يتباهى الرئيس الأميركي دونالد ترامب هذه الأيام بأنه حقّق ما عجز عنه أسلافه في البيت الأبيض على مدار تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، فهو نجح خلال شهر واحد، في دفع دولتين عربيتين –الإمارات والبحرين– إلى الاعتراف بدولة الاحتلال وتوقيع معاهدات معها، ليصبح إجمالي عدد الدول العربية المطبّعة رسمياً مع إسرائيل، أربع، والحبل على الجرار، بحسب ترامب.
فخلال العقود الماضية، فشلت جهود الوساطات الأميركية في تبريد الصراع العربي الإسرائيلي، ولم تثمر إلا عن اتفاقية «كامب ديفيد» (1978) في أعقاب «حرب تشرين»، التي وعد الرئيس المصري الأسبق أنور السادات بأنها ستكون آخر الحروب العربية مع إسرائيل، وتلتها اتفاقية «وادي عربة» مع الأردن (1994) التي فشلت –بدورها– في أن تسهم بدفع عملية السلام بين دولة الاحتلال والسلطة الفلسطينية، المتعثرة منذ اتفاق أوسلو عام 1993.
لكن في حقيقة الأمر، إن مجرد مقارنة اتفاق «السلام» المزدوج الذي وقعه ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزيرا خارجية أبوظبي والمنامة في واشنطن، الثلاثاء الماضي، باتفاقي «كامب ديفيد» و«وادي عربة» تثبت كم هي فارغةً بطولات الرئيس الأميركي، كما تؤكد أن ما تم تقديمه على أنه إنجاز تاريخي لم يكن سوى عراضة انتخابية مزدوجة لترامب ونتنياهو معاً، على حساب ما تبقى من ماء وجه بعض الدول العربية المرتمية بأحضان إسرائيل منذ سنوات طويلة.
فالإمارات والبحرين ليستا من دول الطوق كما هو الحال مع مصر والأردن، كما أنهما لم تشاركا قط في أية حروب عربية ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي منذ نشأة الكيان الصهيوني قبل أكثر من سبعة عقود.
وليس سراً أيضاً، أن معاهدتي «كامب ديفيد» و«وداي عربة»، وإن نجحتا في تحييد جيشين عربيين عن الصراع، قد فشلتا في تطبيع العلاقات الإسرائيلية–المصرية والأردنية، سواء ثقافياً أو اجتماعياً أو شعبياً، فظلتا مجرد إطارين سياسيين يفرضان شروطهما بالقوة والإكراه على الشعبين المصري والأردني، ناهيك عن فشلهما في تحسين صورة إسرائيل أمام الشعوب العربية الأخرى، التي لاتزال ترى في الاحتلال عدواً وجودياً لها وللشعب الفلسطيني وحقوقه التاريخية.
لم تنجح المعاهدتان سيئتا الصيت في إحلال السلام المزعوم بين الدول العربية والكيان الاستيطاني الذي استمر في شن حروبه وهجماته العسكرية على لبنان وسوريا والأراضي الفلسطينية. وبينما كان المجتمع الدولي يختبئ خلف «عملية السلام في الشرق الأوسط» لتبرير حروب إسرائيل وجرائمها المتكررة، نجحت المقاومتان اللبنانية والفلسطينية، في إلحاق الهزائم المذلة بالدولة العبرية، خلال «حرب تموز» عام 2006، وفي صدّ الاعتداءات الإسرائيلية المتوالية على قطاع غزة، والتي كان أقساها وأفظعها عام 2014.
لقد شكلت «كامب ديفيد» طعنة مؤلمة للعرب عامة والفلسطينيين خاصة، لم تنته آلامها وتداعياتها السياسية والعسكرية بمقتل السادات نفسه. وكانت «وادي عربة» بمثابة ضربة تحت الحزام لجهود السلام المزعومة في منطقة الشرق الأوسط، رغم تذرعها بانضمام الفلسطينيين إلى طاولة المحادثات مع الدولة العبرية، إذ ليس خافياً على أحد أن جذور العلاقات السرية بين تل أبيب وعمان تعود إلى أيام حرب حزيران 1967.
أما الاتفاق المزدوج، الذي وقعته إسرائيل مع الإمارات والبحرين، الأسبوع الماضي، فيفتقر حتى للشرعية الدستورية والسياسية، من كافة الجوانب والأوجه، لأن نظامي أبوظبي والمنامة ليسا منتخبين بإرادة حرة من قبل الشعبين الإماراتي والبحريني، كما أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يعاني من أزمات سياسية وقضائية واقتصادية حادة، بعد فشله في حسم الانتخابات الإسرائيلية، لثلاث دورات متتالية. بل إن شرعية الرئيس الأميركي نفسه، ستكون على المحك، في غضون الشهرين المقبلين.
ومن الواضح أيضاً أن الشارع العربي لم يتجرع المرارة نفسها التي تجرعها بعد الإعلان عن معاهدتي «كامب ديفيد» و«وادي عربة»، لأن الإمارات والبحرين لم تكونا قط ضمن حسابات الشعوب العربية الطامحة إلى التحرر من دولة الاحتلال، وقد جاء «اتفاق إبراهيم» هذا ليسقط آخر أوراق التوت عن الدولتين اللتين منحتهما بريطانيا استقلالهما بعد قيام إسرائيل في نكبة 1948.
والإمارات والبحرين هما أصلاً من الأنظمة العربية المتهمة بالتآمر على قوى المقاومة في المنطقة، وما تطبيعهما المجاني للعلاقات مع إسرائيل سوى خير إثبات.
لقد بات القاصي والداني، يعلم بأن المعاهدتين الأخيرتين ليستا سوى «لمسة أخيرة» لإخراج العلاقات السرية إلى العلن، دون أية مراعاة للشعوب العربية، فسقطت الأقنعة والتقطت الصور التذكارية للابتسامات الوقحة.
لم تكن احتفالية البيت الأبيض بالاتفاقين الأخيرين، أكثر من حفل زفاف مزدوج، جاء إتماماً لـ«علاقة غير شرعية» مستمرة منذ سنوات، بين إسرائيل وبعض الدول الخليجية التي اقترفت كل المحرمات العربية والإسلامية إرضاء للكيان الصهيوني.
أما على أرض الواقع، فمن غير المتوقع أن يسهم «اتفاق إبراهيم» في تغيير معادلات الصراع العربي الإسرائيلي، أو إفراغه من مضمونه السياسي والتاريخي والحقوقي، لأن المسألة هي قضية صراع بين حق وباطل. والحق معروف، والباطل معروف، وإذا ترك للشعوب العربية أن تختار، فالجواب سيكون معروفاً!
«صدى الوطن»
Leave a Reply