سامر حجازي – «صدى الوطن»
في الوقت الذي كان فيه مسلمو أميركا يحتفلون بتباشير شهر رمضان، شهر التسامح والغفران، تفاجأوا بأخبار مجزرة أورلاندو المروعة التي ذهب ضحيتها 49 شخصا وأصيب فيها 53 من رواد ملهى «بالس» الليلي، للمثليين الجنسيين.
إضاءة شموع تخليداً لأرواح ضحايا أورلاندو في «دار الحكمة الإسلامية» بمدينة ديربورن هايتس الخميس الماضي. |
لقد خلفت الجريمة التي نفذها الشاب الأفغاني الأصل عمر متين ندوبا عميقة، لا على أهالي الضحايا وعائلاتهم فقط، وإنما على مجتمع المثليين والمتحولين الجنسيين، والمجتمعات الإسلامية المتناثرة في الولايات المتحدة، والتي تتشارك تجارب متشابهة في الإقصاء والتهميش والكراهية ضدها، والتي لاتزال تواجه المزيد من التحديات مع تقدم الوقت.
ويبدو أن المسلمين الأميركيين سيقضون بقية الشهر الفضيل في مواجهة موجات الاستياء المتزايدة ضدهم في الولايات المتحدة، عبر إدانة المنظمات الإسلامية والمراكز الدينية لجريمة «الذئب المنفرد» التي ارتكب أكبر جريمة قتل جماعي في التاريخ الأميركي، وذلك على الرغم من أن الحقائق المتعلقة بالجاني تثبت أن دافعه وراء ارتكاب الجريمة ليس دينيا، ولا علاقة له بأية منظمات إرهابية، وإنما يرتبط بعلاقته الشخصية الغامضة مع المثلية الجنسية.
ومع ذلك، سارعت مجموعات إسلامية كبيرة إلى شجب واستنكار جريمة متين، لاسيما وأن المسلمين الأميركيين كانوا يتوقعون أن وسائل الإعلام والمناخ السياسي في الولايات المتحدة من جهة أخرى سينحيان باللائمة على الإسلام والمسلمين، مؤججين بذلك نيران الإسلاموفوبيا.
ردود أفعال
وقد سارع «مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية» (كير) في أعقاب حدوث الجريمة إلى عقد مؤتمر صحفي وإصدار بيان يدين الاعتداء، كما قامت فروع المجلس في مختلف الولايات الأميركية بإضاءة الشموع وإقامة فعاليات تأبين لأرواح ضحايا الجريمة المأساوية.
وقال المدير التنفيذي لـ«كير» نهاد عوض: «إننا نشعر بالحزن البالغ على ضحايا الجريمة.. وإن قلوبنا وصلواتنا مع أهالي الضحايا وذويهم، إذ لا يوجد أي مبرر لارتكاب مثل هذا العمل الإجرامي».
كما أصدر «المركز الإسلامي في أميركا» في ديربورن -وهو أحد أكبر مساجد الولايات المتحدة- بياناً تمحور حول العنف المسلح وطالب القيادات السياسية والمجتمعية باتخاذ اجراءات حازمة بشأن تعديل القوانين الخاصة بامتلاك وشراء الأسلحة. وجاء في البيان: «هذه الجريمة الشنيعة هي مجزرة صادمة ارتكبها شخص مضطرب تمكن بسهولة من الحصول على أسلحة نارية». وأضاف: «ومع أن كل شخص يتحمل مسؤولية أفعاله، فإن المركز الإسلامي يؤمن بأن على القادة الحكوميين أن ينظروا إلى الأسباب الحقيقية التي قادت في نهاية المطاف إلى هذه المجزرة الجماعية. لا يوجد أي مسوغ يبرر امتلاك شخص لأسلحة عسكرية تمكنه من قتل وجرح أكثر من مئة إنسان خلال دقائق.. ويجب إصلاح قانون تملك الأسلحة، كما أن عروضات بيع الأسلحة يجب أن تخفض من إمكانية شراء الأفراد المضطربين عقليا للأسلحة التي يمكن استخدامها في حوادث القتل الجماعي».
كما شجبت «الرابطة الأميركية العربية للحقوق المدنية» اعتداء أورلاندو وأدانت التطرف الديني وطالبت الأميركيين أن يعتبروا الملاكم الراحل محمد علي مثالا نموذجيا عن المسلمين الحقيقيين. وجاء في بيان أصدرته الرابطة: «إن من يرتكب مثل هذه الأفعال الشنيعة لا علاقة لهم بالإنسانية. إن توقيت الجريمة الذي جاء مباشرة بعد جنازة محمد علي يدل على أن عمر متين وتنظيم «داعش» يتطلعان فقط إلى تدمير الإسلام وقتل الأبرياء في مخالفة واضحة للتعاليم الإسلامية والإنسانية، وعلينا أن نقف مع بعضنا البعض متماسكين من دون أن نسمح لسياسات الخوف أن تمزقنا».
تضامن مع المثليين
ورغم مسارعة المسلمين الأميركيين إلى إدانة الجريمة، إلا أن ذلك لم يحل دون مناقشة وسائل الإعلام لموقف الإسلام من المثلية الجنسية، والذي لا يختلف عن موقف المسيحية منهم، فكل من القرآن الكريم والإنجيل المقدس يحرمان العلاقات الجنسية بين أفراد الجنس الواحد، مع الإشارة إلى الآيات التي تتحدث عن هذا الموضوع قد تم في السنوات الأخيرة إعادة تأويلها من خارج المؤسسات الدينية، وذلك بسبب نمو مجتمع المثليين والمتحولين جنسياً.
ويزداد موقف الإسلام من المثلية الجنسية تعقيدا بسبب الثقافة والتقاليد الشرقية في بلدان العالم العربي التي لا يتقبل معظم مواطنيها المثليين، وفي بلدان مثل المملكة السعودية وفي المناطق التي يحكمها تنظيم «داعش» فإن الشاذين جنسيا يحكمون بالقتل والرجم، وهذه الممارسات كانت موضع نقد وإدانة من قبل المجتمعات الإسلامية، وعلى الأخص مجتمع المسلمين الأميركيين الذين كانوا أكثر وضوحا ومباشرة في انتقاد العقوبات بحق المثليين.
«أكسس» بدوره أصدر بيانا أعرب فيه عن تضامن المركز العربي مع مجتمع المثليين والمتحولين جنسيا مشيرا في الوقت ذاته إلى دعمه للحقوق المدنية للعرب والمسلمين الأميركيين. وجاء في البيان: «قلوبنا مع الضحايا وعائلاتهم وإننا نبعث برسائل تعاطفنا العميق مع مجتمع المثليين في جميع أنحاء البلاد، ذلك المجتمع الذي عانى أفراده خلال نضالهم من أجل المساواة وضد الهوموفوبيا (رهاب المثليين). إن مجتمع المثليين كان عنصراً أساسياً في حركات المطالبة بالعدالة وقد وقف بصلابة مع مجتمع العرب والمسلمين الأميركيين خلال نضالهم من أجل تحقيق مجتمع العدالة والمساواة».
وقال المرشح عن الدائرة الـ15، لعضوية مجلس نواب الولاية (عن مقعد ديربورن)، براين ستون وهو مثلي الجنس: «إن المهاجم بعقيدته المعادية للمثلية الجنسية لا يمثل المسلمين ولا سكان مدينة ديربورن». وأضاف: «وكوني مثلياً جنسياً وقد ترعرعت في ديربورن يمكنني القول إن مهاجم أورلاندو لا يمثل الإسلام، فلو كان مسلما حقيقيا لكان قام بحماية أرواح الناس وليس قتلهم».
وأكد أن حملته الانتخابية داخل المراكز الدينية في ديربورن لم تواجه أية تحديات رغم إعلانه عن ميوله الجنسية، وأن مسلمي المدينة تعاملوا مع موضوع مثليته وكأنه «لا شيء». وقال: «حملتي نشطت في المساجد وقامت بتسجيل قوائم المنتخبين، وكذلك نشطت في المدارس وتواصلت مع العائلات.. فالمسلمون مثل أية جماعة أخرى في أميركا لا يعيّرون الناس بميولهم الجنسية وكل ما يريدونه هو العيش بسلام».
وفي السياق ذاته، أصدرت حملة «مكافحة الكراهية» -وهي حملة انطلقت في السنوات الأخيرة لتطويق انتشار «الإسلاموفوبيا»- بيانا أشار إلى دعم الحملة لأية مجموعة تتعرض للظلم، وجاء فيه: «إن الهجوم على المثليين في ملهى للشاذين هو مأساة كارثية كان وقودها الكراهية ورهاب المثلية». وأكد البيان وقوف أعضاء الحملة ضد الجريمة والكراهية التي تستهدف أي مجتمع كان و«إننا نلزم أنفسنا بالعمل من أجل خلق عالم يستطيع أن يعيش الناس فيه من دون خوف أن يتم استهدافهم بسبب ميولهم الجنسية أو جنسهم أو عقيدتهم أو أعراقهم»، بحسب البيان.
وبالمثل، أكدت «اللجنة الأميركية العربية لمكافحة التمييز» (أي دي سي) في بيان، وقوفها إلى جانب مجتمع المثليين مشيرة إلى أنه كان شريكاً معه في العديد من المناسبات للعمل على قضايا مماثلة. وجاء في البيان:« إن عنفا بهذا الحجم لا ينتمي (ولا يمثل) أية جماعة عرقية أو دينية أو قومية، وإن «أي دي سي» وقفت دائماً، وسوف تواصل وقوفها، ضد التمييز وجرائم الكراهية ضد جميع المجتمعات، بمن فيها مجتمع المثليين الذي عملنا معه بانتظام من أجل محاربة الإسلاموفوبيا ومعاداة العرب.
إضاءة شموع
وفي أعقاب المجزرة المؤلمة، تضافرت العديد من الجهود من أجل إقامة فعاليات تأبينية تمت فيها إضاءة الشموع، ففي يوم الاثنين الماضي، قام نشطاء من ديترويت بإضاءة الشموع في منتزه «كلارك بارك باندستاند» حيث تجمع عشرات اللاتينيين لإحياء ذكرى ضحايا هجوم أورلاندو المفجع الذين كان من بينهم العديد من اللاتينيين الذي قصدوا ملهى «بالس» للاستمتاع بحفلة «لاتينو نايت» التي كان الملهى يقيمها تلك الليلة.
ويوم الأربعاء الماضي، شهدت كنيسة «جينفيا المشيخية» في مدينة كانتون حضور ممثلين من مجموعات دينية متنوعة، كان بينها أعضاء من «مجلس الجالية المسلمة في ميشيغن»، حيث رفعوا الصلوات من أجل راحة أنفس الضحايا.
كما توافد عشرات العرب والمسلمين، مساء الخميس الماضي، بعد وقت الإفطار، إلى «دار الحكمة الإسلامية» في مدينة ديربورن هايتس حيث أضاؤوا الشموع تعبيرا عن تضامنهم مع ضحايا الهجوم الإرهابي، وأدان الشيخ محمد علي إلهي مرتكب المجرزة والتغطية الإعلامية لها، وقال لـ«صدى الوطن»: إن الانتقاد الكلامي للمجزرة غير كاف، الأمر الذي دفع دار الحكمة إلى إقامة فعالية إضاءة الشموع للتعبير عن التضامن مع الضحايا.
وأضاف: لقد دعونا لإضاءة الشموع من أجل التعبير عن استنكارنا بشكل رسمي، ولكي نظهر تعاطفنا الإسلامي، ومحبتنا ورحمتنا، ليس فقط مع ضحايا أورلاندو فحسب، بل مع جميع ضحايا الكراهية والتطرف والإرهاب في كل مكان.
وأكد بالقول: «لقد قمنا بإضاءة الشموع لأن نبينا محمد (ص) هو رسول الرحمة لجميع الناس، ولأن رمضان هو شهر التعاطف والرحمة، شهر التعبد والغفران».
وأشار إلى أن وسائل الإعلام تستغل الحادث من أجل الترويج لأجندات معادية للإسلام، وقال: «لسوء الحظ، فإن وسائل الإعلام على نطاق واسع كانت غير عادلة في هذا الظرف وقد استخدمت مأساة أورلاندو كأداة إضافية في تسعير الإسلاموفوبيا». وأضاف: «لقد كانوا يمارسون ظلما كبيرا ضد الإسلام، ويبررون انتهاك الحقوق الدستورية والحرية الدينية للمسلمين الأميركيين».
وانتقد إلهي وسائل الإعلام التي تتجاهل عمداً تأثيم الديانة المسيحية للشاذين جنسياً، وقال: «في الواقع فإن الإنجيل يدعو صراحة إلى رجمهم حتى الموت، فيما لا يوجد في القرآن مثل هذه الدعوة.. هؤلاء المنافقون لا يشيرون إلى عدالة القرآن فيما يتجاهلون دعوة الإنجيل الصريحة لمعاقبة المثليين».
ورغم أن الإسلام يحرم المثلية الجنسية إلا أنه لا يمنح الحق لأحد بإنهاء حياتهم، بحسب إلهي الذي أضاف: «حتى لو كنا نختلف مع أحد حول شيء ما، فليس من حقنا محاكمته وقتله.. لا يمكنك محاربة خطيئة بخطيئة أكبر. نحن ضد العنف والإرهاب، والقتل هو إثم أكبر بكثير من الشذوذ الجنسي».
Leave a Reply