ديترويت
بعد 646 يوماً من العدوان الإسرائيلي الهمجي وجرائم الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، جاء إعلان التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، الأربعاء المنصرم، كإشراقة أمل في نهاية كابوس مرير، إذ أن هذا الاتفاق الذي طال انتظاره، ليس مجرد نهاية للحرب، بل يشكل لحظة فارقة تفتح الطريق أمام أمل جديد في تحقيق السلام والعدالة في الأراضي المحتلة.
وفي منطقة ديترويت ذات الكثافة العربية والإسلامية، نالت هذه الأخبار ترحيباً حاراً بعد 15 شهراً من الألم والقلق والأوجاع المتجددة، حيث عبّرت الكثير من الفعاليات المحلية عن ارتياحها للاتفاق الذي خرج أخيرأً إلى الضوء بعد عديد المحاولات التي باءت جميعها بالفشل بسبب تعنت الحكومة الإسرائيلية وإصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على تدمير البشر والحجر في القطاع المحاصر، وسط تواطؤ وتلكؤ الإدارة الأميركية برئاسة جوزيف بايدن، التي واصلت إمداد إسرائيل بالموارد العسكرية والمالية بسخاء غير مسبوق.
وكانت التداعيات الدراماتيكية للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة قد وصلت أصداؤها إلى مدن الكثافة العربية في منطقة ديترويت، التي شهدت عشرات الفعاليات التضامنية مع غزة، بين الوقفات الاحتجاجية والمؤتمرات الطبية والتظاهرات الضخمة احتجاجاً على جرائم الإبادة والتطهير العرقي في الأراضي المحتلة، وصولاً إلى حراكات وجهود آلت في نهاية المطاف إلى هزيمة المرشحة الديمقراطية في سباق البيت االأبيض، نائبة الرئيس كامالا هاريس، وعودة الرئيس دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة الذي فاز بأصوات الناخبين العرب الأميركيين في منطقة ديترويت.
وإضافة إلى مشاعر الارتياح إزاء الاتفاق الذي سيدخل حيز التنفيذ الأحد المقبل، أعربت الأوساط العربية والإسلامية في منطقة ديترويت عن أملها في أن يتمكن وقف إطلاق النار الأولي من الصمود والاستمرار لإعادة بثّ الحياة في القطاع المدمّر، وذلك بالتزامن مع التصريحات والمواقف المقلقة للقيادات الإسرائيلية المعروفة تاريخياً بتنصّلها والتفافها على هُدن وقف إطلاق النار، والتي كان آخرها الخروقات الإسرائيلية المتكررة في جنوب لبنان.
وفي الإطار، قال ناشر صحيفة «صدى الوطن» الزميل أسامة السبلاني لوسائل إعلام أميركية: «نحن سعداء جداً ونشعر بالامتنان لأنه تم أخيراً التوصل إلى اتفاق لإنهاء القتل والدمار الذي تعرض له الفلسطينيون خلال الـ15 شهراً الماضية»، مضيفاً بالقول: «نأمل ونصلي أن يكون وقف إطلاق النار هذا دائماً، وأن ينبري العالم لمساعدة الفلسطينيين في غزة على استعادة حياتهم من بين الأنقاض».
وأوضح السبلاني إلى أن العدوان الذي تسبب بمقتل وجرح قرابة ١٦٠ ألف فلسطيني معظمهم من النساء والأطفال، وتشريد زهاء مليوني شخص، «لم يكن بالأمر السهل على مجتمعنا طيلة الأشهر الماضية»، مستدركاً بالتأكيد على أننا سعداء «لرؤية نهاية لهذا العنف المفرط»، بحسب تعبيره.
ولفت السبلاني إلى أن الحجم المرعب للأهوال والمصائب التي حلت على الشعب الفلسطيني في القطاع المحاصر قد ترك ندوباً في أوساط المجتمعين العربي والمسلم في ولاية ميشيغن، وفي عموم الولايات المتحدة، وأسهمت في تبدل المزاج الشعبي والمؤسساتي تجاه الإدارة الديمقراطية، وفي مقدمتها الرئيس بايدن ونائبته هاريس، معرباً عن أمله في أن تتحرك «بلدنا، وبقية دول العالم لمساعدة الفلسطينيين على تجاوز هذه المحنة الإنسانية غير المسبوقة».
من جانبه، أبدى المدير التنفيذي لـ«مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية–فرع ميشيغن»، داود وليد، تفاؤله بالإدارة الأميركية الجديدة، وقال إن الرئيس دونالد ترامب قد «وفى» بالوعود التي قطعها خلال زياراته المتعددة لولاية البحيرات العظمى، منوهاً بأن وقف إطلاق النار قد «تأخر طويلاً»، في إشارة إلى انتظار عودة الرئيس الجمهوري الذي تعهد بوقف الحروب وإحلال السلام في أوكرانيا ومنطقة الشرق الأوسط.
وكان ترامب قد عمل خلال حملته الانتخابية العام الماضي على تحسين علاقته مع العرب والمسلمين في منطقة ديترويت عبر خطوات غير مسبوقة تمثلت بزيارتيه إلى مدينتي هامترامك وديربورن، ما أسهم في تصحيح صورته لدى الجاليات العربية والإسلامية بعد فترة من التوترات خلال ولايته الأولى، خاصة عقب تصريحاته وسياساته التي أظهرت مواقف عدائية ضد الإسلام والمسلمين.
وحث وليد على ضرورة إيصال المساعدات الإنسانية العاجلة لإغاثة سكان القطاع المنكوب، معرباً في الوقت نفسه عن أمله في أن يتراجع التحيز ضد المسلمين في ولاية ميشيغن، وفي عموم البلاد.
وكشف مجلس «كير» في تقريره السنوي، العام الفائت، عن ارتفاع شكاوى الحقوق المدنية لمسلمي ولاية البحيرات العظمى بمعدل 350 بالمئة خلال الأشهر الثلاث الأولى التي أعقبت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، محمّلاً الخطاب الأميركي المتحيّز لدولة الاحتلال مسؤولية الزيادة غير المسبوقة في حوادث التمييز والكراهية ضد المسلمين الأميركيين في الولايات المتحدة.
وفي السياق، ندّد مجلس «كير» الوطني بسياسات الرئيس بايدن التي أدت إلى تأخير اتفاق وقف إطلاق النار لعدة أشهر، مما أدى إلى «وفاة الآلاف من الأشخاص بشكل غير ضروري»، مؤكداً بأنه ينبغي على إدارة ترامب القادمة أن تضمن التزام إسرائيل بالاتفاق وأن تسعى إلى «إنهاء الاحتلال غير القانوني، وسياسات قمع الشعب الفلسطيني».
حملة التصويت بـ«غير ملتزم» التي أنشئت احتجاجاً على سياسات بايدن إزاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وصفت وقف إطلاق النار في الأراضي المحتلة بـ«لاستراحة التي طال انتظارها من الحرب التي دمرت مئات آلاف العائلات وتسببت في معاناة إنسانية لا يمكن تصورها».
وشجب أعضاء الحملة إدارة بايدن–هاريس لفشلها في إجبار الحكومة الإسرائيلية على وقف حربها الغاشمة في الوقت المناسب لتفادي وقوع المزيد من الضحايا، معربين في الوقت نفسه عن قلقهم من أن تكون حكومة نتنياهو قد «أبرمت صفقة مع المسؤولين المقبلين في إدارة ترامب لتعزيز صورته قبل حفل التنصيب» في العشرين من شهر كانون الأول (يناير) الجاري. وأبدت الحملة تخوفها من عودة العمليات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في غزة خلال الأشهر المقبلة.
وأثنى المدير التنفيذي لـ«المجلس العربي الأميركي لحقوق الإنسان»، عماد حمد، على جهود الرئيس المنتخب الذي «حقق وقفاً لإطلاق النار»، وقال الناشط الفلسطيني الذي تم تهجير عائلته من قرية صفصاف في شمال فلسطين عام 1948: «لم يكن هذا الاتفاق ليتحقق في هذا الوقت لولا الرئيس المنتخب دونالد ترامب… أعتقد أن الفضل يعود إليه، لقد كنا نأمل أن يفي الرئيس الجمهوري بوعوده، وقد وفى بها، وهذه نقطة تحسب لصالحه».
ولفت حمد إلى أوضاع التعب والإعياء لدى سكان القطاع، وقال: «إنهم في حالة من الإنهاك العصبي، لا يعرفون ما الذي سيحدث.. عدم اليقين في حياتهم يتجاوز الوصف»، مبدياً تمنياته بأن تنجح الجهود العالمية في إحلال «سلام حقيقي ودائم في الأراضي المحتلة».
وقال حمد: «إننا نرحب بوقف إطلاق النار الذي تأخر كثيراً، وطال انتظاره»، مضيفاً: «كنا نأمل أن يتم هذا الأمر قبل وقت طويل لإنقاذ الأرواح. لقد كانت الحرب بالنسبة لنا وللعالم كابوساً ثقيلاً استمر لأكثر من 15 شهراً، وكان الناس يعيشون في مآسي لم يكن أحد يعرف كيف ستنتهي».
وأردف قائلاً: «إنه من المؤسف أن يتم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بعد مقتل وذبح أكثر من 60 ألف شخص وجرح أكثر من 100 ألف آخرين»، مؤكداً بأن الأوضاع الأكثر رعباً ستتجلى عندما يدخل الاتفاق حيز التنفيذ يوم الأحد المقبل، حيث ستظهر الكارثة الحقيقية «التي لم يرها العالم بعد»، بحسب تعبيره.
وتابع حمد بالقول: «عندما يبدأ الناس في الذهاب إلى المناطق المدمرة، ويرفعون الأنقاض، فمن المتوقع أن تتضاعف أرقام الضحايا… إنها حالة مأساوية للغاية، وبالنسبة لنا نحن الفلسطينيين الأميركيين لا توجد كلمات يمكن أن تصف ما مررنا به يوماً بعد يوم، وساعة بعد ساعة، لقد كان الأمر أشبه بسحابة ثقيلة معلقة فوقنا».
مواقف رسمية
رحبّت السناتور الديمقراطية عن ميشيغن في مجلس الشيوخ الأميركي إليسا سلوتكين بوقف إطلاق النار في غزة، مستدركة بأنه «تأخر كثيراً، ولكنه يحمل بالرغم من ذلك الكثير من الخير لشعبي إسرائيل وغزة وللكثير من سكان ميشيغن الذي لديهم أقارب وعائلات في الشرق الأوسط».
وقالت سلوتكين التي تتحدر من أصول يهودية في بيان على منصتي «أكس» و«فيسبوك»: «إن أهم في ما في الاتفاق هو أنه يحقق الراحة لعائلات الرهائن الـ33 الذين ستقوم حماس بالإفراج عنهم خلال المرحلة الأولى»، مؤكدة بأنه مازال هنالك الكثير من العمل لضمان تنفيذ كافة مراحل الاتفاق، وضمان عودة جميع الرهائن إلى عائلاتهم.
من ناحيتها، أعربت النائب الديمقراطية في مجلس النواب الأميركي ديبي دينغل عن أملها في أن يعمل الطرفان، الإسرائيلي والفلسطيني، لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، وحثت المجتمع الدولي على دعم عملية السلام الدائم في الأراضي المحتلة.
بدورها، جددت النائب الديمقراطية عن ولاية ميشيغن في مجلس النواب الأميركي، رشيدة طليب، دعواتها لتطبيق حظر أسلحة ضد إسرائيل، منتقدةً نتنياهو بوصفه «مهووساً بالإبادة الجماعية»، وقالت النائب الفلسطينية في بيان، الخميس الماضي: «نتنياهو وحكومته المهووسون بالإبادة الجماعية لن يتوقفوا أبداً (عن جرائمهم) حتى يتم حظر إمداد إسرائيل بالأسلحة».
وجاءت تصريحات طليب في أعقاب الأنباء المتداولة حول نوايا نتنياهو بعدم استكمال اتفاق وقف إطلاق النار وصفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس، متهماً الجماعة الفلسطينية بـ«التراجع» عن الشروط المتفق عليها مسبقاً.
وقال مكتب نتنياهو في بيان: «حماس تتراجع عن التفاهمات وتخلق أزمة في اللحظة الأخيرة تمنع إتمام الاتفاق». وأضاف: «لن ينعقد المجلس الوزاري الإسرائيلي إلا عندما يبلغ الوسطاء إسرائيل بأن حماس قد قبلت جميع عناصر الاتفاق».
كما أدانت طليب العمليات العسكرية الإسرائيلية المستمرة في غزة، متهمة دولة الاحتلال بارتكاب «إبادة جماعية» موصوفة ضد المدنيين في القطاع، لافتة إلى أن إسرائيل تتعمد إحداث مجاعة جماعية ضد المدنيين الفلسطينيين لإرغامهم على الخضوع، متهمة في الوقت نفسه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بالكذب على الكونغرس والمساهمة في تجويع القطاع المنكوب.
وكتبت طليب على منصة «أكس»: «بلينكن كذب على الكونغرس وسمح باستخدام المجاعة كسلاح حرب. هذا موثق بشكل جيد. لقد دعم جرائم حرب وكذب بشكل صارخ على الكونغرس بشأنها».
تفاؤل حذر
سادت أجواء من الارتياح والتفاؤل الحذر في أوساط الجاليات العربية في منطقة ديترويت عقب الإعلان عن التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة، حيث زيّن العديد من السائقين سياراتهم بالأعلام الفلسطينية، كما رفع عدد من المتصفحين على وسائل التواصل الاجتماعي منشورات تشيد ببطولات وتضحيات الشعب الفلسطيني خلال الـ15 شهراً الماضية.
وفيما أبدى العديد من الناشطين امتنانهم لجهود إدارة الرئيس بايدن في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، نشر الناشط المجتمعي وسام شرف الدين على صفحته بموقع «فيسبوك» صورة مشتركة للرئيس الأميركي ونائبته ووزير خارجيته، مرفقة بعبارة: «لن ننسى أسوأ هولوكست في التاريخ ارتكبته هذه الإدارة».
سعيد عودة، الذي كان يتبادل التهاني بنهاية الحرب مع أصدقائه في أحد مقاهي ديربورن، اعتبر الاتفاق «خطوة إيجابية» لرفع الأعباء عن شعب غزة المنكوب، مؤكداً على ضرورة العمل بين جميع الأطراف لإحلال سلام دائم في الشرق الأوسط، وقال: «وقف إطلاق النار مهم، ولكنه ليس كافياً، يجب أن نواصل مطالبنا بتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي المحتلة».
أما صديقه، عدنان السهيلي، فأكد أيضاً على ضرورة متابعة جهود السلام بما يضمن تحقيق العدالة للفلسطينيين، مشيراً إلى أهمية التزام المجتمع الدولي بتنفيذ قرارات محكمة العدل الدولية بتوقيف ومحاسبة نتنياهو ووزير الدفاع المستقيل يوآف غالانت المتهمَين بارتكاب جرائم حرب في غزة.
الترحيب بإنهاء حرب غزة، لم يقتصر على المجتمع العربي الأميركي في منطقة ديترويت بل تعداه إلى المجتمع اليهودي المحلي رغم معارضة الاتفاق من جانب اليمين الإسرائيلي، إذ أشاد «الاتحاد اليهودي في ديترويت» بالاتفاق قائلاً في بيان: «نرحب بالاتفاق الذي من شأنه الإفراج عن عشرات الرهائن، وإنشاء إطار عمل للإفراج عن الرهائن الآخرين، والسماح لإسرائيل بمسار للمضي قدماً لحماية سلامة وأمن مواطنيها». وأضاف: «كل يوم لأكثر من 15 شهراً، كان مجتمعنا يحمل الرهائن في قلوبنا، نبكي من أجل محنتهم، نصلي من أجل عودتهم سالمين، ونحزن على من فقدناهم».
Leave a Reply