وليد مرمر
«نحن قلقون للغاية لمعرفة التطورات الأخيرة في حالة سلمى الشهاب ونسعى للحصول على المشورة بشأن ما إذا كان هناك أي شيء يمكننا القيام به لدعمها… تظل أفكارنا مع سلمى وعائلتها وأصدقائها».
بهذه التغريدة أقل من الخجولة غرد أحد الإداريين في «جامعة ليدز» البريطانية بخصوص الحكم الصادر عن السلطات السعودية بحق طالبة الدكتوراه سلمى شهاب. ولا عجب فـ«جامعة ليدز» تعج بالطلاب الخليجيين والسعوديين تحديداً والذين تدفع الدولة السعودية بدل أقساطهم الباهظة وبالتالي فإن أي تعليق «غير متوازن» قد يُعتبر تهجماً على أمراء آل سعود مما قد يؤدي إلى مقاطعة الجامعة وحرمانها من عائدات سنوية بالملايين.
سلمى الشهاب هي طالبة دكتوراه سعودية في «جامعة ليدز» البريطانية وهي أم لطفلين في الرابعة والسادسة. وقد قامت السلطات السعودية باعتقالها لدى عودتها لقضاء إجازة في بدء العام الجاري في وطنها بعد أن أعادت تغريد تدوينة للناشطة لينا الهذلول، أخت لجين الهذلول، تطالب بـ«الحرية للجين الهذلول. الحرية لجميع معتقلي الرأي. حريتك هي أمنيتي الأولى في هذه السنة الجديدة. عام جديد سعيد».
على أثر ذلك، قامت السلطات السعودية بإخضاع الشهاب لجلسات استجواب على مدار تسعة أشهر قبل تقديمها إلى المحكمة الجزائية بتهمة بـ«إعادة نشر تغاريد للمعارضين»! وهذا بحسب وثائق المحكمة قد يؤدي «لإحداث اضطرابات عامة وزعزعة استقرار الأمن المدني والوطني»!
ولقد أشارت المحكمة أثناء النطق بالحكم إلى تغريدات سلمى الشهاب «الداعمة لحقوق المرأة في السعودية وإلى تضامنها مع النشطاء الحقوقيين المسجونين مثل لجين الهذلول داعية إلى إطلاق سراحهم»، حسبما ذكرت صحيفة «دايلي ميل» البريطانية.
ونتيجة لتلك التغريدة قامت محاكم «التفتيش» التابعة لنظام آل سعود بالحكم على سلمى الشهاب بالسجن 34 سنة يليها حظر سفر لمدة 34 سنة أخرى.
منظمة العفو الدولية صرحت على لسان إحدى مسؤوليها دانا أحمد أن الحكم الصادر عن المحكمة كان «صادماً للغاية وغير مبرر لأن تهمها تتعلق فقط باستخدامها لـ«تويتر»، وأن السلطات السعودية قد أساءت بشكل روتيني استخدام قانون مكافحة الإرهاب لإسكات ومحاكمة النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان». وكانت المنظمة قد أشارت في وثيقة أخرى «أن الملاحقات القضائية وأحكام السجن والإعدامات في السعودية قد ازدادت بشكل ملحوظ في عام 2021 مقارنة بعام 2020.
قمع الحريات
للسائل أن يسأل عن ماهية الضير من تغريدات سلمى الشهاب إذا كان ولي العهد محمد ابن سلمان –الحاكم الفعلي للمملكة– يدّعي أنه من المؤيدين للحقوق والحريات؟ أم أن ذلك ليس إلا ذرا للرماد في العيون حيث كانت السنوات الخمس العجاف منذ توليه منصب ولاية الأمر أكثر السنوات استبدادا وظلما ودكتاتورية بحيث اقتصر التغيير «الإيجابي» في أداء السلطة على تشريع هيئة الترفيه!
فهل أصبح نظام آل سعود من الهشاشة بحيث صار يرتعب من نشر تغريدة بسيطة غير مناوئة للسلطة ولكنها مؤيدة لحقوق المدنيين؟ بل هل يدعي النظام فعلاً أن هكذا تغريدة هي من الخطورة بمكان بحيث أنها قد تزعزع الاستقرار وتقوّض الأمن؟
إن مستويات القمع المفرط بحق كل من يبدي انتقاداً لأداء السلطة السعودية، ولو من بعيد، قد وصل إلى مستويات متدنية يندى لها جبينُ كل من ينافح عن حقوق الإنسان. ولا يفتأ الأمراء يستعملون المحاكم التابعة لبلاطهم كأداة عقابية ضد أقل المنتقدين لسياساتهم.
إن ابن سلمان لم يكن الحاكم الأول الذي يمسك بزمام سلطات الاستبداد في المملكة ذلك أن سياسات القمع والبطش هي من التكوين البنيوي لنظام آل سعود/آل الشيخ الهجين. ولكن الفترة التي تلت صعود «أم بي أس» للسلطة نتج عنها قمع غير مسبوق للحريات المدنية والحقوق المدنية كحريات الرأي والنشر والاجتماع وغيرها، حيث كانت السلطات تقوم باعتقال المدافعين والناشطين الحقوقيين والشيوخ والأكاديميين وحتى الأدباء وزجهم بالسجون بشكل تعسفي. ولقد طالت الاعتقالات أي شخص ينتقد الأداء العام للسلطة، ولم توفر المسؤولين الحكوميين ورجال الأعمال بل وحتى أفراداً من الأسرة المالكة، كما حصل في حادثة «الريتز» الشهيرة.
وحتى حركة «حماس» التي تتحاشى عادة توجيه انتقاد إلى السلطات السعوديةو قالت على لسان مسؤولها في الخارج خالد مشعل في مقابلة منذ أيام على قناة «الجزيرة» رداً على سؤال عن سبب تغير الموقف السعودي من الحركة: «لا سبب جوهري يستحق هذا التغيير، «حماس» لم تسئ لأحد، «حماس» لديها رؤية وسياسة واضحة، هي تحارب الاحتلال الصهيوني ولا تتدخل في شؤون الدول». وتابع مشعل قائلاً: «لكن لا يصح أن تأتي دولة وتحاسبني لأنني والله متمسك بفلسطين أو أنني أمارس المقاومة، هم مخطئون فيما يفعلون، أكثر من 60 معتقلاً لديهم، يا أخي إذا اعتبرت وجودهم عبئاً عليك أخرجهم، اطلب منهم مغادرة المملكة لكن لا تعتقلهم»!
ومنذ وصول ابن سلمان إلى السلطة أصبح التعذيب الوحشي سمة من سمات الاحتجاز لدى السلطات السعودية، بحسب النشطاء، لاسيما السعوديين المقيمين في الخارج الذين يتداولون قصصاً مرعبة عن ممارسات السلطات بحق المساجين في أماكن الاحتجاز غير الرسمية مثل «قبو القصر الملكي» ومكان آخر مجهول يُسمى «الفندق».
صمت أم تواطؤ دولي؟
لقد عانى ابن سلمان من عزلة دولية بعد فضيحة اغتيال جمال الخاشقجي وتقطيعه في قنصلية اسطنبول والتخلص من جثته! وهذا ليس افتراء على ولي العهد، فقد أشار تقرير وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي أي) بخصوص عملية القتل حينها، إلى أن ولي العهد السعودي قد وافق شخصياً على تنفيذ العملية.
لكن يبدو أن استمرار ابن سلمان في سدة السلطة يستند إلى ثلاث ركائز محورية. أولها، عملية التطبيع الجارية على قدم وساق بين دول تسير في الفلك السعودي مع إسرائيل. والثانية، هو العداء المطلق غير المبرر لإيران رغم عروضها المتكررة لتحسين العلاقة بين البلدين. والثالثة، هو رضوخه لمتطلبات أسواق الطاقة بما يتوافق مع التوجيهات الغربية. ولذا فربما قد يكون تمسك المسؤولين الإسرائيليين بابن سلمان قد أدى إلى إقناع الأميركيين بعدم وجود بديل عنه بين أمراء آل سعود، للقيام بالدور الذي يقوم به.
هكذا، وبكل صفاقة، وبعد جفاف دم الخاشقجي عن بلاط وجدران قنصلية بلاده في اسطنبول، إذا بالدول التي تتشدق بحوق الإنسان والحريات المدنية ليلاً نهاراً ترفع الحظر عن نظام ابن سلمان وتعيده إلى الحضن الدولي.
في هذا السياق، تناسى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التسجيلات الصوتية التي كان يتباهى أنها بحوزة مخابراته والتي تدين النظام السعودي بمقتل خاشقجي، وقام بزيارة جدة في نيسان (أبريل) الماضي وصافح اليد التي اتهمها مراراً –ولو بشكل موارب– بالقتل.
لا شك أن الحرب الروسية الأوكرانية قد سرّعت من وتيرة تطبيع العلاقات الدولية–السعودية بسبب الحاجة لنفط المملكة لتعويض النفط الروسي. فجاءت زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى جدة لتضرب عرض الحائط بتقارير الاستخبارات عن مقتل خاشقجي، وتشرخ أسطوانة حقوق الإنسان التي يتفنن ولي العهد السعودي بانتهاكها بشكل منهجي، وعلى عينك يا تاجر.
أما ثالثة الأثافي فكانت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الرياض في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، والتي نسفت الادعاء الفرنسي التاريخي بالدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان والعدالة.
Leave a Reply