مصدر لـ»صدى الوطن«: كان بإمكان الحزب كشفه لو لم يتعامل معه على أنه جزء منه
بيروت – شهدت قضية إفلاس رجل الأعمال اللبناني، صلاح عزالدين، تطوراً لافتاً مطلع الأسبوع، بعد أن قرر القضاء في بيروت توجيه تهم رسمية له بإعطاء شيكات دون رصيد وتعاطي المراباة والاحتيال ومخالفة قانون النقد والتسليف في القضية التي باتت تعرف باسم »مادوف لبنان« بإشارة إلى إفلاس المستثمر الأميركي برنارد مادوف. وجاءت هذه التطورات بعد نفي الأمين العام لـ»حزب الله«، حسن نصرالله أن يكون للحزب علاقة بملف عزالدين، الذي طالت تداعياته آلاف العائلات الشيعية، معتبراً ما قيل حول الأمر »حملة لتشويه صورة الكثير من مسؤولي الحزب«، دون أن ينفي وجود استثمارات لبعض القياديين لديه.
وفيما يتابع القضاء ملف افلاس عز الدين، مع ادعاء النيابة العامة المالية عليه وعلى يوسف فاعور، يواصل »حزب الله« جهوده لاحتواء الأزمة التي تضرر جراءها عدد كبير من المودعين، معظمهم من الضاحية الجنوبية والجنوب. وكانت اولى الرسائل وصلت للمستثمرين قبل ان ينطق بها السيد حسن نصرالله أمين عام »حزب الله«، هي الاحتضان المعنوي للفئة المتضررة، التي استشعرها الكثير من المستثمرين بمجرد توجيه الدعوة اليهم ليكونوا في حضرة نصرالله.
بيد ان الاحتضان ليس نظرياً فحسب، من هنا كشف نصر الله عما يمكن ان يهدئ من روع المودعين، من خلال اعلانه عن خطوة عملية تتمثل بتشكيل »خلية ازمة«، مهمتها مزدوجة: اولاً للاطلاع على اوضاع المودعين، وتصنيفهم بين الفئة التي حصلت على ارباح شهرية، والفئة التي خسرت رأس مالها بالكامل (لم تحصل على أي دفعات شهرية)، وذلك لتحديد حاجات وحقوق كل فئة. وثانياً لمتابعة القضية مع الدولة اللبنانية قضائيا. وذكر نصر الله بان »حزب الله هو احد المتضررين من الازمة. لكن الحزب لم يعتد ان يترك الناس لمصائرهم. بل انه يشكل البيئة التي تحميهم امنياً وسياسياً… وحتى اقتصادياً«.
وبالعودة الى التحقيق فقد قدم النائب العام المالي في بيروت، القاضي فوزي أدهم، إدعاء رسمياً على الموقوفين صلاح عز الدين ويوسف فاعور، كما ادعى في الملف على بعض الفارين، وطلب إصدار مذكرات توقيف بحقهم »وما يقتضيه التحقيق في الملف«، بحسب وكالة الأنباء اللبنانية.
وأحال أدهم الموقوفين مع الملفّ على قاضي التحقيق الأوّل في جبل لبنان القاضي جان فرنيني لإجراء التحقيق الاستنطاقي واتخاذ الخطوات القانونية المناسبة بحقّ الموقوفين وبقية المدعى عليهم وما يقتضيه التحقيق في الملفّ. ولفت مصدر متابع لقضية عز الدين الى ان المدعى عليهم الخمسة هم غير موقوفين، وليسوا فارين، بل استجوبوا واخذت افاداتهم لدى المباحث المركزية، وتركوا بموجب سندات اقامة.
وكان نصرالله قد تحدث حول الملف المثير للجدل في لبنان خلال حفل إفطار، فنفى أي علاقة للحزب بقضية الإفلاس، ووصف ما حصل بأنه مصيبة لحقت بالكثير من العائلات وهي مدعاة للتأثر والحزن مضيفاً: »قد يكون للحزب بعض الأموال مع الرجل، ولكنها لا تتجاوز أربعة ملايين دولار«. ولفت نصر الله إلى أن الحزب، وعندما وصلته معلومات عن اختفاء عز الدين وأن هناك مشكلة حوله، بادر إلى البحث عنه وتحديد مكانه، وبعدما قصده بعض عناصر الحزب لمعرفة وضعه أخبرهم أن سبب اختفائه هو تعرضه لنكسة كبيرة وأنه بات مفلساً ولا يعرف كيف يتصرف. ولفت نصر الله إلى أن هناك من »بالغ كثيراً في الأرقام«، وأن التحقيقات والبحث »تجعلنا نتوقع أن يكون المبلغ الفعلي الذي أضاعه عز الدين بحدود 400 مليون دولار، وليس كما أشيع سابقاً«، وفق ما نقلته عنه صحيفة »الأخبار« اللبنانية. وحول وجود أموال لعناصر من الحزب لدى عزالدين قال نصرالله: »تأكدنا من أن عدداً محدوداً جداً جداً من مسؤولي حزب الله كانوا قد استثمروا أموالهم مع عز الدين، حتى إنني سمعت أن أحد المسؤولين استثمر بمبلغ مليون دولار، وطبعاً أثار هذا الأمر الكثير من الغموض والأسئلة، وتوليت أنا شخصياً سؤال هذا الأخ عن حقيقة الأمر، وقال لي مباشرة إن المبلغ مقسّم بين إخوته المعروفين بالعمل التجاري«.
وكانت تداعيات قضية إفلاس عزالدين قد دفعت نوابا وقياديات سياسية وأمنية في »حزب الله« إلى إصدار بيانات متتالية تشير إلى عدم وجود علاقات تربطهم بعزالدين. ونفى النائب السابق عن الحزب، أمين شري، في بيان وزعه السبت الماضي وجود أي علاقة له »من قريب أو بعيد« باستثمارات صلاح عزالدين، وأهاب بـ»وسائل الإعلام توخي الدقة وعدم الزج باسمه في هذه القضية«.
كما نفى أحد أبرز القياديين الأمنيين والسياسيين في الحزب، وفيق صفا، مسؤول ما يعرف بـ»لجنة الارتباط والتنسيق« »نفيا قاطعا، أن تكون لديه أية استثمارات مالية« مع عز الدين »أو مع غيره من رجال الأعمال«، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء اللبنانية. بالمقابل، أوردت وسائل إعلام على صلة بـ»حزب الله« أيضاً نفي الحزب ضلوع رئيس كتلته النيابية، محمد رعد، في الملف.
وإلى جانب دار »الهادي«، يمتلك عزالدين محطة »الهادي« التلفزيونية للأطفال، وشركة خاصة بتنظيم حملات الحج، ويقال إنه أطلق هذا الاسم على مؤسساته تيمناً بهادي نصرالله، النجل الراحل لزعيم »حزب الله«، حسن نصرالله. وتشير التقارير التي تتداولها الصحف في بيروت إلى أن عزالدين كان قد وسّع تجارته مؤخراً لتشمل صفقات نفطية مع إيران ومصانع حديد في أوروبا الشرقية.
إلا أن معلومات كشفها مصدر مقرب من مؤسسات »حزب الله« المالية في لبنان (»يسر للإستثمار والتمويل« ومؤسسة »القرض الحسن«) لـ»صدى الوطن« تشير الى أن الخسارة الكبرى التي منّي بها عزالدين كانت من خلال المضاربة في البورصات العالمية خصوصا بعد هبوط سعر النفط بدرجة مذهلة من ١٤٧ دولاراً للبرميل الى ٦٠ دولاراً الأمر الذي أدى الى وقوع عزالدين تحت عجز ضخم لم يعد ممنكا تعويضه بأي شكل. ولكن عزالدين استمر بأخذ الأموال من الناس، واستمر بنشاطاته الاجتماعية بشكل طبيعي.
وأفاد المصدر ان عزالدين قد زاد في الآونة الأخيرة من هذه النشاطات بشكل لافت بالرغم من اشتداد أزمته المالية المكتومة ترافقاً مع تفعيل لحركة وسطائه كي يجمعوا له المزيد من المستثمرين تحضيراً لعملية مضاربة كبرى في البورصات العالمية كان يأمل عزالدين أن يعوض من خلالها مبالغ ضخمة من الأموال تمكنه من إيفاء جزء من مستحقات المستثمرين لديه.
وأضاف المصدر أن المستثمرين زادوا ضغوطهم في الآونة الأخيرة على عزالدين وراح جزء كبير منهم يطالبه بعائدات أموالهم المستثمرة بعد أن جرت العادة مع هؤلاء أن يضيفوا أرباحهم الى رؤوس الأموال المودعة لدى عزالدين.
ويتابع المصدر أن بوادر أزمة عزالدين تعود الى العام ٢٠٠٠، إلا أنه تمكن من إخفائها على أقرب المقربين إليه وجميع وسطائه حتى عائلته الضيقة وأهل بيته لم يكونوا يعلمون بحقيقة وضعه المالي المتردي.
ويلفت المصدر الى بدء »مسلسل« الاحتيال وعملية تضليل الناس الممنهجة منذ العام ٢٠٠٠ وذلك من خلال بث الشائعات عن أعمال تجاربة تدر أمولا خيالية من خلال شبكة علاقات إقليمية-دولية إضافة الى ترويج صورة عزالدين وصيته في أذهان الناس على أنه »آدمي« وأنه أحد الأذرع المالية لـ»حزب الله« ومسؤول عن قطاع الإستثمارات لديه.
واستطاع عزالدين، حسب المصدر، ان يحافظ على سمعته طوال الفترة الممتدة من العام ٢٠٠٠ الى حين انكشافه من خلال استقطاب المزيد من المودعين واستخدام أموالهم لدفع المستحقات لصالح آخرين، الأمر الذي زاد من شهرته وسط أصحاب رؤوس الأموال فتهافت عليه الزبائن من كل حدب وصوب حاملين ما ادخروه من أموال لسنوات طويلة وأودعوها لديه بهدف تحقيق الربح، كما ان هناك من باع ممتلكاته ليقدم ثمنها الى »محفظة عزالدين«.
ومما زاد في تعزيز ثقة الناس به تمنّعه عن قبول بعض المستثمرين، فأصبح بذلك »المحظوظ« فقط من يقبل عزالدين باستثمار أمواله وذلك بعد وساطات مضنية.
ويضيف المصدر بأن عزالدين استطاع ان يخدع »حزب الله« وأن يستغله أيضا من أجل تلميع صورته أمام الناس من خلال ظهوره الى جانب قيادات الصف الأول في الحزب ومشاركته في عدة ندوات نظمها الحزب.
واستبعد المصدر إمكانية تعويض »حزب الله« كل الناس خسائرهم وذلك لضخامتها بالدرجة الأولى. إلا أن الحزب يلعب دوراً في الأزمة من خلال المساعدة في الملف والوقوف على الأرقام الحقيقية للخسائر النهائية ولتحديد صغار المودعين الذين يمكن تعويض جزء من خسائرهم وليس كلها.
ويختم المسؤول الرفيع في أحد المناصب العليا ذات الصلة بمؤسسات »حزب الله« المالية بأنه كان بإمكان الحزب ان يكتشف حقيقة أمر صلاح عزالدين منذ سنين لو أنه تصرف على أساس أن عزالدين من خارج التنظيم وليس جزءا منه..!
Leave a Reply