حول كيفية القيام به أو حول الأنشطة الفعلية التي تحدث فيها، مع العلم أن الجانب الروسي يؤيد الموقف الإيراني بالحصول على الطاقة النووية السلمية. وتتهم واشنطن وحلفاؤها إيران باستخدام برنامجها النووي لكي تطور سرا كل المكونات اللازمة لإنتاج الأسلحة النووية، وهو ما نفاه المسؤولون الإيرانيون مرارا، مؤكدين أن هدف تخصيب اليورانيوم هو الحصول على الوقود النووي لتوليد الطاقة لتغطية تزايد الطلب بسبب الزيادة السكانية.
العقوبات
ودخلت، العقوبات الأوروبية على إيران حيّز التنفيذ، وذلك بعد أيام على بدء تطبيق العقوبات الأميركية، في وقت أبدت طهران استعدادها لمواجهة حظر استيراد نفطها، متسلحة بمخصصات من الاحتياط الأجنبي تبلغ 150 مليار دولار. ويؤكد المسؤولون الإيرانيون أن الصادرات مستقرة بنحو 2.1 مليون برميل يوميا وأن إنتاج إيران ارتفع إلى 3.75 مليون برميل في اليوم.
وطمأن مدير البنك المركزي محمود بهنمي إلى أن إيران تمتلك 150 مليار دولار كاحتياطي أجنبي و”هو رقم جيد مقابل ما فرض عليها من عقوبات دولية”. من جهته، قال وزير النفط الإيراني رستم قاسمي إن الحكومة “وضعت كل الخيارات المتاحة لمواجهة العقوبات ونحن على أتم استعداد للتعامل معها”، منوهاً بأن “النفط الإيراني لا يزال يباع في الأسواق الدولية، وأن مستورديه سيكونون اكبر الخاسرين إذا تسبب الحظر في زيادة الأسعار”.
Leave a Reply