ديربورن – «صدى الوطن»
على الرغم من أن «المركز الإسلامي في أميركا» بمدينة ديربورن يستضيف منذ 2007 عسكريين من مختلف دول العالم ضمن فعاليات حوار الأديان بالتعاون مع «جامعة الدفاع الوطني» (أن دي يو)، إلا أن فعالية 14 نيسان (أبريل) الماضي، اتخذت منحى مختلفاً، أسفر –الأحد الماضي– عن احتجاج المئات من أبناء الجالية على استقبال المركز لضباط إسرائيليين مطالبين المشرفين على المؤسسة الدينية بالاعتذار ومحاسبة المسؤولين، عما وصفوها بـ«التصرفات غير المسؤولة التي تصل إلى حدود الخيانة العظمى»، بحسب تعبير أحد المتظاهرين.
وكانت صحيفة «صدى الوطن» قد نشرت في عددها الماضي مقالاً للناشط السيد صالح الأمين تحت عنوان «وليمة العار: ضباط إسرائيليون في «المركز الإسلامي في أميركا» بديربورن»، فتح باب المساءلة والاستفسار حول أسباب استقبال مؤسسة دينية لعسكريين من الدولة العبرية التي نفذت العديد من المجازر الوحشية في الجنوب اللبناني، الذي تنحدر منه أغلبية الجالية اللبنانية في منطقة ديترويت.
وقد حاول بعض النشطاء إثارة المسألة في المصلى بعد صلاة الجمعة الماضية، لكن المدير التنفيذي قاسم علي قام بفصل «الميكروفون» قاطعاً الطريق على المستفسرين حول ملابسات الفعالية، ويوم الأحد الماضي نفّذ المئات وقفة احتجاجية لدفع «المركز الإسلامي» للإجابة على أسئلتهم.
تملّص
وكان المركز قد أصدر يوم السبت الماضي، بياناً صحفياً اُستهل بالآية الكريمة «ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة»، في إشارة إلى رفض الطريقة التي احتج بها المتظاهرون واعتبارها غير مناسبة لتسوية الإشكال. وأشار البيان إلى أن فعالية استقبال العسكريين كانت قد جاءت قبل 11 عاماً بطلب من «جامعة الدفاع الوطني» –وعبر وزارة الخارجية الأميركية– إلى المركز الإسلامي للمشاركة في «تثقيف العسكريين حول الإسلام في الولايات المتحدة».
ورداً على البيان، اعتبر الأمين أن ما صدر عن إدارة الجامع الكبير جاء «هزيلاً ومتملصاً من المسؤولية»، وقال لـ«صدى الوطن»: «مسؤولو المركز لم يقدموا أجوبة مقنعة على أسئلتنا وماتزال الكرة في ملعبهم.. وحتى الآن مازالوا مترددين بالاعتراف علناً بأنهم استقبلوا ضباطاً إسرائيليين».
أضاف «هذه ليست المرة الأولى التي يثار فيها هذا الموضوع، لقد طرح قبل ثلاث سنوات ولكنه لم يلق آذاناً صاغية.. لقد أنكر المسؤولون استضافة الإسرائيليين ولفلفوا الموضوع».
وأكد «مطالبنا ليست تعجيزية.. كل ما نريده هو أن يعترفوا بأنهم ارتكبوا خطأ وأنهم سيعودون عنه، فالعودة عن الخطأ فضيلة، ولكن من الواضح أن التعنت هو سيد الموقف».
وأفاد «لقد أخبرنا أحد مسؤولي المركز بصراحة، طالما أنه مسؤول في المركز فسوف يستمر في إقامة تلك الفعالية.. ليست لديه مشكلة في أن يحضروا (الإسرائيليون) كل عام.. بل قال لنا بنوع من التحدي: هذا العام أجلسناهم على رأس الطاولة».
وتساءل مستنكراً: «لماذ لا يعتذرون .. هل هم أكبر من الجالية وكرامتها وتضحياتها.. هل هم أكبر من أن يقفوا «على خاطر» الناس الذين قدموا الجرحى والشهداء، والغالي والنفيس، على مدار سنوات طويلة من الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان؟».
ووصف الأمين تظاهرة الأحد الماضي، بأنها «كانت وقفة احتجاج سلمية رغم أن البعض حاول تصويرها وكأنها محاولة لبث الفوضى والإساءة لصورة المؤسسة التي نعتز بها».
اختراق لمجتمعنا
الزميل الصحافي علي منصور، اعتبر –من جانبه– زيارة العسكريين الإسرائيليين محاولة خطرة لاختراق المجتمع الإسلامي الأميركي، وتحديداً المجتمع الإسلامي في مدينة ديربورن، وقال: «هنالك ذهنية في المركز الإسلامي تعتبر أنه لا مشكلة في مد الجسور مع الإسرائيليين»، مشدداً على أن هذا السلوك هو «نوع من أنواع التطبيع مع العدو الإسرائيلي، ويحمل إشارات خطيرة في المستقبل».
وأضاف: «القائمون على المركز يحاولون تصوير المحتجين بنوع من التعمية وكأنهم يرفضون استقبال غير المسلمين.. أبناء الجالية لا يعترضون على استقبال مسيحيين أو يهود أو أي من أتباع الديانات الأخرى في المسجد الذي احتضن هذا النوع من النشاطات مراراً وتكراراً دون أن يعترض أحد.. إنهم معترضون ومتألمون لاستقبال عسكريين من دولة لم تتوقف يوماً عن شن الحرب على لبنان، وإعمال القتل والتدمير فيه».
ووصف بيان المركز الإسلامي، بأنه «محاولة خجولة وسطحية وغير جادة في التعاطي مع المسألة»، وقال «هذا البيان يعكس إصراراً على الاستمرار بهذا النوع من الأنشطة والضرب بعرض الحائط بمشاعر أبناء الجالية ومعارضتهم لمثل هذه النشاطات المشبوهة».
وتساءل: «ما علاقة العسكر بحوار الأديان؟ ولماذا هذا الإصرار على استضافة العسكريين؟»، لافتاً إلى أن «جامعة الدفاع الوطني» لا تعنى بإعداد العسكريين فقط وإنما تعنى كذلك بإعداد الأمنيين، بحسب ما يشير موقعها الإلكتروني»، مشيراً إلى أنه «من غير المستبعد أن يكون هؤلاء العسكريون مرتبطين أو يعملون لصالح الأجهزة الأمنية في دولة الاحتلال الإسرائيلي».
وأضاف «تقديري أن القائمين على إدارة المركز محرجون أشد الحرج من هذا الموضوع، ولكن ما يؤلم أن هذا الحرج ليس من أبناء الجالية العربية وإنما هم محرجون من المؤسسات الأميركية الرسمية الضالعة في هذا الأمر، ولا أعتقد أنهم يتمتعون بالجرأة اللازمة للمطالبة بوقف إرسال الإسرائيليين ضمن الوفود العسكرية، ولهذا فهم يتذرعون بمختلف الوسائل والعناوين».
دعوات للعودة عن الخطأ
وشدد عضو هيئة أمناء «المجلس الإسلامي في أميركا» بمدينة ديربورن، سهيل البيطار، على ضرورة أن يتقدم مسؤولو المركز بالاعتذار، لكي لا تتكرر نفس الأخطاء في المستقبل.
البيطار الذي فقد أقارب له في مجزرة قانا 1996، اعتبر أن ما يقوم به مسؤولو المركز الإسلامي «غير مقبول» مشيراً إلى أن بعض الناشطين عقدوا اجتماعاً مع المسؤولين، وأخطروهم بأن «الناس سوف يلجأون إلى التحرك إذا لم يصححوا الخطأ ويتعهدوا بمحاسبة القائمين على البرنامج… الذي يفتح أبواب جاليتنا أمام الإسرائيليين».
وكانت «صدى الوطن» قد حاولت مراراً وتكراراً الاتصال بأعضاء هيئة الأمناء في المركز الإسلامي للوقوف على رأيهم في هذا الموضوع، ولكن لم يستجب للاتصالات سوى عضو واحد، أكد بشكل صريح بأنه لا يريد بتاتاً الخوض في هذه المسألة.
في السياق ذاته، أعرب العضو السابق في هيئة أمناء المركز الإسلامي، نسيب فواز، عن «رفضه القاطع لاستقبال الجامع الكبير للإسرائيليين»، مؤكداً على حساسية هذا الموضوع بالنسبة لأبناء الجالية اللبنانية في منطقة ديترويت، والذين ينحدرون في غالبيتهم من قرى ومدن الجنوب اللبناني.
ودعا إلى «ضرورة إيجاد حل مناسب يراعي مكانة المركز ودوره الريادي المتميز، كما يراعي بشكل خاص طبيعته المؤسساتية.. على عكس جميع المساجد الأخرى الكثيرة في هذه المنطقة» التي تدار من قبل أشخاص.
كما استنكر رئيس «المجلس الاغترابي اللبناني» مطالب المحتجين بمحاسبة القائمين، متسائلاً «ماذا يعني هذا الطلب وكيف تتم محاسبتهم؟ نعم .. لقد أخطأوا.. ومن يعمل يخطأ.. وما من ضرورة لمفاقمة الأمور».
غير مقصودة
المدير التنفيذي في المركز الإسلامي قاسم علي، اعتبر أن استضافة العسكريين ليست مقصودة بحد ذاتها وأنها تندرج في إطار استقبال الراغبين بمعرفة المزيد عن الإسلام والمسلمين في الولايات المتحدة، ولا تنطوي على أية أهداف سياسية. وقال «هم يأتون مرتدين بزاتهم العسكرية ونحن لا نسألهم عن البلدان التي جاؤوا منها.. ولا تُرسل لنا قائمة مسبقة بأسمائهم». أضاف «من غير المعقول أن نطلب قائمة بأسماء أعضاء الوفود، ونعتقد أنه من المهين أن نفعل ذلك».
أضاف «في كثير من المناسبات كان الوافدون أكثر من نصفهم من العرب، من لبنان والأردن والعراق وغيرها من الدول العربية، وفي بعض الأحيان كنا نعرف –فيما بعد– أن ضمن الوفد إسرائيليين» مؤكداً «خلال الـ11 سنة الماضية أبدى البعض قلقه حيال هذا الأمر وقد تفهمنا ذلك القلق وأخذنا مخاوفهم بعين الاعتبار، وكان قرارنا يستند على اعتبار أن البرنامج مهم من حيث المبدأ» لافتاً إلى أن «الحوار داخل المركز الإسلامي مايزال مطروحاً في هذا الخصوص، ونحن نرحب بكل أشكال الحوار مع أبناء الجالية.. أبوابنا مفتوحة أمام الجميع». وشدد على أن قرارات المركز تنبع من حوارات معمقة، وأن هيئة الأمناء بأعضائها الـ28 هي التي تتخذ القرارات في نهاية المطاف».
تربّص؟
واستدرك علي بالقول إن البعض يتربصون بـ«المركز الإسلامي» وينشرون معلومات خاطئة بقصد الإساءة لصورته، مشدداً على أن مطالب المحتجين «ليست في صالح المركز ولا في صالح الجالية». ورداً على المطالب التي قدمها المحتجون، أجاب «هل يمكن لأي منظمة الرد على الإنذارات؟». مضيفاً «نحن ليس لدينا ما نخفيه وما كنا نعقد هذه الفعالية طوال 11 عاماً لكي نخدع أحداً»، لافتاً «تفخر مؤسستنا بأخذ اهتمامات مجتمعنا على محمل الجد وجعل العملية شفافة للغاية».
وحول محاولته منع المصلين من استعمال الميكروفون، بعد صلاة الجمعة الماضية، قال «إن صلاة الجمعة تضم أعداداً كبيرة من المصلين وهي مخصصة لأداء الشعائر وليست الزمان والمكان المناسب لإقامة نقاش حساس من هذا النوع، كما أنه لا يمكن لأي شخص كان أن يعتلي المنبر ويقول ما يشاء.. فهذا سوف يُحدث البلبلة».
وأشار إلى أن المسؤول عن برنامج حوار الأديان في المركز هو الحاج عيد علوان، مؤكداً أن «تمويل البرنامج ليس من المركز وإنما من جهات وأفراد مانحين من داخل المجتمع».
وحاولت «صدى الوطن» الاتصال بعلوان دون أن تتلقى رداً منه حتى صدور هذا العدد.
Leave a Reply