ديربورن، روميلوس
دقّ محامٍ عربي أميركي من مدينة ديربورن، ناقوس الخطر من تمادي السلطات الفدرالية في استهداف المحامين بسبب تعاملهم مع قضايا تتعارض مع سياسات إدارة الرئيس دونالد ترامب، وذلك بعد احتجازه واستجوابه المطول في مطار ديترويت الدولي عقب عودته من إجازة عائلية خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي.
وقال المحامي أمير مقلد لصحيفة «ديترويت فري برس» إن تجربته المريرة قد يكون سببها توليه الدفاع عن متظاهرة مؤيدة لفلسطين في «جامعة ميشيغن»، موضحاً أنه جرى استجوابه حول عمله القانوني وموكليه، وطُلب منه تسليم هاتفه المحمول الذي يحتوي على معلومات سرية تخص موكليه، لكنه رفض الامتثال.
وأوضح المحامي البارز في قضايا الحقوق المدنية، أن استجوابه استمر نحو 90 دقيقة، وشهد مشادات بينه وبين الضباط الفدراليين بسبب رفضه تسليم هاتفه، مشيراً إلى أنه أخبر مستجوبيه بأنه مواطن أميركي وأن هاتفه يحتوي على أسرار تتعلق بعمله لا يمكنهم الاطلاع عليها دون سند قانوني.
ولفت مقلد إلى أنه في نهاية المطاف تم إطلاق سراحه دون مصادرة هاتفه، ولكن سمح للضباط بالاطلاع على قائمة جهات الاتصال الخاصة به.
وتأتي حادثة توقيف مقلد (38 عاماً) مساء الأحد الفائت خلال عودته مع زوجته وابنتيه من عطلة الربيع في جمهورية الدومينيكان في أعقاب مذكرة وجّهها –في 22 آذار (مارس) الماضي– الرئيس دونالد ترامب إلى وزارتي العدل والأمن الداخلي، مطالباً فيها وكالات إنفاذ القانون بالسعي إلى فرض عقوبات على المحامين الذين يسهمون في «استشراء عمليات الاحتيال والمطالبات التي لا أساس لها» في نظام الهجرة.
ومع أن المحامي اللبناني الأصل لا يتولى قضايا الهجرة، إلا أن السياسات المستجدة حول استهداف القانونيين تثير قلقه واستياءه، بحسب ما أفاد لصحيفة «ديترويت فري برس»، موضحاً بأن الإدارة الحالية تستهدف المحامين في الشركات القانونية الكبيرة والصغيرة على حد سواء، و«هو ما لم تفعله أية إدارة أميركية أخرى من قبل»، وفق تعبيره.
وفي الإطار، قال مقلد: «أنا لست محامياً مختصاً في قضايا الهجرة، فلماذا تريد الحكومة أخذ هاتفي؟»، مضيفاً: «أرى في هذا الأمر تهديداً من نوع آخر لسيادة القانون.. إنهم الآن يتحدون القضاء، ويضغطون على المحامين لثنيهم عن تناول القضايا التي تتعارض مع توجهات الحكومة، وإنه من واجبنا كمحامين التصدي لمثل هذه الممارسات».
توقيف مفاجئ
في التفاصيل، كان مقلد عائداً مع عائلته إلى ديترويت بعد عطلة استمرت لخمسة أيام في منطقة «بونتا كانا» بجمهورية الدومينيكان. وعندما هبطت طائرته في حوالي السابعة مساء، توّجه مع زوجته وابنتيه إلى نقطة تفتيش جوازات السفر. وبينما تمكنت الأم من المرور مع طفلتيها بدون عوائق، ظهر إشعار خاص لدى مرور مقلد، الذي سمع على الفور أحد العملاء الفدراليين يسأل أحد زملائه في ما إذا كان «فريق الاستجابة التكتيكي الخاص بالإرهاب» حاضراً لمباشرة العمل.
ويروي مقلد تلك اللحظات قائلاً: «لدى سماعي تلك العبارة، تساءلت ماذا يكون هذا الفريق بحق الجحيم؟!»، ليقوم على الفور بالتحري عنه عبر محرك «غوغل».
سمح العملاء الفدراليون للزوجة والابنتين بالمرور، ولكنهم اقتادوا الأب إلى غرفة استجواب صغيرة داخل مطار ديترويت الدولي. ولاحقاً، دخل رجلان بملابس مدنية وقال أحدهما لمقلد: «نعلم أنك محام، وأنك تتولى قضايا كبيرة»، ليرد مقلد: «لستُ محامياً مشهوراً، لنتحدث في صلب الموضوع، ما المشكلة هنا؟»، فأخبره العميل بأن الكذب على عميل فدرالي يعد جريمة فدرالية. فقال مقلد: «أنا على دراية بذلك، ولكنك لم تعرّف عن نفسك».
وبعدها، ناول أحد العميلين كُتيّباً حول مصادرة الهواتف على الحدود للمحامي الذي يعرف بأن السلطات الفدرالية يُمكنها مصادرة هواتف المسافرين لفترة من الوقت ثم إعادتها، لكن مقلد امتنع عن تسليم هاتفه للعميلين لكونه يحتوي على معلومات سرية لموكليه الكثيرين، بحسب ما روى لصحيفة «ديترويت فري برس».
وتابع مقلد سرد تفاصيل الحادثة، موضحاً بأن العميلين طلبا منه «قائمة بالرسائل النصية التي يعتقد بأنها سرية»، ولكنه أخبرهما بأن ذلك مستحيل نظراً لوجود آلاف الرسائل النصية في هاتفه المحمول. واصل العميلان الضغط على مقلد لمصادرة الهاتف، وسط مشادة كلامية استمرت حوالي ساعة ونصف، انتهت بسؤال الأخير للعميلين: «ماذا تريدان؟» فكان جوابهما: «نريد معرفة قائمة الأشخاص في هاتفك». وفي نهاية المطاف، سمح مقلد لهما بالاطلاع على قائمة الأسماء، وعندما سألاه عن هويات بعض الأشخاص، اكتفى المحامي اللبناني الأصل بأنهم «موكّلوه».
وانتهى الاستجواب بقيام العميلين بكتابة تقرير والإفراج عن مقلد الذي سأل المحققين في ما إذا كان توقيفه عند المنافذ الحدودية سيصبح أمراً روتينياً في المستقبل، ليرد عليه أحدهما بأنه لا يملك إجابة على ذلك السؤال. وفي السياق، يتذكر مقلد بأنه أخبر العميلين قائلاً: «أنا مواطن أميركي، لست قلقاً بشأن الترحيل، أعلم أنكم تستطيعون أخذ هاتفي، ولكنني لن أعطيكم إياه، لأنه يحوز 90 بالمئة من عملي، ولن تتمكنوا من الوصول إلى المعلومات المتواجدة فيه بدون وسائط المرور».
من جانبها، دافعت مساعدة مفوض «الجمارك وحماية الحدود»، هيلتون بيكهام، عن أساليب الحكومة في عمليات تفتيش المسافرين في المطارات، مفنّدة «الادعاءات» التي تزعم بأن الوكالة الفدرالية زادت من وتيرة تفتيش الوسائط الإلكترونية خلال الفترة الأخيرة. وقالت بيكهام في بيان: «إن الادعاءات بأن وكالة الجمارك وحماية الحدود تجري عمليات تفتيش أكثر للوسائط الإلكترونية بسبب التغيير الإداري باطلة، إذ أن أرقام عمليات التفتيش التي أجرتها الوكالة تتوافق مع الزيادات منذ عام 2021»، مضيفة بأن «أقل من واحد بالألف من المسافرين يتم تفتيش أجهزتهم الإلكترونية». وأفادت بيكهام بأن «عمليات التفتيش تُجرى للكشف عن المواد الرقمية الممنوعة، والمحتويات المتعلقة بالإرهاب، وكذلك المعلومات المتعلقة بقبول الزوار، وكلها عوامل بالغة الأهمية في الأمن القومي»، مضيفة «الادعاءات بأن المعتقدات السياسية تُؤدي إلى عمليات تفتيش أو ترحيل لا أساس لها من الصحة، كما أنها غير مسؤولة».
مفعول عكسي
في أعقاب توقيفه بمطار ديترويت الدولي الأحد المنصرم، عبّر المحامي أمير مقلد عن استيائه من الإجراءات الحكومية المستجدة في مضايقة المحامين، مؤكداً بأنه من واجب الحقوقيين التصدي لمثل «هذه الأمور»، وقال: «يجب أن أكون شخصاً قادراً على رفع صوته عندما تُنتهك حقوقه. إننا نعيش في دولة يحكمها القانون، ومن واجبنا كمحامين التصدي لمثل هذه السياسات».
وبغض النظر عن الأسباب الحقيقية لتوقيفه في مطار ديترويت، قال المحامي اللبناني الأصل إنه يشعر بأنه «تحت المراقبة في الوقت الحالي»، مستبعداً أن تنجح الأساليب «الترهيبية» للحكومة الأميركية في إسكات المحامين، وقال: «هذا الأسلوب غير فعال، وسوف يؤدي إلى نتائج عكسية».
ويعتبر مقلد محامياً شريكاً في مكتب «هول–مقلد» للمحاماة بمدينة ديربورن، الذي يتولى شتى القضايا القانونية، سواء كانت مخالفات مرورية، أو قضايا حقوق مدنية، أو إصابات خطيرة في حوادث العمل والمرور.
ومن بين موكليه في الآونة الأخيرة، الطالبة في «جامعة ميشيغن» سامانثا لويس، وهي واحدة من بين سبعة متظاهرين وُجّهت إليهم –في الخريف الماضي تهم التعدي على ممتلكات الغير ومقاومة وعرقلة الشرطة، إثر مشاركتهم في احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين في حرم الجامعة بمدينة آناربر خلال ربيع 2024.
وكانت المدعي العام بولاية ميشيغن دانا نسل قد أكدت في معرض توجيه التهم للطلاب السبعة بأنهم استخدموا «القوة البدنية لمواجهة» الشرطة التي كانت تحاول تفكيك مخيم طلابي احتجاجاً على جرائم الإبادة الجماعية في قطاع غزة، إلا أن الطلبة نفوا التهم الموجهة إليهم، مؤكدين بأنهم كانوا كانوا يمارسون حقهم الدستوري بحرية التعبير.
وفي السياق، قال مقلد، «لا أعرف بالضبط الأسباب الحقيقية لتوقيفي… لا أعرف ما إذا كان ذلك نتيجة قيامي بتولي قضايا تتعلق بالحقوق المدنية، أو قضايا تتعلق بطلبة متظاهرين يمارسون حرياتهم المحمية بموجب التعديل الأول في الدستور الأميركي، لم يخبروني عن السبب».
بيان استنكاري
أصدر مكتب «هول–مقلد» للمحاماة في ديربورن الثلاثاء الماضي بياناً أعرب فيه المحامي اللبناني الأصل عن استيائه من توقيفه واستجوابه، معتبراً الحادثة بأنها محاولة من إدارة ترامب لثنيه عن الدفاع عن متهمين من أمثال الطالبة سامانثا لويس.
وجاء في البيان الذي تسلمت «صدى الوطن» نسخة منه: «بصفتي محامياً متخصصاً في الحقوق المدنية، وشخصاً أدافع بشدة عن مصالح جميع موكلي، وأحترم دستور الولايات المتحدة، أكرر استيائي الشديد من احتجازي واستجوابي لمدة 90 دقيقة من قِبل عملاء فدراليين».
وأضاف البيان: «بغض النظر عن مبررات احتجازي، إن وُجدت، يبدو أنها محاولة من إدارة ترامب لعرقلة عملي بالنيابة عن متهمين مثل سامانثا لويس التي وُجهت إليها تهمة جنائية من قِبل المدعي العام بولاية ميشيغن، دانا نسل، لاحتجاجها في أيلول (سبتمبر) الماضي في جامعة ميشيغن ضد الحرب على غزة». وختم بالقول: «هذا التجاهل الصارخ لحقوقي المدنية، بالإضافة إلى أولئك الذين يتعرضون للترهيب والترحيل من قبل هذه الإدارة يشكل تجريماً لحرية التعبير واستراتيجية متعمدة للقمع السياسي تمثل تهديداً حقيقياً لديمقراطيتنا».
Leave a Reply