إثارة موضوع المشاركة وصلاحيات نائب رئيس الحكومة فتح الباب لإلغاء الطائفيةأبو جمرا فـي منصب غير موجود دستورياً وباق بقوة العرف
الحديث عن طائف «جديد»، أمر لا بدّ منه، بعد حوالى عشرين عاماً على الاتفاق الذي يحمل اسم المدينة السعودية، بين النواب اللبنانيين، والذي كان محطة للانتقال من الحرب الأهلية إلى السلم الأهلي، ولتطبيق إصلاحات على النظام السياسي، والانتقال بالدستور من الجمهورية الأولى إلى الجمهورية الثانية.فاتفاق الطائف هو نتاج تسوية بين الأطراف اللبنانية التي تقاتلت في الحرب-الفتنة، ورعته دول عربية واقليمية ودولية، وتم إنتاجه مع تحولات طرأت على العالم، بانهيار الاتحاد السوفياتي وسقوط المنظومة الاشتراكية التابعة له، وحصول تقارب سعودي-سوري على رفض الدخول العراقي الى الكويت، فأعطيت سوريا الضوء الاخضر اميركياً من أجل تنفيذ بنود اتفاق الطائف الذي كلف اللبنانيين «حربي تحرير وإلغاء» وإزالة تمرد العماد ميشال عون عليه، وإنهاء وجوده كرئيس حكومة عسكرية في القصر الجمهوري.هذا الاتفاق لم تطبق بنود أساسية فيه، ومن أهمها إلغاء الطائفية، حيث وقفت الطبقة السياسية بوجه إنشاء «الهيئة الوطنية العليا لإلغاء الطائفية» التي نص عليها اتفاق الطائف، ومر عهدان وأربع دورات انتخابية لمجلس النواب، وتشكيل 11 حكومة برئاسات مختلفة، ولم يتم التقدم نحو قيام هذه الهيئة، التي عليها إلغاء الاسباب الرئيسية للأزمات في لبنان، هو هذا النظام السياسي الطائفي، الذي يكرس المحاصصات الطائفية فيه، ويضع الطوائف والمذاهب في مواجهة بعضها بعضا في الصلاحيات لجهة المشاركة والممارسة، وقد اندلعت كل الازمات والحروب تحت هذا العنوان في كثير من الاحيان، تضاف اليها عوامل اخرى، وتدخلات خارجية، لكن الحرب الاهلية اشتعلت في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، تحت شعار المشاركة في الحكم مع رئيس الجمهورية الذي رفعه السنّة في لبنان وتداخلت معه ظروف نشوء المقاومة الفلسطينية في لبنان واتخاذها من أرضه نقطة انطلاق لعملياتها، فاحتضنها اللبنانيون، واعتبرها أغلبية زعماء السنة «جيشهم» لإقامة التوازن مع المارونية السياسية التي كانت تنظر الى الجيش اللبناني، على انه حامي امتيازاتها في النظام السياسي، فوقع الانقسام حول دوره ومهامه وعقيدته.فالمشاركة تبقى هي المحور الذي تدور حوله الطوائف والمذاهب في لبنان، وتترجمها بشعارات سياسية، مئل الغبن عند السنة والحرمان عند الشيعة والإحباط عند الموارنة وافتقار للصلاحيات عند الارثوذكس وتهميش لدى الدروز الذين يعتبرون ان طائفتهم كانت في اساس لبنان وقيام كيانه، فيما الكاثوليك يشعرون انهم خارج المعادلات وباتوا يفتقدون الى قيادات.لذلك فإن نغمة المشاركة في السلطة يطلقها من وقت لآخر، زعماء الطوائف وأحزابها، وكان آخرها ما أعلنه نائب رئيس الحكومة عصام ابو جمرا الذي طالب بدور له في مجلس الوزراء، الذي من المفترض ان يكون له نظام داخلي يوزع المهام، لا سيما عند غياب رئيس الحكومة، حيث من المفترض ان ينوب مكانه نائبه، وهذا ما نص عليه النظام الداخلي لمجلس النواب، وتقوم عليه الجمعيات والأحزاب، وهو شأن مختلف عن الدستور الذي نص عرفاً على توزيع السلطات دون ان يحدد طائفتها، بدليل ترشح شخصيات غير مارونية الى رئاسة الجمهورية، ووصول شخصيات غير شيعية الى رئاسة مجلس النواب، وكذلك ليس هناك نص دستوري يحدد طائفية أو مذهب رئيس الحكومة، ولا ذكر أيضاً لتوزيع الوظائف في الفئة الاولى على الطوائف والمذاهب، بل إشارة الى المناصفة فيها، وهو ما برّر المطالبة في بعض الاحيان، بحصول المداورة في وظائف الفئة الاولى بين الطوائف، وقد حصل ان المديرية العامة للأمن العام انتقلت من الموارنة الى الشيعة في عهد الرئيس اميل لحود، فتسلمها اللواء جميل السيد.فاتفاق الطائف نص على إلغاء طائفية الوظيفة، مع المحافظة على المناصفة في الفئة الاولى، دون أن يقيدها في الوظائف الادنى، بحيث تعتمد الكفاءة والنجاح في امتحانات الدخول الى الوظيفة التي يجريها مجلس الخدمة المدنية او المؤسسة العسكرية والادارات الامنية، مما يدل على ان الحالة الطائفية ليست موجودة في الدستور، بل العرف هو الذي كرسها، وأدخل لبنان عصر «الديموقراطية التوافقية»، انطلاقاً مما ورد في مقدمة الدستور عن صيغة العيش المشترك، وان لا شرعية لأي سلطة اذا لم تمثل الطوائف فيها، وهذا ما كشفته الازمة السياسية والدستورية التي نشبت مع تحرك المعارضة في اول كانون الاول من العام 2006، عندما رفضت الاستئثار بالسلطة من قبل فريق 14 شباط، الذي لم يراع التوازن عند تأليف الحكومة أو إخراج قوة مسيحية أساسية هي «التيار الوطني الحر» وحلفاؤه منها، كما حاول القفز فوق مشاركة الشيعة فيها عندما حصل خلل في الثلث الضامن بانقلاب وزراء كانوا محسوبين على رئيس الجمهورية السابق اميل لحود، وانضمام ثلاثة منهم الى قوى 14 شباط فأصبحت القرارات تصدر من دون دور للشريك الشيعي، فاستقال وزراء حركة «أمل» و«حزب الله» من الحكومة، التي باتت منقوصة وغير ميثاقية وفقدت شرعيتها الى ان جاء اتفاق الدوحة، بعد حوالى عامين من الازمة التي تسببت بإشعال معارك واشتباكات وبإراقة دماء، واحتقان سياسي تحول في بعض الاحيان الى انفجار واقتتال مذهبي وطائفي، ورضخت الموالاة لمطالب المعارضة التي تحركت على الارض عسكرياً وفرضت شروطها، وتألفت حكومة الوحدة الوطنية وفق ما نص اتفاق الدوحة، وبات اللبنانيون أمام اتفاقين متناقضين، الاول ينص على ان المحافظة هي الاساس في قانون الانتخاب، فيما تراجع اتفاق الدوحة عنها الى القضاء، وهو ما ينسف اتفاق الطائف، واصلاح النظام السياسي الذي كان قانون الانتخاب نقطة الانطلاق فيه لان على صورته تتكون السلطة.وعندما يطرح اللواء أبو جمرا موضوع صلاحيات نائب رئيس الحكومة، فهو ليس الوحيد الذي يثيره، لأنه سبق لآخرين ممن تولوا هذه المسؤولية أن عرضوا هذه المعضلة، حيث لا وجود لمنصب نائب رئيس الحكومة في الدستور، وهو ما دفع بالنائب السابق الدكتور حسن الرفاعي الى القول ان هذا المنصب غير دستوري، وذهب وزير العدل ابراهيم النجار، وهو ارثوذكسي الى وصفه بـ«منصب شرف»، مما فتح الباب للبحث في موضوع الهيكلية التي تقوم عليها الحكومة، طالما لا وجود لنائب رئيس الحكومة في الدستور، وقد فسر البعض مطالبة أبو جمرا بمكتب له في السرايا الحكومية، وبأن ينوب عن رئيس الحكومة في غيابه، انه دعوة لتعديل الدستور، او الدخول على صلاحيات رئيس الحكومة، الذي رفض البحث في الامرين، لأنهما وفق السنيورة يمسان بأسس الصيغة اللبنانية وتركيبة الحكم وتطاول على موقع يخص الطائفة السنية، حيث جرى تكبير القضية وإعطاؤها أبعاداً طائفية ومذهبية من خلال ردود فعل «تيار المستقبل» والمتحالفين معه من رجال دين سنة، فيما ربطها البعض من مسيحيي 14 شباط بالانتخابات النيابية ومحاولة «التيار الوطني الحر» إثارة مواضيع طائفية، ورفعه شعارات تدعو الى استعادة «حقوق المسيحيين»، كما ان مخيلة البعض منهم ربطت بين طرح موضوع نائب رئيس الحكومة والتغطية على زيارة العماد عون الى الجمهورية الاسلامية الايرانية، والحملة التي قام بها هذا الفريق ضدها، واعتبارها ضد «المزاج الشعبي المسيحي».وتبين من خلال الوثائق والمحاضر، ان نائب رئيس الحكومة في حكومات سابقة، ومنذ الاستقلال، مارس دوره، وترأس اجتماعات للحكومة ووقع عن رئيس الحكومة قبل اتفاق الطائف وبعده، وفي الدستور القديم وبعد إدخال التعديلات عليه، مما يؤكد صوابية طرح أبو جمرا بضرورة بت هذا الموضوع الذي يثار مع كل تأليف حكومة، لا سيما التي لا يكون مع نائب رئيس الحكومة حقيبة يمارس صلاحياته من خلالها، فيشعر وكأنه عاطل عن العمل ومجرد رقم إضافي في الحكومة التي هو نائب رئيسها والرقم الثاني فيها، وان الوزراء حاملي الحقائب أهم منه فيها.وعندما تولى عصام فارس نائب رئيس الحكومة سأل عن الصلاحيات وموقعه في الحكومة، وكان الاخراج بأن أعطي مهمة ترؤس اللجان الوزارية في حكومات الحريري التي كان عضواً فيها، ولكنه كان يداوم في مكتبه الخاص ولديه جهاز بشري من المستشارين يعملون لديه وفي مؤسساته الخاصة، ولا علاقة لهم بالدولة، واللواء أبو جمرا يحاول أن يمارس الدور الذي مارسه فارس لجهة تكليفه بمهام من مجلس الوزراء، وان يكون مكتبه بالقرب من رئيس الحكومة في السرايا لأنه هو نائبه ويجب أن يبقيا على اتصال وتواصل، وهو لا يفكر أبداً في خلق أزمة حكومية أو مقاطعة الحكومة بل رفع الصوت عالياً مطالباً بحقوق، وهو عندما خرج من اجتماع مجلس الوزراء الأخير لأن الرئيس السنيورة لم يستجب لطلبه الخطي بعرض موضوع صلاحيات نائب رئيس الحكومة على جدول أعمال المجلس، وانتظر أكثر من شهر لكنه لم يلق جواباً، والرد عليه كان من رئيس الحكومة انه سيتم استئجار مكاتب لوزراء الدولة وهو من بينهم ولن يجاور مكتبه مكتب رئيس الحكومة في السرايا، لأنها مقره الرسمي ومكان إقامته، كما هي حال رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب، فرد عليه أبو جمرا بالرفض لأن نائب رئيس المجلس النيابي له مكتب في المجلس، وينوب عن رئيس المجلس بترؤس الجلسات عندما يكلفه، ويترأس اجتماعات اللجان النيابية المشتركة.هكذا فإن صلاحيات نائب رئيس الحكومة قد تفجر الحكومة، اذا لم يتم تدارك الأزمة من خلال إيجاد حل بأن يمارس الدور والمهام التي كان يقوم بها عصام فارس، وقد جرى الحديث في ترئيسه لجانا وزارية منها مثلاً لجنة للبحث ومناقشة الاتفاقيات المعقودة بين لبنان وسوريا، وغيرها من المواضيع التي يلزمها متابعة.فإثارة هذا الموضوع يفتح الباب للبحث في اتفاق الطائف، والممارسة الدستورية تحته، والبنود التي تم تطبيقها، وهل هو بحاجة لمراجعة وعملية تقويم، اذ تبين أن هناك غبنا لاحقا بصلاحيات رئيس الجمهورية الذي يلزمه الدستور بالتوقيع على المراسيم خلال أسبوعين، ويعفي الوزراء من ذلك، إضافة الى حل مجلس النواب، ومسائل أخرى ظهرت في أثناء تأدية الرئيس مهامه، وان هناك خللاً بدأ يبرز، وان هذا الاتفاق الذي تم تركيب بنود فيه تحكمت فيها ظروف السبعينيات والثمانينيات، من القرن الماضي، وقد بات من المفيد وبعد 20 عاماً على اتفاق الطائف أن يعاد النظر فيه أو صياغة اتفاق آخر، بعدما دخل لبنان في عصر اتفاق الدوحة ولان ثمة مواد دستورية غامضة ولا تفسير واضحا لها، لا بد من تعديلها، وطالما ان المادة 49 من الدستور يجري تعديلها دائماً في ما يتعلق بانتخابات رئاسة الجمهورية ومن يحق له الترشح، فإن تعديلات اخرى يجب ان تحصل.
Leave a Reply