كمال ذبيان – «صدى الوطن»
لم يكن تسريب «حزب الله» لصور آليات عسكرية متطورة، ظهرت في عرض عسكري، أمراً عابراً من دون أهداف ورسائل موجهة لمن يعنيهم الأمر.
جانب من استعراض «حزب الله» العسكري في بلدة القصير السورية |
العرض أقيم بمناسبة يوم الشهيد في بلدة القصيّر السورية القريبة من الحدود اللبنانية في ريف حمص الغربي، والتي طرد منها المسلحون في حزيران (يونيو) 2013، بجهود مشتركة بين «حزب الله» والجيش السوري منعت تمدد الجماعات الإرهابية التكفيرية، وتهديدها بلدات وقرى لبنانية، على جانبي الحدود.
ومن المعروف أن ريف القصير ورغم وقوعه الى الجانب السوري من الحدود التي لم تم ترسيمها رسمياً بعد يضم ١٣ قرية يقطنها آلاف اللبنانيين وينتمي إليها النائب والوزير غازي زعيتر.
ومنذ أن تمركز «حزب الله» في البلدة، تحولت القصير ومحيطها الى منطقة عسكرية، أقيم فيها قواعد تدريب لتثبيت تأمينها من عودة المسلحين إليها، بعد أن فرّوا منها الى بلدة عرسال وجرودها، التي تحولت بدورها الى مراكز عسكرية، هاجموا منها مواقع للجيش اللبناني، حيث شنّوا عملية عسكرية غادرة، فقتلوا 20 ضابطاً وعسكرياً، وخطفوا العشرات، من بينهم 19 عنصراً من قوى الأمن الداخلي، كانوا في مخفر البلدة، وذلك بمساعدة عناصر من أهالي عرسال منتمين الى «جبهة النصرة» بقيادة مصطفى الحجيري (أبو طاقية) الذي كان ينسّق مع أمير النصرة في القلمون مالك الثلة، وكذلك تنظيم «داعش».
رسائل إلى الداخل
العرض العسكري أراده «حزب الله» في القصيّر، لبعث رسالة الى مَن يدعوه من بعض الأطراف اللبنانية في الداخل الى العودة الى لبنان، ووقف القتال الى جانب النظام السوري. فجاء الرد أن وجوده على جبهات القتال في سوريا، قرار لا عودة عنه، وأنه سيكون حيث يفرض الواجب عليه أن يكون. ولكن هذه الرسالة، لا تقصد بالطبع التلويح باستخدام القوة العسكرية في الداخل، فالحزب منذ أن تدخل عسكرياً في سوريا، أعلن أنه لن يؤثّر على السياسة اللبنانية، والإستحقاقات الدستورية، ومنها رئاسة الجمهورية التي حصلت انتخاباتها عندما قرّر الرئيس سعد الحريري أن يؤيّد ترشيح العماد ميشال عون، بما أكّد أكثر من طرف لبناني، أنها صناعة لبنانية.
وقد بات تدخل «حزب الله» خارج النقاش الداخلي في لبنان، مقارنة بما كان عليه الأمر في أشهره الأولى، بعدما تمّ دحر الإرهابيين عن الحدود مع لبنان، من قلعة الحصن والنبك الى القصيّر وبراد والقلمون والزبداني، حيث توقّف إرسال السيارات المفخخة الى المناطق اللبنانية، لاسيما في الضاحية الجنوبية لبيروت، حتى سلّم أغلب اللبنانيين، بأن الحرب الإستباقية التي يخوضها «حزب الله» في سوريا، كانت نتائجها إيجابية على لبنان وأمنه، وكما أن مَن حاول إدخال الوجود العسكري لـ«حزب الله» في سوريا، بالصراع السياسي اللبناني، فقد فشل، منذ أن تمّ تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام في منتصف شباط 2014.
أسئلة إسرائيلية.. وأميركية
نائب أمين عام «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم، أكد أن الدبابات التي استخدمت في عرض القصير ومنها من صنع روسي (ت – 72) أو ناقلات الجند من نوع «أم – 113» الأميركية الصنع، فهي موجهة صوب مَن يقاتلهم الحزب في سوريا، من التكفيريين الإرهابيين، إذ أن المعركة هي خليط بين الحروب الكلاسيكية التي تخوضها الجيوش، وحرب العصابات، حيث بات «حزب الله» قوة عسكرية كبرى يُحسب لها حساب.
ولقد توقف العدو الإسرائيلي مطولاً أمام العرض العسكري، ليبدي قادته تخوّفهم من تنامي قدرات المقاومة العسكرية، إذ يقدرون بأن ترسانتها الصاروخية تصل الى حدود 150 ألف صارزخ، بما فيها صواريخ «أس – 300» الروسية الصنع، التي سألت تل أبيب موسكو من أين وكيف وصلت هذه الصواريخ الى تنظيم عسكري، في حين أن دولاً غير قادرة على امتلاكها.
وهو السؤال الذي سبق ووجه قياديون إسرائيليون سياسيون وعسكريون، الى المسؤولين الروس، حول إمتلاك المقاومة لصواريخ «كورنيت» التي دمّرت دبابات «الميركافا – 4» المتطورة أثناء صد العدوان الإسرائيلي علي لبنان صيف 2006. وتعرف الدولة العبرية أن سوريا هي مصدر هذه الصواريخ، وأعلن ذلك الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، أن الرئيس السوري بشار الأسد، هو مَن أمر بفتح مخازن الجيش السوري للمقاومة، التي صمدت بسبب تدفق الأسلحة إليها من دمشق، ولذلك بدأت الدوائر الأميركية والإسرائيلية وبمساندة دول عربية، العمل على قطع شريان المقاومة الذي هو سوريا، فكانت مشاركة «حزب الله» في القتال الى جانب النظام السوري، لمنع تنفيذ المؤامرة.
وبدورها، سألت الإدارة الأميركية، من أين وصلت ناقلات الجند (أم – 113) الى «حزب الله»، فهل من الجيش اللبناني، الذي كانت ومازالت الإدارات الأميركية المتعاقبة ترفض تسليحه جدياً في حين أن «حزب الله»، أكّد أن هذه الآليات، هي غنائم حرب حصل عليها بعد تحرير الجنوب اللبناني في أيار عام 2000 من ميليشيا أنطوان لحد التي زودتها إسرائيل بها، وقد ظهرت مع عناصر من «حزب الله» يقودونها. وقد توقّفت واشنطن عن السؤال الذي توجّهت به الى تل أبيب، حول حقيقة ما جرى، فكان الجواب أن ميليشيا العميل لحد، تركوا مواقعهم العسكرية وفرّوا، مع بدء الإنسحاب الإسرائيلي في 25 أيار 2000، مخلفين وراءهم أسلحة وأعتدة وآليات.
وطُرح السؤال أيضاً، حول كيف يخرج «حزب الله» الى الإعلام ويسرّب صوراً عن الآليات، في وقت هو مقاومة ويعتمد السرية، وهذا ما أكسبه القوة والنجاح، إذ فشل العدو الإسرائيلي في حروبه المتعددة، وآخرها حرب تموز 2006، باستهداف مخازن الصواريخ أو منصاتها، إضافة الى عناصر المقاومة وقادتها، إلا أن ما قصده «حزب الله»، هو أن هذه الآليات قد تستخدم في أية حرب مقبلة يُقدم عليها العدو، وستكون وجهتها الجليل الأعلى المحتل، وفق خبراء ومحللين عسكريين ومنهم إسرائيليون قرأوا ذلك في العرض العسكري لـ«حزب الله».
أما لماذا لم يستهدف العدو الإسرائيلي هذه الآليات، وهو لم يفوت فرصة تصل إليه معلومات استخبارية، أو تصوير تحركات عسكرية لـ«حزب الله» إلا ويقصفها، والجواب هو أن الكيان الصهيوني يخشى أيضاً من رد المقاومة، وقد حصل عند اغتيال جهاد مغنية مع ستة آخرين من رفاقه المقاتلين وبينهم مسؤول إيراني، في ريف القنيطرة، وبعد ذلك بتدمير أجزاء من المبنى الذي يسكن فيه سمير القنطار واغتياله في جرمانا إحدى ضواحي دمشق، وكان يحضّر لمقاومة شعبية في الجولان، حيث لم يتأخّر الرد على العمليتين وغيرهما، وفي داخل الأراضي المحتلة في مزارع شبعا وعند تخوم الجولان.
رسالة الى العدوين
فرسالة «حزب الله» من العرض العسكري، وصلت الى العدوين الإسرائيلي والتكفيري، اللذين يخوض معهما «حرب الوجود»، لأن أهدافهما هي الإقتلاع والقتل والتهجير، وهو ما فعلته، إسرائيل لإقامة دولتها المزعومة من «الفرات الى النيل»، وتنظيم «داعش» لإنشاء خلافته الإسلامية المزعومة في سوريا والعراق.
وهكذا تحوّل «حزب الله» الى قوة إقليمية، وليس الى «جيش إقليمي»، بحسب الشيخ قاسم، الذي أكد مجدداً أن ليس لدى الحزب هدف في لبنان، وقد أثبت ذلك في المعارك التي مازال يخوضها في سوريا، والتي دفع فيها حوالي 1500 شهيد، وفق تقارير إعلامية، ولا يخفي الحزب شهداءه ولا جرحاه ولا أسراه، فهو ينعي كل شهيد يسقط، ويقام له تشييع علني، وتوزع صوره وسيرته الجهادية.
العرض العسكري استوفى غرضه، وحقق أهدافه، وعزّز لدى المقاومة وجمهورها وأنصارها وحلفائها، المعنويات العالية، وجرى تطمين اللبنانيين ان الحزب لحمايتهم وفق ما تتحدّث أوساطه التي تشير الى أن المعارك العسكرية في سوريا، ضاعفت من عدد المنتسبين الى المقاومة، والدورات العسكرية، وأن الشهداء الذين يسقطون في سوريا يبقى عددهم مقبولاً نظراً الى خسائر العدو وحجم المعارك التي يشارك فيها الى جانب الجيش السوري وحلفائه، وهي حرب مدن صعبة، يرفدها 82 بلداً حول العالم بالمجموعات الإرهابية، التي بدأت تتهاوى أمام الضغط العسكري لمحور المقاومة بدعم من الحليف الروسي.
Leave a Reply