علي منصور
«الأزمة» الأخيرة التي أشعلتها إدارة المركز الإسلامي في أميركا باستضافتها لضباط إسرائيليين على مدى السنوات العشر الماضية، كشفت عن حجم الهوة بين مسلكية هذه الإدارة وأهدافها وبين أهداف المركز الإسلامي البديهية والمرجوة منه. لا.. بل اتضح بأن هناك أهدافاً مستترة وخطيرة يتم تغليفها بلبوس ديني تحت مسمى حوار الأديان والتعارف، ولكنها تدخل في صلب العمل السياسي الهادف والمركّز الذي تخوضه المنظمات الصهيونية لتحسين صورة الكيان الإسرائيلي وتبييض سجلاته الإجرامية ومحوها من الذاكرة الجمعية للشعوب، والتسرب الى داخل المجتمعات العربية وبناء الأواصر ومد الجسور.
بعبارة أخرى، ما حدث لا يعني شيئاً سوى التطبيع!
عندما تنكر إدارة المركز الإسلامي علمها المسبق بقدوم أي من الضباط الإسرائيليين إلى عقر دارها فإنها تكذب وتنافق وتخادع وتحاول التعمية على الحقيقة، لأنها تعلم خطورة ما أقدمت عليه وتعلم بأن في الاعتراف إدانة، والإدانة تستوجب الاعتذار والمحاسبة مع ما يعني ذلك من إقالات أو استقالات. كان بإمكان «مجلس الأمناء» التحلي بحد أدنى من المسؤولية والتخلي عن الغرور والعنجهية والانضمام إلى مطالبات الجمهور المحقة بتحديد المسؤوليات ومن ثم الشروع بإحداث تغييرات على مستوى الأعضاء في المجلس والإدارة، ولو فعلوا ذلك، لوقف الجميع بصف المركز وأثنوا على أعضائه وشدوا على أياديهم، لكن ليس معروفاً من يقود الآخر ومن يتحكم بالآخر: المجلس أم الإدارة!
الإدارة التي يفترض بها تطبيق السياسات العامة التي يرسمها مجلس الأمناء، يبدو أن بعض المتنفذين فيها أقوى من المركز وما يضم، لدرجة أن المدير التنفيذي قاسم علي لا يجد وسيلة لمنع بعض الفتية والنسوة من التصوير إلا باستعمال «قواه البدنية» داخل المسجد ظناً منه أن ذلك يخمد أصوات المعترضين على فعلته من غير أن يلقى اعتراضاً من أحد داخل المركز.
إلا أن الحراك الأخير –يوم السبت الماضي– كشف النقاب عن قوة وطاقة شبابية هائلة في الجالية لم يكن أحد يعرها الرعاية والاهتمام. هم الشباب الذين هبوا وانتفضوا لكرامتهم ورفضوا الإساءة والإهانة والمهانة، وأخذوا على عاتقهم التصدي بالرغم من الأجواء السلبية الضاغطة وبالرغم من محاولات القمع والترهيب التي مارستها إدارة المركز لإحباطهم وثنيهم عن استكمال تحركهم، وحصول أخطاء وهفوات غير مقصودة من قبل بعض الشباب المولجين بضبط حركة الاعتراض لنقص في التنسيق ولقصور بفهم المغزى كما حدث مع أحد الشبّان المتحمسين الذي انبرى تحت عامل الضغط لِيَحولَ بين الدكتور نسيب فواز وبين استجابته لمطلب كان في صلب أولويات التحرك، ألا وهو الاعتذار باسم «المركز الإسلامي» عن استضافة الإسرائيليين.
ولا بدّ هنا من الإشادة بالدور الإيجابي الذي لعبه الدكتور فواز، إن لجهة حضوره وحيداً (وهو ليس عضواً في مجلس الأمناء) أو لرحابة صدره في تلقي الكم الهائل من الأسئلة والمطالب والتعليقات، بعد أن تهرب جميع الأعضاء من المواجهة، في حين اختبأ المدير التنفيذي في مكتبه بعد أن فشل في بث الفوضى وإثارة المشاكل بين شرطة المقاطعة والمحتجين من خلال إصراره على منع التصوير.
غير أن المطلوب كان مشاركة أوسع وأكثف من مختلف القطاعات في الجالية، لاسيما تلك الوجوه المعروفة والمألوفة التي تملك تأثيراً معنوياً وتتمتع بالاحترام والتقدير، لكنها تخلفت عن الحضور واحتجبت عن الظهور بالرغم من رفضها وإدانتها لاستضافة الإسرائيليين دون اتخاذها موقفاً علنياً وعملياً، وهو ما ترك علامات التعجب والاستغراب وأثار جملة من التساؤلات عن المسؤولية الأخلاقية والمعنوية التي يتحملها هؤلاء.
كما كان مستغرباً، الصمت الذي أطبق على جيش العلماء والمشايخ في جاليتنا الذين لم يدل أي منهم بتصريح إدانة أو استنكار، سوى قلة قليلة لا يتجاوز عددها عدد الأصابع. والأنكى أن أحد أئمة المراكز «الحكيمة» انبرى للدفاع بجسارة عن استضافة الإسرائيليين دون خجل أو وجل، ودون وازع أو رادع، وكأننا أمام تفاهم ضمني متبادل بين أصحاب «الكار الواحد» يقضي بعدم التعرض والتعارض والاعتراض!.
لم يفت الوقت بعد، فالمسألة لم تزل قيد البحث وعرضة للأخذ والرد، بالرغم من أنّ التحرك الشبابي استطاع أن ينتزع إنجازاً مهماً بإلغاء النشاط «العبثي» الذي يستضيف الإسرائيليين في المركز الإسلامي، وهو ما يجب أن يُستتبع بتدخلٍ قوي وسريع من وجوه و«قيادات» وفعاليات الجالية بالتنسيق مع التحرك الشبابي للضغط على مجلس الأمناء لمعالجة المسألة والشروع بخطوات المحاسبة والمساءلة العملية بما تقتضيه الحكمة، قبل أن يشرع الشباب بموجة ثانية من التحركات التي ستكون –بلا شك– أكثر قوة وزخماً وحشداً.
Leave a Reply