جنيف، عواصم – ما بعد «اتفاق جنيف» ليس كما قبله، هذا ما يقوله الإيرانيون. ومن بوابة الإقتصاد يلمحون إلى أن الإتفاق صيغ بقاعدة «رابح-رابح»، في ظل أزمة اقتصادية عالمية يبدو فيها الإتفاق نافذةَ أمل للداخل والخارج.
![]() |
وزير الخارجية الإيراني مصافحاً نظيره الأميركي. (رويترز) |
فقد تم مطلع الأسبوع الماضي التوصل الى اتفاق مبدئي بشأن الملف النووي الإيراني بعد ثلاث جولات من المفاوضات الماراثونية في جنيف بين إيران ومجموعة الخمسة زائداً واحد (الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة الى ألمانيا).
ويتضمن الاتفاق الذي وقّع فجر الأحد الماضي مرحلة أولى من ستة أشهر قابلة للتجديد باتفاق مشترك.
وحسب الإتفاق، على الجانب الإيراني أن يتخذ اجراءات طوعية للحد من التخصيب، مع تقديم معلومات مفصلة الى الوكالة الدولية للطاقة الذرية تتضمن تصاميم المنشآت النووية ووصفاً لكل مبنى في كل موقع نووي. كما يسمح الإتفاق لخبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالدخول، من دون إعلان مسبق، الى موقعي فوردو وناتنز النووين.
في المقابل، تلتزم الدول الكبرى بتخفيف العقوبات على ايران فيما يتعلق ببيع النفط الخام وصناعة السيارات، مع التعهد بعدم فرض عقوبات جديدة من قبل الولايات المتحدة ومجلس الامن والاتحاد الاوروبي بسبب الملف النووي. كما وافقت الدول الكبرى على إقامة نظام تمويل يتيح التجارة مع طهران لتلبية حاجات إيران الإنسانية.
ويشمل الإتفاق أيضاً تعليق عقوبات الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة حول الذهب والمعادن الثمينة والخدمات المرتبطة بهما، وحول الصادرات البتروكيميائية الايرانية والخدمات المرتبطة بها.
ويهدف الإتفاق المبدئي الى التمهيد لحل شامل، يختتم بمرحلة أخيرة يتم تنفيذها خلال مدة زمنية محددة، وتهدف إلى حل جميع المسائل الشائكة المتعلقة بالبرنامج النووي.
وسيمكّن الحل الشامل إيران من الاستفادة الكاملة لحقها في استعمال الطاقة النووية لأغراض سلمية، وذلك وفقاً للمواد ذات العلاقة الواردة في معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية
وفور الاعلان عن توقيع الاتفاق بدأت مفاعيله مع الغرب بالظهور مباشرة. فقد سارع الفرنسيون الى الإعلان عن بدء رفع العقوبات الاوروبية عن ايران في شهر كانون الاول (ديسمبر) المقبل، وان واشنطن ستحذو حذوهم.
وفي حين رحبت السعودية بحذر بالاتفاق، واصلت الادارة الاميركية «دفاعها» عن الخيار الديبلوماسي الذي اعتمدته، وقال الرئيس الاميركي باراك أوباما إن ادارته لا يمكنها اغلاق أبواب الحلول السلمية في العالم، مشيراً الى احتمال بدء اجراءات الثقة المفقودة بين واشنطن وطهران.
ومن بين ردود الفعل الدولية على الاتفاق النووي التاريخي، برز الرد السعودي الحذر في التعاطي مع المسألة، حيث ذكر بيان صادر عن الحكومة السعودية أن «حكومة المملكة اطلعت بعناية على اتفاق جنيف… وترى أنه إذا توفر حسن النيات، فيمكن أن يشكل هذا الاتفاق خطوة أولية في اتجاه التوصل إلى حل شامل للبرنامج النووي الإيراني»، مشدداً على ضرورة أن يؤدي ذلك إلى «إزالة أسلحة الدمار الشامل كافة، خصوصا السلاح النووي من منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي على أمل أن يستتبع ذلك المزيد من الخطوات المهمة المؤدية إلى ضمان حق كل دول المنطقة في الاستخدام السلمي للطاقة النووية.
وقد عبرت دول مجلس التعاون الخليحي اثناء اجتماعها في الكويت الاربعاء عن ارتياحها ازاء الاتفاق الذي توصلت اليه القوى الكبرى مع ايران حول برنامجها النووي.
واكد وزراء خارجية دول المجلس الست في بيان فور ختام الاجتماع «تابعنا بارتياح إبرام الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني… ونعرب عن ارتياحنا لهذا الاتفاق آملين ان يكون مقدمة للتوصل لحل شامل لهذا الملف».
وأفاد البيان ان دول المجلس تتطلع الى أن تشكل الانتخابات الإيرانية الاخيرة «مرحلة جديدة في العلاقات بين دول مجلس التعاون وإيران، مبنية على عدم التدخل وحسن الجوار، وعدم استخدام القوة او التهديد بها».
وفي بيان صدر الأربعاء الماضي، قال البيت الابيض إن أوباما أجرى إتصالاً هاتفياً مع الملك السعودي الملك عبد الله لمناقشة الاتفاق المرحلي مع إيران. وقال البيان إن أوباما أكد للملك أنه سيكون من المهم أن تنفذ إيران تعهداتها الواردة في الاتفاق. وأضاف أن الزعيمين اتفقا على التحاور بشكل منتظم مع استمرار المفاوضات بشأن اتفاق طويل الاجل «سيعالج مخاوف المجتمع الدولي فيما يتعلق ببرنامج إيران النووي». وأكد أوباما في اتصال هاتفي أجراه الأحد الماضي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والملك السعودي، أن الاتفاق سيمنع طهران من تصنيع قنبلة نووية عقب مخاوف أبدتها تل أبيب تجاه هذا الاتفاق.
وكان نتنياهو قد اعتبر أن الاتفاق «خطأ تاريخي». وقال في مستهل جلسة مجلس الوزراء إن الاتفاق يزيد كثيراً من خطورة الأوضاع لأن أخطر نظام في العالم خطا -بفضل الاتفاق- خطوة ملحوظة نحو الحصول على أخطر سلاح. وتابع نتنياهو قوله «إن الدول العظمى وافقت على تخصيب اليورانيوم في إيران متجاهلة العقوبات الدولية التي فرضتها فيما لم تقدِّم إيران من جانبها إلا تنازلات تجميلية يمكن التراجع عنها خلال أسابيع»، مؤكداً أن إسرائيل غير ملتزمة بالاتفاق وأنها لن تسمح لإيران بتطوير القدرات النووية. وكانت الحكومة الاسرائيلية نددت بعد ساعات من ابرام الاتفاق، حيث أصدر مكتب رئيس الوزراء بياناً ندد فيه بإبرام «اتفاق سيء بشأن الملف النووي الايراني في جنيف، معتبراً أن طهران حصلت على ما كانت تريده». وعبّر مكتب رئيس الوزراء عن أسفه لأن الاتفاق يسمح لإيران بمواصلة تخصيب اليورانيوم، ويسمح ببقاء أجهزة الطرد المركزي كما يسمح بإنتاج مواد انشطارية. وتابع البيان أن الاتفاق لم يؤد أيضاً إلى تفكيك محطة «أراك»، المفاعل الذي يعمل بالمياه الثقيلة في شمال إيران، مضيفاً أن الضغط الاقتصادي المفروض على إيران كان يمكن أن يُفضي إلى اتفاق أفضل من شأنه أن يؤدي إلى تفكيك القدرات النووية الإيرانية.
الإفراج عن 8 مليارات دولار
أعلن الرئيس السابق لغرفة التجارة الإيرانية علي نقي خاموشي أن الولايات المتحدة أفرجت الأحد الماضي عن ثمانية مليارات دولار من الأرصدة الإيرانية المجمدة في البنوك الأميركية. وكان وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، قد أشار الى تخفيف بعض العقوبات الاقتصادية المفروضة على ايران التي مكنت من التوصل الى الاتفاق الحالي، وقال إن طهران ستحصل على فرصة لنيل عوائد بمليارات الدولارات نتيجة السماح لها بتصدير كميات محددة من النفط والبتروكيماويات (4,2 مليار دولار)، والتعامل بالذهب والمعادن الثمينة (1,5 مليار دولار).
أوباما وصف الاتفاق بـ«خطوة أولى مهمة»، مشيراً في الوقت عينه الى استمرار وجود «صعوبات هائلة» في هذا الملف. ودعا أوباما في كلمة ألقاها في البيت الأبيض الكونغرس الى عدم التصويت على عقوبات جديدة على إيران. وأكد اوباما أنه «للمرة الأولى خلال ما يقارب العقد، أوقفنا تقدم البرنامج النووي الإيراني، وسيتم الغاء أجزاء أساسية من البرنامج». وتعهد الرئيس الأميركي بأن «عمليات تفتيش جديدة ستعطي امكانية وصول اكبر الى التجهيزات النووية الإيرانية وستسمح للمجتمع الدولي بالتحقق مما إذا كانت إيران تفي بالتزاماتها».
استطلاع: الأميركيون يؤيدون
ورغم معارضة «إسرائيليو» الكونغرس الأميركي، أظهر استطلاع للرأي أجرته وكالة «رويترز» أن الأميركيين يؤيدون الاتفاق الذي أبرمته القوى الكبرى مع إيران. وكشف الاستطلاع أيضاً عن عدم موافقة الأميركيين على تورط بلادهم في ضربة عسكرية ضد إيران، حتى إن فشلت المفاوضات بشأن الاتفاق.
وتعد هذه النتائج إيجابية بالنسبة للرئيس أوباما الذي تدنت شعبيته في استطلاعات الرأي مؤخرا بسبب الإخفاق في تسويق قانون إصلاح الرعاية الصحية.
وبينت نتائج الاستطلاع أن 44 بالمئة من الأميركيين يؤيدون اتفاق جنيف، ولا يعارضه إلا 22 بالمئة. وأشار إلى أن الأميركيين لا يثقون البتة في إيران، ولكنهم لا يريدون أن تتورط بلادهم في عمل عسكري بعد حربين طويلتين في العراق وأفغانستان. وتوحي نتائج الاستطلاع بأن تذمر الشارع الأميركي من الحرب بإمكانه أن يعزز موقف أوباما في سعيه لمنع الكونغرس من إقرار عقوبات جديدة، قد تعرقل الجولة المقبلة من مفاوضات الحل النهائي مع إيران.
الايرانيون يحتفلون
في ايران لقي الوفد المفاوض استقبالاً شعبياً احتفالياً مع عودته من جنيف. وتجمع المواطنون في محيط المطار حاملين صور الرئيس الإيراني حسن روحاني وشعارات تثني على أداء المفاوضين والاتفاق الذي توصلوا اليه مع الدول الست. ومن جانبه، رحب المرشد الأعلى للجمهورية الاسلامية، السيد علي خامنئي، بالإتفاق وقال في رسالة الى الرئيس الايراني «إنه يتوجب دائماً الصمود أمام المطالب المبالغ فيها من الدول الأخرى في المجال النووي». أما الرئيس الإيراني فأكد أن نتيجة مفاوضات جنيف هي اعتراف الدول الكبرى بحق إيران النووي.
Leave a Reply