وليد مرمر – لندن
بدا واضحاً أن اختيار وزير الخارجية الإيراني الجديد، حسين أمير عبد اللهيان، لموسكو كوجهة لزيارته الخارجية الأولى، جاء في سياق التطورات التي تحدث على حدود إيران الشمالية مع أذربيجان. ذلك أن روسيا هي اللاعب الأقوى في القوقاز سيما بعد الاتفاقات التي أنهت الحرب الأذرية–الأرمنية والتي أعطت لروسيا دوراً محورياً ولوجستياً يؤمن المعابر لسكان البلدين في المناطق المتنازع عليها، ناهيك عن وجود قاعدتين عسكريتين روسيتين في أرمينيا.
وعلى الأرجح، هذه التطورات لن تؤدي إلى اندلاع حرب قريبة بين إيران وأذربيجان، لكن ارتفاع منسوب التوتر بين البلدين أصبح لا يُستهان به وينذر بعواقب تهدد أمن القوقاز.
لكن ما هي أسباب التوتر بين البلدين اللذين يضمان أكبر كثافة سكانية شيعية في العالم؟
إن العلاقات بين البلدين المطلين على بحر قزوين ليست على خير ما يُرام بعد الحرب الأخيرة بين أذربيجان وأرمينيا حول إقليم ناغورني قره باغ العام الماضي، لاسيما بعد أن اختارت إيران– لأسباب عديدة– الوقوف على للحياد بدلاً من دعم جارتها «الشيعية» بمواجهة أرمينيا المسيحية. ولا شك أن وجود مكون آذري يقدر بـ20 مليون نسمة داخل إيران وتحديداً في المحافظات الشمالية المحاذية لأذربيجان، حتَّم على إيران مقاربة النزاع بحذر شديد خصوصا وأنها تعرف أن ثمة رغبات تركية–إسرائيلية تتقاطع مع سياسة سعودية تهدف إلى خلق صراعات إثنية انفصالية داخلية في إيران واستغلال الظروف الاقتصادية الضاغطة بسب العقوبات الأميركية.
مؤخراً، عبّر مسؤولو أذربيجان عن استيائهم من توفير إيران لشريان حياة اقتصادي (استُحدث بعد الحرب الأخيرة) من خلال طرق التجارة والعبور، إلى عدوهم اللدود، أرمينيا. ولكن ليست هذه الأسباب إلا القشور التي تغطي لبّ النزاع بين البلدين ألا وهو التهديد الذي يسببه تواجد إسرائيل في أذربيجان على الأمن القومي الإيراني!
وبالفعل، صرح المسؤولون الإيرانيون في أكثر من مناسبة أن باكو (عاصمة أذربيجان)، أعطت إسرائيل هامشاً واسعاً لاستخدام الأراضي الأذربيجانية لشن عمليات أمنية في عمق إيران، مثل عملية سرقة إسرائيل لنسخ قيمة وحساسة من الملفات النووية في عام 2018، فضلا عن عمليات اغتيال العلماء النوويين والتجسس وغير ذلك.
كما تتهم إيران، باكو بأنها استقدمت عدداً كبيراً من الإرهابيين من سوريا –بالتواطؤ مع تركيا– واستخدمتهم في حربها ضد أرمينيا وهي الآن أعادت تموضعهم على محاذاة حدودها مع إيران من أجل استعمالهم في أية حرب مستقبلية محتملة أو لأجل شن عمليات إرهابية في الداخل الإيراني.
لكن بماذا ترد أذربيجان على الاتهامات الإيرانية لها بإيجاد موطئ قدم لإسرائيل على حدودها؟
منذ أيام قليلة، رد الرئيس الأذربيجاني، إلهام علييف، خلال زيارته لمدينة جبرائيل الحدودية، على الاتهامات الإيرانية بقوله: «إنهم يتحدَّثون وكأن أذربيجان قد جلبت إسرائيل إلى هذه المنطقة فليفتحوا أعينهم وينظروا أين هي إسرائيل هنا؟ لا يعيش إسرائيلي واحد هنا. هل من دليل؟ لا».
وأردف بما يشبه التهديد: «إنني أقول هذا الكلام هنا بمحاذاة نهر أراس (الذي يرسم الحد الفاصل بين أذربيجان وإيران) إن أي اتهامات لا دليل عليها للشعب الأذربيجاني لن تمر دون رد منا»! ولم ينس الرئيس الأذربيجاني –خلال خطابه– أن يأخذ صوراً تذكارية إلى جانب الطائرة المسيرة «هاروب» المصنوعة في إسرائيل، المصدر الأول للسلاح إلى أذربيجان!
لكن ما هو السبب الذي أدى إلى التصعيد الأخير بين البلدين؟
بدأت التوترات الأخيرة في أيلول (سبتمبر) الماضي وذلك عندما منعت الشرطة الأذربيجانية عبور سائقي الشاحنات الإيرانيين الذين كانوا ينقلون البضائع من إيران إلى إقليم ناغورني قره باغ، عبر معبر «لاتشين». وتزامن هذا النقض المفاجئ للاتفاقيات الدولية، مع مناورات استفزازية مشتركة أجرتها أذربيجان مع تركيا وباكستان في 12 سبتمبر الماضي واستمرت لمدة لأسبوع وأُطلق عليها اسم «مناورة الأخوة الثلاثة 2021». هذا التحالف الثلاثي اعتبره الباحث السياسي الأذربيجاني توفيق عباسوف «قادراً على إنشاء نظام جديد في المنطقة».
ولكن للسائل أن يتساءل عن مدى صلابة هذا التحالف في منطقة تحركها المذاهب وتحدد طبيعة سياساتها، فماذا يجمع هذه البلدان الثلاثة؟
إن كون أذربيجان جزءاً من دول الاتحاد السوفياتي لأكثر من ثمانين سنة قبل استقلالها، أدى إلى تهميش الهوية الدينية على حساب الانتماء العرقي (التركي) الذي تم الاستقلال على أساسه وهو ما عمق من أواصر التحالف بينها وبين تركيا رغم اختلاف الهوية المذهبية بين سنة وشيعة. أما فيما خص باكستان فيبدو أن تركيا، ومنذ مؤتمر كوالالمبور عام 2019، الذي تغيبت عنه باكستان بضغط سعودي، ما زالت تحاول ضم إسلام آباد إلى محور إسلامي مناوئ للمملكة العربية السعودية وليس بعيداً عن دائرة الإخوان المسلمين. وأما تمايز سياسة باكستان وعدم سيرها بالمحور السعودي، فمرده أن باكستان دولة نووية وصناعية وذات ثروة بشرية هائلة تؤهلها لأن تكون قطباً إسلامياً بحد ذاتها وليست أقل شأناً من أية دولة أخرى. وما رفضها للمشاركة الفعلية في العدوان السعودي على اليمن –رغم إلحاح الرياض المستمر– إلا مصداقاً لهذه الاستراتيجية.
ويقول المراقبون إن هذه الدول الثلاث (باكستان وتركيا وأذربيجان) تتمتع بكتلة بشرية تناهز 300 مليون وناتج محلي يفوق 1.5 تريليون دولار، فضلاً عن مساحة جغرافية تغطي أكثر من 1.75 مليون كلم مربع.
وبالطبع فإن إسرائيل المتوجسة دائماً من أي تحالف عربي أو إسلامي، سيما بهذا الحجم، استطاعت ضرب عصفورين بحجر واحد، عندما استطاعت اختراق هذا التحالف الجديد عبر بوابة أذربيجان ثم عبر إيجاد موطئ قدم استراتيجي لها في باكو بمواجهة عدوها الوجودي، إيران.
وبهذا أيضاً، تكون إسرائيل قد نجحت بضم عضوَين غير معلَنين إلى «الاتفاق الإبراهيمي» الرامي لتطويق إيران، والذي بات يضم عضوين رسميين من دول الجوار الإيراني، وهما الإمارات والبحرين، وعضوين غير رسميين هما كردستان–العراق وأذربيجان!
كيف ردت إيران على الاستفزازات الأذربيجانية؟
في مطلع تشرين الأول (أكتوبر) الجاري بدأت إيران بإجراء مناورات عسكرية تحت اسم «فاتحو خيبر» وهي مناورات غير مسبوقة على حدودها الشمالية مع أذربيجان التي يبلغ طولها 700 كلم.
بالتوازي، قامت طهران بإغلاق مجالها الجوي أمام الرحلات الجوية العسكرية الأذربيجانية المتجهة إلى إقليم نختشيوان، التابع لأذربيجان ولكنه منفصل عنها وتحيط به دولتا إيران وأرمينيا بالكامل.
وعلق الرئيس الأذربيجاني على المناورات الإيرانية بالقول: «إنه حقهم السيادي. ولكن لماذا الآن؟ لماذا على حدودنا؟».
وفي خطوة انتقامية، ردت أذربيجان يوم الأربعاء الماضي بإغلاق مسجد تابع لمكتب ممثل المرشد الإيراني، السيد على خامنئي، في باكو.
وبالخلاصة لا يبدو أن التصعيد الإيراني الأذربيجاني سيؤدي إلى حرب بين البلدين أقله في المدى المنظور. ولكن هل ستكون أذربيجان كما يدعي المسؤولون الإيرانيون المنصة المحتملة لشن هجوم على منشآتها النووية من قبل إسرائيل؟
ممثل المرشد خامنئي وإمام مدينة أردبيل الحدودية مع أذربيجان، علق على التطورات الأخيرة بالقول: «على الحرس الثوري إجراء تدريبات على طول الحدود لنبين لهم قوتنا ولإظهار قدراتنا. ونقول لهم بكل جدية ونتمنى أن يفهموا رسالتنا: لا تلعبوا بذيل الأسد!».
Leave a Reply