علي منصور
منذ انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، تعيش فئة من اللبنانيين في أميركا حالة نفسية مضطربة تشبه إلى حد بعيد ما لخّصه عالم الاجتماع الفرنسي جاك إيلول بنظرية «فائض الوهم»، وهي نظرية يفصل بينها وبين زميلتها «فائض القوة» بون شاسع من الواقعية والموضوعية.
يتصرف هؤلاء وكأنهم الأوصياء على سياسات الإدارة الأميركية فيما يتعلق بالشرق الأوسط وقضايا مكافحة الإرهاب، ويوهمون الآخرين بأنهم مصدر الوحي والإلهام لساكن البيت الأبيض في العاصمة واشنطن. يستغلون إطلالاتهم الإعلامية عبر القنوات العربية والخليجية ليلعبوا على أوتار الخلافات السياسية بين الدول العربية والإسلامية، من دون أن يفوّتوا أية فرصة للتسعير الطائفي والتحريض المذهبي.
إلاّ أنّ المضحك في هؤلاء، أنّ كلامهم على المحطات الأميركية يختلف عن كلامهم على المحطات العربية، إذ يكون على الأولى أكثر واقعية وأقلّ «تجليطاً»، فيما يطلقون العنان –على الثانية– لسيل ادعاءاتهم وترهاتهم التي لا تنتهي. وفي ذلك استغباء متعمد ومقصود للمشاهد العربي، ينطلق في الأساس من نظرة احتقار ودونية للشعوب العربية والإسلامية.
وبالطبع، نحن لا نقلل من شأن هؤلاء ولا نستخف بهم، لكننا نعرف جيداً المآلات السياسية وآليات اتخاذ القرارات في واشنطن، التي لن تؤثر فيها شائعات من هنا أو بلاغات كيدية من هناك.
وفي سياق متصل بما سلف، يأتي الملقب بالشيخ محمد الحاج حسن ليشكل أداة طيّعة لسيّده، بالرغم من أنه لا يقرأ ولا يتحدث الإنكليزية، ما يجعله قاصراً عن الإحاطة بجوانب مهمة من الحياة السياسية الأميركية، وربما هذا ما يدفعه للتبعية العمياء دون وعي أو إدراك.
وفي المقام ذاته، نحن لا نستخف بما يقوم به «الرجل» ولا نقلل من خطورة ما يخطط له في القريب العاجل، بعدما احترقت جميع أوراقه في الداخل اللبناني، ولم يعد له موطئ قدم لدى كافة الأحزاب اللبنانية خاصة لدى ما كان يعرف بقوى «14 آذار».
في 12 نيسان (أبريل) الماضي، كشفت «صدى الوطن» عن هوية «المصدر المطّلع على سياسات البيت الأبيض»، الذي استندت إليه صحيفة «ذا ناشيونال» الإماراتية لتروج للأخبار التي تحدثت عن فرض عقوبات اقتصادية على رئيس مجلس النواب نبيه بري وعلى حركة «أمل».
وبعد مرور أكثر من 12 ساعة على صدور عددها في ذلك اليوم، وبعد أن قرأ وليد فارس الخبر، كتب على موقعي «تويتر» و«فيسبوك» باللغة الإنكليزية، ما معناه: «ينبغي على الإدارة الأميركية والكونغرس، التحقيق في شبكات تأثير النظام الإيراني في الولايات المتحدة، وما خلّفه الإتفاق النووي… يجب أن نبدأ حملة التنظيف من بيتنا الداخلي»، أي الولايات المتحدة.
وفي اليوم التالي، كتب –مرفقاً تغريدته السابقة: «بمجرد نشر هذه التغريدة قبل 18 ساعة، بدأ حزب الله والنظام الإيراني ونشطاء آخرون حملة تشويه ضدي.. بدأت الهجمة من الولايات المتحدة عبر أحد الصحفيين المدعومين من «حزب الله» ( في إشارة للمقالة السابقة التي نشرها كاتب هذه السطور) إنهم يخشون تحقيقاً أميركياً حول علاقتهم بالنظام الإيراني».
ثم أوكِلت مهمة الرد لـ«الشيخ» محمد الحاج حسن، الذي نشر مقالة تحريضية ضد «صدى الوطن» وضد كاتب هذه السطور متخمة بكم هائل من الأكاذيب والافتراءات والتلفيقات، وتمّ نشرها في العديد من المواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي، كما تمت ترجمتها ونشرها باللغة الإنكليزية، بالتزامن مع رسائل تهديد ووعيد وُزِعت عبر تطبيق «واتساب»، من قبل وليد فارس وبعض التابعين له.
بطبيعة الحال، نحن نعرف الواجبات المترتبة علينا في الولايات المتحدة، بنفس القدر الذي نعرف فيه حقوقنا التي يضمنها الدستور الأميركي. وعليه.. لا يمكن لتلك الادعاءات الفارغة والكاذبة أن تخيفنا أو توهن من عزيمتنا، أو تثنينا عن متابعة مسيرتنا في خدمة الجالية اللبنانية والعربية منذ أكثر من 35 عاماً، عندما كانت الظلمة الإعلامية –فيما خصّ القضايا العربية– تخيم على الولايات المتحدة.
وإن كان لنا بعض الملاحظات والتحفظات على بعض التشريعات، إلاّ إننا في نهاية المطاف وبغض النظر عن رأينا السياسي فيها، فإننا نلتزم بالقوانين الأميركية ونتقيد بها.
وفي الفترة نفسها، انتشرت بشكل مفاجئ صور مخِلّة بالآداب لـ«الشيخ» الذي لم ينفِ صحتها، بل على العكس، تمادى في استغلال ذلك «الحدث» المشين، كما لو أنه خبر سعيد، وأخذ يحاضر بالحريات الشخصية والخصوصيات الفردية.
من البديهي، أنّه إذا اُتّهم شخص ما بالسرقة فإنه سيسارع للدفاع عن نفسه بالنفي، حتى لو كان بالفعل لصاً، فكيف إذا كان متهماً بريئاً؟ والمسألة هنا بسيطة لا تحتمل التأويل، فالنفي مطلوب وضروري عند كل ذي لبٍّ وعقلٍ، لكن «شيخنا» فضّل الإثارة والتشويق، ورغم أن الصور الإباحية واضحة التركيب والتلفيق والتزوير، إلاّ أنه لا يريد للموضوع أن يخبو، بل يريد لفضيحته المفترضة أن تبقى في الصدارة لكي يتحول إلى نجم على القنوات التلفزيونية، حتى ولو على حساب شرفه وكرامته ورجولته، ما دام الأمر يستجلب الخصوم، وخاصة من المسلمين، إلى مستنقع سبّه وشتمه وتقريعه والتورط معه في هذا الإفك العظيم!.
وفي الختام، ينتصر البطل المغوار، بعد أن يكشف القضاء زيف الصور الملفقة، ويصعد نجم الشيخ المظلوم مرّةً أخرى، وتتهافت عليه المحطات التلفزيونية من جديد، كي يروي مظلوميته ويجلد المعتدين عليه بسوط العدالة والحقيقة، ثمّ تبدأ رحلة التحول المخطط لها مسبقاً من الديانة الإسلامية إلى الديانة المسيحية.
وهنا –بالضبط– يكمن مشروع الفتنة الطائفية والتحريض الديني الذي يسعى إليه محمد الحاج حسن لنجد أنفسنا أمام السيناريو التالي: شيخ شيعي منبوذ من طائفته ومُستفز لجمهور واسع وعريض من المسلمين بسبب مواقفه المنحرفة، يعتنق الديانة المسيحية أو يتقرب منها إلى ما يشبه الاعتناق، مع اختراع قصص وروايات وكرامات وهمية، إلى جانب توظيف سياسي وديني موجّه للنيل من الطائفة الشيعية ورموزها في لبنان والعالم. ومن الطبيعي، في مثل هذه الحالة، أن يتصدى له علماء ومشايخ وجمهور عريض على مواقع التواصل الاجتماعي، في المقابل سينبري جمهور مسيحي –عريض أيضاً– ليدافع عنه ويردّ على مهاجميه، فتكون الفتنة التي إن اندلعت سيكون من الصعب جداً تطويقها.
هل سرب الحاج حسن صوره؟
بالعودة إلى الصور المسربة لـ«الشيخ محمد الحاج حسن»، يرى بعض الخبراء في هذا المجال، أنه من الصعوبة فبركتها من دون تعاون صاحب الشأن ومشاركته بأخذ الوضعيات المناسبة من حيث تعابير الوجه والنظرات، فيما تجدر الإشارة إلى أنّ الحاج حسن كان قد أغلق صفحته على «فيسبوك»، قبل يومين أو ثلاثة من تسريب الصور، بطريقة غير مقنعة وغير منطقية، وهذا ما يدفع –إضافة إلى ما تقدم– إلى الاعتقاد بأن يكون التسريب منسقاً ومعداً له سلفاً من قبل الشيخ نفسه، في إطار مخطط متكامل يراد منه تهشيم منتقديه، لاسيما الشيعة منهم، لتصويرهم على أنهم جمهور عدائي، غوغائي، ظالم، كاذب، ومفترٍ وقذر.. لا يقبل الرأي الآخر ولا يتسامح مع الاختلاف. وهكذا يكون التسريب محطّة انتقالية يتم من خلالها العبور إلى الضفة الأخرى، حيث يبدأ مشروع الفتنة والتحريض الطائفي.
فيا أيها اللبنانيون، احذروا من قرن الفتنة القادم إليكم على صهوة الكذب والنفاق والتدليس، احذروا قرن الشيطان!
Leave a Reply