يسود المسؤولين الإسرائيليين مشاعر عدم ارتياح إزاء التطورات الجارية حالياً في مصر مع تصاعد أعمال العنف من جانبي طرفي الصراع السياسي والذي أسفر عن مقتل المئات وجرح الآلاف في شوارع المدن المصرية، وفي الوقت نفسه يعتقد المسؤولون الإسرائيليون أن الإطاحة بحكم جماعة «الإخوان المسلمين» قد يعزز فرص محاصرة حركة «حماس» وإضعافها ومحاولة التوصل إلى اتفاق تسوية محدود مع السلطة الفلسطينية.
وفيما كان وزير الدفاع الإسرائيلي السابق إيهود باراك قد دعا صراحة في مقابلة مع شبكة تلفزة أميركية، الأحد الماضي، العالم إلى ضرورة دعم وزير الدفاع وقائد الجيش المصري الفريق عبد الفتاح السيسي لإطاحته بحكم الإخوان يوم 3 تموز (يوليو) الماضي، فإن الحكومة الإسرائيلية وزعماء إسرائيليين آخرين تجنبوا في الوقت الراهن التعليق علنا عما يجري في مصر لكن هذا لم يمنع تقارير صحفية أميركية من التأكيد على أن إسرائيل دعت الولايات المتحدة إلى عدم قطع المساعدة العسكرية السنوية التي تقدمها إلى مصر بقيمة 1,3 مليار دولار مما يعني الإبقاء على النفوذ الأميركي داخل الجيش المصري مما يساهم في المحافظة على اتفاقية الصلح المصرية-الإسرائيلية المعروفة باسم اتفاقية «كامب ديفيد» الموقعة في آذار (مارس) 1979.
ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن مسؤول إسرائيلي قوله إن «أي شيء نقوله سينعكس ضدنا… وإذا قمنا بإدانة العنف سنتهم أننا ندعم جماعة الإخوان المسلمين» في إشارة إلى ما يروج حاليا بهذا الشأن. وأضاف «وإذا كنا نقول إننا لا ندين ذلك، فإن إسرائيل ستبدو في تعاون وثيق مع الجيش المصري». لكنه قال إن «هذا لا يعني أنه ليس لدينا رأينا ومصالحها الخاصة».
وقال المسؤول ذاته الذي طلب عدم الكشف عن هويته قبل قيام قوات الأمن المصرية بفض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة بالقوة ان اسرائيل كانت تقول لأصدقائها في الكونغرس الأميركي وفي البيت الأبيض، والهيئات الأخرى ذات الصلة إنه ليس في مصلحة أحد خفض المساعدات الأميركية لمصر، وهي الخطوة التي قال انها تضعف الجيش المصري وتقوّض الجهود الهادفة إلى استقرار الوضع. بعد الهجوم. وأوضحت الصحيفة أن المسؤول ذاته بعد ما حدث أصبح مترددا في مناقشة تلك الجهود وإذا ما كانت ستستمر.
ويقول خبراء في الشؤون الإسرائيلية-المصرية إن اهتمام إسرائيل الرئيسي هو أن استقرار مصر يمكن أن يحفظ معاهدة كامب ديفيد واستعادة النظام على طول الحدود في سيناء التي تشهد انفلاتا أمنيا لمصلحة الجماعات الإسلامية بما فيها جماعات السلفية الجهادية التي تهدد كل من قوات الأمن والجيش المصري والاحتلال الإسرائيلي على حد سواء. وكانت جماعة مسلحة أعلنت يوم الثلاثاء الماضي مسؤوليتها عن هجوم بقذائف صاروخية على «أم الرشراش» (إيلات) رداً على ما قيل إنه غارة جوية نفذتها طائرة إسرائيلية بدون طيار في سيناء أسفرت عن استشهاد أربعة من أفراد الجماعة. كما سبق لإسرائيل أن أعلنت في وقت سابق من الشهر الجاري عن إغلاق مطار صغير في إيلات لمدة ساعتين تقريبا بعد ان حذرت مصر من هجوم محتمل ينطلق من سيناء. وقال خبراء إسرائيليون إن ذلك أظهر التعاون الأمني الشديد بين الحكومة المصرية المؤقتة المدعومة من الجيش وإسرائيل، مشيرين إلى أن الاتصالات لم تنقطع بين مصر وإسرائيل من خلال القنوات العسكرية والاستخباراتية. ويعتقد محللون إسرائيليون أن استمرار التوتر على طول الحدود في سيناء قد يجر إسرائيل إلى سيناء، يزيد من تعقيد العلاقات مع مصر.
وتنظر إسرائيل إلى الجيش المصري بوصفه القوة الوحيدة التي يمكن أن تحقق الاستقرار في مصر التي تشهد حالة من التمزق بسبب الصراع السياسي الحاد ويحافظ على اتفاقية كامب ديفيد. وفي الوقت نفسه تخشى إسرائيل من أن تسفر أعمال القتل الجماعي عن زعزعة استقرار المناطق الفلسطينية في الوقت الذي استأنفت فيه السلطة الفلسطينية وإسرائيل مفاوضات التسوية.
فقد شهدت مدينة الخليل في الضفة الغربية المحتلة يوم الجمعة، اعمال احتجاج نظمها أنصار حركة «حماس» ونشطاء آخرون بعد صلاة الجمعة ضد عمليات القتل في القاهرة ودعما للرئيس المصري المعزول محمد مرسي. واشتبك المحتجون مع ضباط أمن السلطة الفلسطينية في عدة مناطق من المدينة. كما ذكرت تقارير أخرى عن وقوع احتجاجات في رام الله، مقر السلطة الفلسطينية. وفي القدس تظاهر المئات من أعضاء الحركة الإسلامية في إسرائيل خارج المسجد الاقصى واتهم الفريق السيسي بالتعاون مع الولايات المتحدة وقتل المصريين نيابة عن اليهود، وفقا لما ذكرته الإذاعة الإسرائيلية. وفي غزة، التي تسيطر عليها حركة «حماس»، تم تكريم الضحايا المصريين في صلاة الجمعة.
وقال مدير مركز «بيغن-السادات» للدراسات الاستراتيجية بجامعة «بار إيلان» الإسرائيلية إنه يعتقد أن «مصلحة إسرائيل واضحة تماماً.. إن العامل الوحيد الذي يمكن أن يوفر هذا النوع من الاستقرار هو الجيش المصري». فيما قال الرئيس السابق لجهاز «الموساد» داني ياتوم إنه «لا يوجد شك في أن إسرائيل تفضل الجيش على جماعة الإخوان المسلمين ونظام علماني على النظام الديني» في مصر.
ويقول مسؤولون أميركيون إن التدخل الإسرائيلي في سيناء -وهو ما ينفيه الجيش المصري وتتجنب إسرائيل تناوله- هو أوضح مظهر من مظاهر التفاعل رفيع المستوى بين قادة الجيش والمخابرات الإسرائيلية والمصرية، وأن هذا التعاون قد ازداد بين حلفاء الولايات المتحدة منذ الاطاحة بمرسي، وأن الجانبين يتعاونان بهدوء لقمع المتشددين الاسلاميين على طول الحدود.
ويقول مسؤولون أميركيون أنه قد سبق الغارة بطائرة بدون طيار في سيناء اتصالات بين مسؤولين أمنيين اسرائيليين كبار ونظرائهم المصريين، ناقشوا فيها التهديد الذي يشكله فريق إطلاق الصواريخ وخيارات الرد. ويؤكد المسؤولون الأميركيون أن التفاهم لدى الجانبين المصري والإسرائيلي يقوم على أن تتخذ إجراءات مباشرة فقط كملاذ أخير إذا كان المصريون ليسوا في وضع يؤهلهم لوقف تهديد وشيك من سيناء. ووصفوا مثل هذا التدخل الإسرائيلي بأنه «نادر جدا» بسبب الحساسيات المصرية.
وتظهر الترتيبيات الأمنية بين الجانبين المصري والإسرائيلي المدى الذي يمكن للجيشين المصري والإسرائيلي التنسيق ضد الجماعات المسلحة في سيناء والتي يمكن أن تهدد الملاحة في قناة السويس ومطار إيلات. وكان وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعالون قال في بيان مكتوب يوم العاشر من الشهر الجاري، عقب غارة الطائرة بدون طيار في سيناء، «إن إسرائيل تدرك وتقدر زيادة النشاط من قبل الجيش المصري مؤخرا ضد الإرهاب في جميع أنحاء شبه جزيرة سيناء، بما في ذلك في نهاية هذا الاسبوع».
وفي الوقت الذي امتنع فيه المسؤولون الإسرائيليون عن التعليق على مضمون التفاهم مع مصر فإن مسؤولاً إسرائيلياً قال إن الوضع الأمني في سيناء يمثل تهديدا لكلا الجانبين. واضاف «نحن نحترم السيادة المصرية في سيناء وندعم بقوة الجهود المصرية للتعامل مع هذه التحديات ولدينا تعاون عسكري جيد مع الجيش المصري».
ووصف مسؤول أميركي كبير التعاون العسكري بين إسرائيل ومصر بأنه «أفضل من أي وقت مضى»، حيث شهدت العلاقات المصرية-الإسرائيلية تحسنا كبيرا منذ الخريف الماضي. وبعد تدخل الجيش ضد مرسي، الذي تربطه علاقات طويلة الأمد مع «حماس»، وهو ما رحبت به إسرائيل، أغلق الجيش المصري بعض الأنفاق التي تربط مصر مع قطاع غزة، والتي هي شريان الحياة لحركة «حماس». وكانت إسرائيل دأبت على حث الجيش المصري على اتخاذ مثل هذه الخطوة وهو ـما كان قام به خلال حكم مرسي.
وقد ازداد التعاون العسكري بين مصر وإسرائيل مع بدء العد العكسي لاطاحة مرسي عندما بدأ الجهاديون في سيناء يستهدفون جماعة «الإخوان» لأنهم لم يعتبروها اسلامية بما فيه الكفاية. وقد وافقت إسرائيل على تكثيف مصر وجودها العسكري في سيناء. كما أن مستشار الرئيس المصري المؤقت للأمن الوطني رأفت شحادة تربطه علاقات عميقة مع المخابرات الإسرائيلية، إلى جانب تعيين الجنرال نادر العصار الذي يحظى بعلاقات قوية مع المخابرات الإسرائيلية في منصب مدير العلاقات الدولية في المخابرات المصرية.
ويقول مسؤولون أميركيون أن هذه العلاقات ساعدت في تسهيل الاتفاق بين مصر وإسرائيل لتجاوز القيود التي تفرضها معاهدة كامب ديفيد على تحركات القوات المصرية في سيناء والسماح لمصر إرسال قوات عسكرية إضافية إلى سيناء لمكافحة ما يوصف بأنه «خطر المتشددين» المتنامي هناك. وكان الجيش المصري قد وضع أمن قناة السويس على رأس أولوياته، فيما كثفت إسرائيل اجراءات المراقبة على طول الحدود المصرية وعلى نحو متزايد في الأراضي المصرية نفسها. ويستخدم الجيش الإسرائيلي الصور التي تؤخذ في وقتها على طول الحدود مع سيناء من المناطيد والطائرات بدون طيار والأقمار الصناعية لرصد التهديدات المحتملة. وقال الخبير العسكري في «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية» بواشنطن، انتوني كوردسمان، إن التعاون يعكس تقارب في المصالح. وأضاف موضحاً «هناك خطر حقيقي من أن سيناء ستصبح منطقة حيث الجيش والشرطة المصرية قد تفقد حرية العمل والقدرة على التحرك .. ومن الواضح أن إسرائيل لديها كل المصلحة المحتملة في منع حدوث ذلك».
وعلى الجانب الفلسطيني-الإسرائيلي فإن إسرائيل ترى أن الإطاحة بحكم «الإخوان» في مصر وتحرك الجيش المصري في سيناء قد يساعدها في محاولة التوصل إلى تسوية محدودة مع السلطة الفلسطينية التي تهيمن عليها حركة «فتح» في الوقت الذي يقوم فيه الجيش المصري بحملته ضد «حماس» في سيناء وقطع خطوط إمدادها، فإن هناك فرصة أمام إسرائيل وفتح ومصر بمحاصرة حماس وودفعها إلى تقديم تنازلات خوفا من زيادة تهميشها. غير أن هذا يتطلب حسبما يقول «مركز ستراتفور» للتحليلات الاستخبارية من الجيش المصري أن يتمكن من السيطرة على الوضع في مصر وأن يتمكن من ضبط الوضع أيضا في سيناء وهو مايرى المركز أن الأمر سيكون في غاية الصعوبة نظرا لتصاعد أعمال العنف السياسي المسلح وامتداده إلى عنف طائفي ومعاناة اقتصادية إلى حد أن الحكومة المؤقتة المدعومة من الجيش ستكافح لتأمين الاحتياجات والخدمات الأساسية للمواطن المصري.
ويرى «مركز ستراتفور» أنه رغم ارتياح إسرائيل إزاء تدخل الجيش المصري وتوليه فعليا السلطة في مصر فإنها تدرك أيضا أن الجيش المصري سيتأثر سلبا بشكل كبير بسبب محاولاته لاحتواء الاضطرابات السياسية في أكبر مدن مصر بينما يحاول أيضا إدامة الضغط على المسلحين في سيناء. لذلك يقول المركز إن حالة عدم اليقين بشأن مستقبل الجيش في مصر لها تداعيات مباشرة على إسرائيل، في الوقت الذي تحتاج فيه إلى الاعتماد على الجيش المصري لتعزيز أي ترتيبات أمنية، تحاول إسرائيل التوصل إليها مع الفلسطينيين. ويخلص مركز ستراتفور إلى القول إن «الوقت ليس في صالح إسرائيل في محادثات السلام هذه… وليبقى السؤال لماذا تجري هذه المفاوضات في المقام الأول».
Leave a Reply