واشنطن – على الرغم من مشاعر القلق والتوجس التي انتابت المسلمين الأميركيين خلال الأشهر الأولى لتولي دونالد ترامب الرئاسة، أظهر استطلاع جديد للرأي أجراه «مركز بيو للأبحاث»، أن المسلمين في الولايات المتحدة يبدون سيلاً متواصلاً من التفاؤل والثقة بالحلم الأميركي.
وقد أفادت آراء الغالبية العظمى من المستطلعين أنهم فخورون بكونهم مواطنين أميركيين، وأنهم يؤمنون بأن العمل الجاد هو المنطق الأساسي لتحقيق النجاح في هذا البلد، كما أنهم يشعرون بالرضا عن الطريقة التي تسير بها الأمور في حياتهم الخاصة –حتى وإن كانوا لا يشعرون بنفس القدر من الرضا عن البلد بوجه عام، في ظل تنامي «الإسلاموفوبيا» والتمييز الديني ضدهم.
وأجرى «مركز بيو للأبحاث»» الاستطلاع عن المسلمين في الولايات المتحدة خلال الفترة من 23 كانون الثاني (يناير) إلى 2 أيار (مايو) 2017، عبر الهواتف الأرضية والخلوية، وشمل ألف مسلم أميركي يعيشون في الولايات المتحدة. وتعد هذه، المرة الثالثة التي يقوم فيها «مركز بيو للأبحاث» بإجراء استطلاع رأي شامل عن المسلمين الأميركيين حيث كان المركز قد أجرى استطلاع الرأي الأول عن المسلمين الأميركيين في عام 2007؛ وتم إجراء استطلاع الرأي الثاني في عام 2011.
وأعرب ما يقرب من ثلثي المشاركين في الاستطلاع الأخير عن عدم رضاهم عن الوضع الراهن في الولايات المتحدة. كما أفاد ما يقرب من ثلاثة أرباعهم بأن الرئيس ترامب يتبنى سلوكاً عدائياً إزاء المسلمين في أميركا. وتكشف هاتان النسبتان النقاب عن أن رأي المسلمين قد شهد انتكاسة صارخة منذ عام 2011، إبان فترة رئاسة باراك أوباما، حيث كان الاعتقاد السائد لدى غالبية المسلمين حينها أن البلد يسير على الطريق الصحيح وأن الرئيس يخطب ودهم.
ويرى ثلاثة أرباع المسلمين الأميركيين تقريباً (74 بالمئة) أن الرئيس ترامب يتبنى سلوكاً عدائياً تجاه جماعتهم، في حين أعرب الثلثين (65 بالمئة) عن استهجانهم للطريقة التي ينتهجها ترامب في ممارسة مهام منصبه كرئيس.
بالإضافة إلى ذلك، أفاد 48 بالمئة من المستطلعين أنهم تعرضوا لحادثة تمييز واحدة على الأقل خلال الاثني عشر شهراً الماضية.
ولكن في المقابل أشارت نسبة مماثلة –في ازدياد عن الاستطلاعين الماضيين– (49 بالمئة) إلى أنهم قد حصلوا على الدعم من أشخاص بسبب ديانتهم خلال العام الماضي. ووجد 55 بالمئة أن الأميركيين بوجه عام لديهم مشاعر ودية تجاه المسلمين الأميركيين، في مقابل نسبة تبلغ 14 بالمئة ترى عكس ذلك.
وبالرغم من المخاوف والتحديات الملموسة التي تواجههم، أعرب تسعة من كل عشرة مسلمين تقريباً عن شعورهم بالفخر لكونهم مواطنين أميركيين ومسلمين كذلك. كما أعرب ثمانية من كل عشرة مسلمين عن رضاهم عن أوضاعهم الحياتية. ولا يزال قطاع عريض من المسلمين الأميركيين يؤمنون بالحلم الأميركي، حيث ترى نسبة 70 بالمئة أن غالبية الأشخاص الذين يرغبون في النجاح يمكنهم تحقيقه في أميركا إذا كان لديهم الاستعداد للعمل بجد واجتهاد.
وبحسب مركز «بيو»، يشهد عدد المسلمين في الولايات المتحدة زيادة مطردة من حيث الكم والتنوع، ويتكون هذا العدد بشكل أساسي من المهاجرين وأبناء المهاجرين القادمين من جميع أنحاء العالم. تبلغ نسبة المولودين خارج الولايات المتحدة من المسلمين الأميركيين ستة من بين كل عشرة مسلمين أميركيين تقريباً (58 بالمئة)، وتعود أصولهم إلى 75 دولة على الأقل.
وتفيد تقديرات «مركز بيو للأبحاث» بوجود 3.35 مليون مسلم أميركي يعيشون في الولايات المتحدة – مقارنةً بنحو 2.75 مليون في عام 2011 و2.35 مليون في عام 2007. وذلك يعني أن المسلمين يشكلون في الوقت الحالي نسبة تزيد قليلاً عن 1 بالمئة من عدد سكان الولايات المتحدة.
تنوع
يتميز المسلمون أيضاً بتنوع كبير في مذاهبهم وشعائرهم الدينية، حيث ينتمي نحو نصف المسلمين الأميركيين إلى الطائفة السنية (55 بالمئة)، مع وجود أقليات من الشيعة (16 بالمئة) والمذاهب الأخرى والمسلمين الذين لا ينتمون إلى أي طائفة (14 بالمئة).
وأفاد غالبية المسلمين في الاستطلاع الأخير أن الدين يحتل مكانة عظيمة الأهمية في حياتهم (65 بالمئة)، وأكد نحو أربعة من كل عشرة أشخاص (42 بالمئة) حرصهم على أداء الصلاة خمس مرات في اليوم.
العنف
وعند سؤالهم عما إذا كان استهداف المدنيين وقتلهم عمداً يمكن تبريره في سبيل دعم قضية سياسية أو اجتماعية أو دينية، أفادت إجابات 84 بالمئة من المسلمين الأميركيين أن هذه الأعمال غير مبررة، في حين أفادت إجابات 12 بالمئة أن أعمال العنف هذه قد تكون في بعض الأحيان (7 بالمئة) أو في غالبية الأحيان (5 بالمئة) مبررة.
وبالمقارنة بالشعب الأميركي على اختلاف قطاعاته، يرى المسلمون في الأغلب أن استهداف المدنيين وقتلهم لأسباب سياسية أو اجتماعية أو دينية هو عمل لا يمكن تبريره على الإطلاق (76 بالمئة في مقابل 59 بالمئة).
التمييز
وقد شهدت نسبة المسلمين الأميركيين الذين أفادوا بتعرضهم لواحد على الأقل من أشكال التمييز المحددة العديدة زيادة طفيفة خلال السنوات الأخيرة. فقد أفاد حوالي ثلث المسلمين، على سبيل المثال، أنهم قد تم التعامل معهم بريبة على مدار الاثني عشر شهراً الماضية بسبب ديانتهم. وأشار واحد من كل خمسة أشخاص تقريباً إلى تعرضه للسباب أو التعامل معه بأسلوب مختلف من جانب سلطات الأمن في المطار، في حين أفاد واحد من كل عشرة أشخاص بالتعامل معه بأسلوب مختلف من جانب مسؤولي تنفيذ القانون آخرين، وأوضح 6 بالمئة تعرضهم لتهديد أو هجوم بدني.
كشف استطلاع الرأي عن وجود تباين ثابت في الرأي بين الجنسين بخصوص العديد من الأسئلة التي تتعلق بأحوال المسلمين في أميركا، مما يوضح زيادة مستوى القلق لدى السيدات المسلمات عنه لدى الرجال المسلمين بشأن وضع المسلمين في الولايات المتحدة. على سبيل المثال، يرى عدد أكبر من السيدات المسلمات مقارنةً بالرجال المسلمين أن هناك قدراً كبيراً من التمييز ضد المسلمين في الولايات المتحدة في الوقت الحالي، وأنهن قد تعرضن إلى التمييز بصورة شخصية، وأن حياة المسلمين في الولايات المتحدة قد باتت أكثر صعوبة خلال السنوات الأخيرة.
ولا تزال آراء المواطنين الأميركيين بشأن المسلمين والإسلام متباينة. ولكن في ضوء بعض المقاييس، أصبحت الآراء حول المسلمين والإسلام أكثر إيجابية في السنوات الأخيرة. على سبيل المثال، انخفض عدد الأميركيين الذين يرون أن الإسلام دين يشجع أتباعه على ممارسة العنف أكثر من الأديان الأخرى. بالإضافة إلى ذلك، أفادت آراء قطاع كبير ومتنامي من الشعب الأميركي أن المسلمين في الولايات المتحدة يتعرضون لقدر كبير من التمييز، ويرى نصفهم تقريباً أن التغطية الإعلامية للمسلمين غير منصفة.
Leave a Reply