قلم عتيق
في 18 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، أحيت الأمم المتحدة اليوم العالمي للغة العربية، وما أدراك ما اللغة العربية ومن خلق اللغة العربية؟
إذا كنت مثلي متابعاً لبعض القنوات والفضائيات العربية ومنصات التواصل الاجتماعي، فلن يفوتك عذاب الاستماع إلى الأخطاء الفادحة على ألسنة جهابذة السياسة والفكر والدين والإعلام والنشطاء على «تويتر» و«فيسبوك» ومن لف لفهما.
اللغة تتألم من الأخطاء قولاً وكتابة. أخطاء محرجة لا يمكن السكوت عنها خاصة عندما يتشدق المتكلم بالرفع والنصب والجر على مزاجه، فينصب الفاعل ويرفع المفعول به ويمسح الأرض بكرامة كان وأخواتها. وإذا استدرك أحدهم غلطة فادحة ما، يصحّحها بـ«أو كذا»، بدلاً من الاعتذار والعودة عن الخطأ… كأنه لا يعلم أن «أو» تساوي بين ما قبلها وما بعدها، أي أنها تساوي بين الخطأ والصواب… وما أحوجنا إلى التمييز بين الخطأ والصواب، بدلاً من الإمعان في التخلف العقلي والتحجر الفكري.
سنة بعد سنة، تتألم اللغة العربية من عقوق وإهمال أبنائها الذين جعلوها «عزيز قوم ذل» على موائد الكلام الرخيص في غمرة وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي.
ومن مآسي اللغة العربية في يومها العالمي، انبراء بعض «مفكّري العصر» على صفحات التواصل الالكتروني إلى الذود عن حياض اللغة بالإعلان عن «تظافر الجهود» –التي «انظم» إليها بعض المتابعين– للحض على تعليم اللغة العربية للجيل الجديد في وطننا الأميركي.
استوقفني تعليق أحد الظرفاء حين كتب ودقَّ ناقوس الخطر مطالباً بإنقاذ لغة «الظاد»: «ظرب ناضر المدرسة الجرس لكن ضافر ومرتظى كانا يلهوان بمظارب التنس، فظبطهما ظابط الصف ووجّه لكلّ منهما لفتة نضر».
لعل هذه ليست سوى إهانة صغيرة للغتنا الحبيبة، غير أن الطامة الكبرى تبقى في تنكر عربان هذه الأيام للسانهم الأم، عبر محاولة إظهار تحضرهم ومواكبتهم للعصر بالدوس على اللغة العربية وإصرارهم على استخدام تعابير إنكليزية لا حاجة لها في حديثهم، من قبيل، أوف كورس وأبسلوتلي ونو بروبلم… وكأن قيمة المتكلم منهم تزيد كلّما تسول على أبواب اللغات الأخرى، بغرض الـ«شو أوف» لا غير.
أفهم أن يلجأ البعض إلى التعبير بالإنكليرية لإيصال فكرة معينة، ولو أني لا أرى اللغة العربية قاصرة عن التعبير، بل هي –بلا شك– أغنى لغات البشر وأكثرها قابلية للتطور والتجدد. لكن المشكلة تكمن في أن معظم العرب لا يقدّرون قيمة لغتهم ويجهلون أسرارها ومعانيها وقدرتها على مواكبة العصر، حتى كادوا يجعلونها نسياً منسياً لولا أنها لغة القرآن الكريم. فلولا الوازع الديني لكانت اللغة العربية –حتى في مدارس بلداننا الأم– قد تحولت في زمننا الأغبر هذا إلى مجرد مادة أكاديمية ثانوية، كالرسم والموسيقى، دون أن يحمّل أحد نفسه عناء السؤال: لماذا أنزل القرآن عربياً غير ذي عوج؟
نقرأ في «سفر التكوين» أن الغضب الإلهي وقع على مُلك بابل في زمن النبي إبراهيم عليه السلام، فتبلبلت ألسنة الناس، وتفرقت لغتهم الواحدة إلى لغات مختلفة، فأصبحوا متعددي الألسن. لكن أحداً لم يقل لنا قط ما هي تلك اللغة الواحدة التي كان كل الناس ينطقون بها. هل هي اللغة العربية؟ أوليس إسماعيل بن إبراهيم (ع) أبا العرب، كان يتحدث العربية منذ زمن نمرود بابل؟
وإذا كانت اللغة العربية قد بُعثت إلى العالمية مجدداً من خلال القرآن الكريم، فها نحن العرب –بعد آلاف السنين من بلبلة بابل– قد تبلبلت ألسنتنا من جديد ونسينا قدسية لغتنا الأم حتى أصبحت شبه محصورة في الدين ونشرات الأخبار الركيكة.
في يومها العالمي الذي حددته منظمة «اليونيسكو» المعنية بحماية التراث الإنساني، نقول: السلام عليك يا لغتنا العربية وسلامتك من الألم وجهل أبنائك.
غريب الدار
Leave a Reply