يقترب اللبنانيون من موعد الانتخابات النيابية التي سيجرى في 6 أيار القادم، وتفصلهم عنها نحو أقل من ثلاثة أسابيع، وسيكون أول اختبار لها في دول الاغتراب، والتي ستكون على دفعتين في 27 و29 نيسان الحالي، وهي المرة الأولى التي ينتخب فيها المغتربون منذ استقلال لبنان، حيث تسجل حوالي 82970 ناخب يتوزعون على 116 مركز اقتراع في ٤٠ دولة، وهو عدد قليل قياساً للتقديرات التي تشير إلى وجود أكثر من عشرة ملايين لبناني مهاجر منذ أواخر القرن التاسع عشر.
القانون الجديد
وتجري الانتخابات النيابية وفق قانون جديد يعتمد النظام النسبي، بالاقتراع للائحة واحدة كاملة، ومنح الصوت التفضيلي لمرشح واحد فيها فقط، وهو نظام يختلف جذرياً عما سبقه، حيث كانت تقام الانتخابات منذ الاستقلال وفق النظام الأكثري، ولا اعتماد للائحة واحدة.
كما كان القانون السابق يسمح للمرشحين بخوض السباق منفردين، وهو ما حرمهم منه القانون الحالي الذي فرض أن يكون المرشح منضوياً في لائحة عدد مقاعدها لا ينقص عن 40 بالمئة من مقاعد الدائرة، وهو ما سجل تناقصاً في عدد المرشحين الأوليين لينخفض إلى 597 مرشحاً موزعين على 77 لائحة في 15 دائرة انتخابية.
التحالفات
وفرزت الانتخابات بصيغتها الجديدة، تحالفات ليست سياسية بل مصلحية، فلم يعد الانقسام السياسي بين 8 و14 آذار قائماً، إذ ذهب الحلفاء كلّاً في طريقه، بحثاً عن حليف يؤمن له الحاصل.
اختلطت الأوراق الانتخابية. فمن هو حليف في هذه الدائرة، هو منافس أو خصم في دائرة ثانية، لتتولد حالة من التناقض والتضارب في التحالفات، أربكت الناخبين وحيّرتهم، وأفقدت الانتخابات عناوينها السياسية، باستثناء إعلان «تيار المستقبل» أنه لن يتحالف مع «حزب الله»، إرضاءً من رئيسه سعد الحريري للسعودية، وللوقوف بوجه المزايدين عليه من داخل تياره السياسي، أو الذين انقلبوا عليه كاللواء أشرف ريفي أنه تنازل لـ«حزب الله» بقبول مشاركته في الحكومة، ثم في انتخاب العماد ميشال عون رئيساً، ولو لم يحصل ما حصل مع الحريري في السعودية من احتجاز وتقديم استقالته وعودته عنها في لبنان، لكان تحالف مع «حزب الله» كما في انتخابات عام 2005 (التحالف الرباعي الذي ضم كل من حركة «أمل» و«حزب الله» و«تيار المستقبل» و«الحزب التقدمي الاشتراكي»).
الصوت التفضيلي
بعد إعلان اللوائح، وتقديمها إلى وزارة الداخلية قبل أربعين يوماً من موعد الانتخابات –كي تقوم بطبعها، وهذا إصلاح دخل على الانتخابات بفرض اللائحة المطبوعة سلفاً، استجابة لمطالب إصلاحية دولية ولبنانية– انكبت تركيز حملات المرشحين على تأمين الحاصل الانتخابي ورفعه لكسب أكبر عدد ممكن من مقاعد الدائرة.
ومما لا شك فيه أن هناك لوائح قوية ذات تمثيل شعبي واسع، مقابل لوائح تخوض الانتخابات وهي تدرك سلفاً أنها لن تكون قادرة على نيل الحاصل الانتخابي، مما سيؤدى إلى إلغاء أصواتها، وبالتالي تخفيض الحاصل الانتخابي المطلوب للوائح المتنافسة.
إلا أن التحدي الأكبر يبقى بين أعضاء اللائحة نفسها، حيث يتنافس المرشحون على الصوت التفضيلي الذي سيفرق بين المرشحين الرابحين والخاسرين ضمن اللائحة الواحدة، والذي بلا شك سيكون على حساب المرشحين الذين لهم حيثية شعبية ضعيفة ويتّكلون عادة على لوائح ذات قاعدة شعبية واسعة لدخول الندوة البرلمانية، مما يعني أن ظاهرة «البوسطات» و«المحادل» الانتخابية ستكون شبه غائبة عن معظم الدوائر الانتخابية، وإن لن تزول كلياً.
ومع طبيعة القانون الجديد الذي يفرض وجود مرشحين ذوي أحجام شعبية، بسبب الصوت التفضيلي، تسود حالة من اللا ثقة في اللائحة الواحدة، وإن كان المرشحون من حزب أو تيار سياسي واحد.
ومع غياب «الماكينات الانتخابية» المنظمة التي توزع الأصوات بين مرشحي اللائحة، بدأت الشكوى ترتفع من المرشحين في أن وجودهم على لوائح، هو للاستفادة منهم في الحاصل الانتخابي، على أن يكون الصوت التفضيلي لمرشحي الأحزاب.
حتى ظهر صراع «قايين وهابيل» على الصوت التفضيلي، في العديد من اللوائح، من بينها ما جرى مؤخراً في لائحة «تيار المردة» الذي يترأسه النائب سليمان فرنجية، حيث شكك المرشح سليم كرم في أن يكون الصوت التفضيلي لمرشحين آخرين على اللائحة هما طوني فرنجية واسطفان الدويهي، وهو ما ينطبق على لوائح أخرى في مختلف الدوائر.
توقعات أولية
وبدأت تظهر استطلاعات أولية، للنتائج التي يمكن أن تخرج بها الانتخابات بعد تركيب التحالفات وتشكيل اللوائح، وإن كان الغموض مازال يكشف ما قد تسفر عنه، في ظل القانون الجديد والصوت التفضيلي، إلا أن توقعات مراكز أبحاث معنية بالانتخابات، إضافة إلى ما بدأ يرشح من ماكينات المرشحين، فإن النتائج لن تكون مختلفة كثيراً عن تلك التي حصلت في دورة 2009، حيث ستكون متقاربة معها، لجهة الكتل النيابية التي أفرزتها مع زيادة أو نقصان في عدد مقاعدها، وحصول اختراقات محدودة لبعض المقاعد، وفق النظام النسبي، حيث أفصح الجميع عن أن لوائحهم قد تُخترق.
توزيع المقاعد
وأظهر تحليل انتخابي أولي أو سيناريو لما قد تؤول إليه الانتخابات من نتائج وفق التوزيع الآتي:
الثنائي الشيعي، حركة «أمل» و«حزب الله» اللذان تقاسما المقاعد الشيعية الـ27 بينهما 13 للحركة و13 للحزب ومقعد للواء جميل السيد في بعلبك–الهرمل، حيث من المستبعد خرق أي مقعد من هذه المقاعد الموزعة بين دوائر الجنوب الثانية والثالثة والبقاع الغربي–راشيا والأوسط (زحلة) وبعلبك–الهرمل، وبيروت الثانية وجبيل.
أما المقاعد السنّيّة، فستتوزع بين «تيار المستقبل» الذي سيحصد 15 مقعداً من 27، وربما يزيد العدد، وستكون المقاعد الـ12 الباقية موزعة بين الرئيس نجيب ميقاتي 3، أشرف ريفي 1، جهاد الصمد 1، فيصل كرامي 1، أسامة سعد 1، عبدالرحيم مراد 1، عدنان طرابلسي 1، قاسم هاشم 1، وليد سكرية 1، بلال عبدالله 1، حيث سيكون الخرق بنواب من 8 آذار، يبلغ عددهم ما بين 5 أو 6، إضافة إلى نواب حاليين كانوا مع الحريري وانقلبوا عليه.
أما عند الطائفة الدرزية، فسيحصد النائب وليد جنبلاط 6 مقاعد من 8، والمقعدين الباقيين لطلال إرسلان وأنور الخليل.
مسيحياً، يحاول «التيار الوطني الحر» أن يحافظ على كتلته الحالية البالغة 19 نائباً، وهو يسعى إلى زيادتها من خلال مرشحين في عكار والكورة وزحلة وبيروت الأولى والثانية، والبقاع الغربي–راشيا، والشوف–عاليه، وقد يفقد مقاعد في جبيل–كسروان، والمتن الشمالي وبعبدا وجزين.
ومن جانبها، تتطلع «القوات اللبنانية» إلى تعزيز كتلتها من 8 نواب إلى 10 وقد يرتفع إلى 12، إذ تتطلع لزيادة نوابها في دوائر كسروان–جبيل، والمتن الشمالي، وبعبدا، وبيروت الأولى، وزحلة، وعكار، وبعلبك–الهرمل، إضافة إلى أربعة نواب في الشمال (بشري 2، والكورة 1، والبترون 1).
وستزيد كتلة حزب «الطاشناق» من نائبين إلى أربعة مع رابع لحزب «الرامغفار»، ولن تزيد كتلة حزب «الكتائب»، بل متوقع لها أن تنقص من 5 إلى 3 بخسارة مقعدي البترون وعاليه.
أما حزب الوطنيين الأحرار فلن يسترجع كميل شمعون مقعد والده في الشوف دوري شمعون، ولا مقاعد في دوائر أخرى.
وقد يحافظ «تيار المردة» على مقعدين في زغرتا، ويكسب مقعداً في الكورة وربما مقعداً في عكار.
والحزب «السوري القومي الاجتماعي» الذي بدأ في العام 1992 بكتلة من 6 نواب، وهي تضم حالياً نائبين، قد يحافظ على مقعدين مع احتمال فوز بثالث في الكورة، ورابع في المتن الشمالي. ومن المرجح فوز النائب أسعد حردان في مرجعيون–حاصبيا والدكتور ألبير منصور في بعلبك–الهرمل، والذي اعتبره الحزب القومي صديقاً، بعد أن كان المقعد للنائب مروان فارس.
ويغيب حزب «البعث العربي الاشتراكي» عن مجلس النواب للمرة الأولى بعد اتفاق الطائف.
ويعود النائب طلال إرسلان نائباً وحيداً.
أما المسيحيون المستقلون فعددهم سيكون حوالي 15، مع احتمال خرق «المجتمع المدني» بمرشح في كل الدوائر. إذ يخوض التحالف الانتخابات بـ66 مرشحاً في 9 دوائر ضمن قوائم «كلنا وطني»، في حين بقي مرشحون آخرون من المجتمع خارج هذا التحالف ويخوضون الانتخابات بلوائحهم وبأسماء أخرى كـ«مدنية» في دائرة الشوف–عاليه، و«كلنا بيروت» في بيروت الثانية.
وتشير التقديرات الأولية إلى أن عدة مقاعد مسيحية ستبقى تابعة لأحزاب مسلمة، حيث ستضم لائحة «المستقبل» حوالي 9 نواب، وكتلة «الحزب التقدمي الاشتراكي» 3، وحركة «أمل» نائبين.
Leave a Reply