عماد مرمل – «صدى الوطن»
منذ ان خرج المناضل سمير القنطار من المعتقل الاسرائيلي حيث كان محكوما بأكثر من 500سنة سجن، فـي عملية تبادل فرضتها المقاومة، كان الاسير المحرر يتوقع استهدافه من قبل العدو فـي أي وقت ومكان، حتى تحول الى شهيد مع وقف التنفـيذ.
كتب القنطار وصيته التي ترسم الطريق نحو فلسطين والعزة، ومضى الى الميدان الأحب الى قلبه، ينتظر الشهادة او النصر، مستكملا المواجهة مع اسرائيل من حيث توقفت بعد اعتقاله فـي أعقاب تنفـيذه ومجموعة من المقاومين عملية نهاريا الشهيرة فـي فلسطين المحتلة، عندما كان لا يزال فـي سن السابعة عشرة من عمره.
وبرغم الخسارة التي ينطوي عليها اغتيال القنطار بضربة اسرائيلية، إلا ان استشهاده فـي سوريا، على طريق فلسطين، إنما يعبر عن نهاية تليق به، بل هي بداية متجددة له وهو الذي أصبح بعد موته المخضب بالدم، رمزاً نابضاً للمقاومة على امتداد هذه الأمة.
وكما ان القنطار كان يستعد للشهادة، فان قيادة «حزب الله» كانت أيضاً تتوقعها ربطا بمعرفتها العميقة بشخصية المناضل العتيق الذي رفض، بعد تحريره، كل عروض العمل السياسي واصر على الرجوع الى ساحة المواجهة، على قاعدة الشعار الذي رفعه فور خروجه من السجن: لم أعد إلا لكي أعود الى فلسطين..
لكن توقع الشهادة وربما التطلع اليها بالمعنى الوجداني، هو شيء، وفعل الاعتداء الإسرائيلي هو شيء آخر، لا يمكن للمقاومة التغاضي عنه مهما كان الثمن، وهذا ما أكده الامين لعام لحزب الله السيد حسن نصرالله الذي شدد على أن المقاومة ستمارس حقها فـي الرد على جريمة الاغتيال، الامر الذي من شأنه أن يحول كيان الاحتلال الى رهينة «حرب أعصاب»، يتحكم بها الحزب الذي ترك شكل الرد ومداه مفتوحين على كل التأويلات والتفسيرات..
والارجح ان الحزب سيسعى الى صياغة رد مركب، يوجع اسرائيل إنما من دون ان يقود الى حرب شاملة، وهذا نوع من العمليات أصبحت المقاومة تحترفه، وفق ما تقتضيه المصلحة والظروف، استناداً الى بنك أهداف يوسع هامش الخيارات، علما ان هناك من يرجح ان يكون الهدف الذي ستضربه عملية الثأر هذه المرة دسما فوق العادة، بعدما تكررت الاعتداءات الاسرائيلية ضد قياديي المقاومة، وباتت تتطلب ردعا حاسما لها، من خلال رد أشد إيلاما، يرمي الى الانتقام للقنطار من جهة وإعادة الاعتبار الى قواعد الاشتباك من جهة أخرى.
أما بالنسبة الى اسرائيل، فإنه يمكن القول إنها أرادت من خلال اغتيال القنطار تحقيق مجموعة أهداف بضربة واحدة، لعل أهمها الآتي:
– تصفـية حساب قديم مع عميد الأسرى اللبنانيين فـي السجون الاسرائيلية، والذي كان العدو قد اضطر رغماً عنه الى إطلاق سراحه.
– توجيه ضربة الى مشروع المقاومة السورية ضد الاحتلال الاسرائيلي والذي كان الشهيد يشكل أحد أركانه، بعدما بات العدو يستشعر بخطر تمدد نفوذ الحزب وايران الى حدود الجولان المحتل، لاسيما أن الرمزية الدرزية التي يختزنها القنطار، ضمن الابعاد المتعددة لشخصيته، تسمح له بالتأثير فـي البيئة الشعبية للجولان.
– محاولة فرض أمر واقع جديد على الارض عبر السعي الى التفلت من قواعد الاشتباك التي سبق أن أرساها «حزب الله» فـي أعقاب اغتيال المقاوم جهاد عماد مغنية، فـي منطقة القنيطرة السورية، والتي أفضت الى توحيد جيهة الصراع ضد اسرائيل من الناقورة فـي أقصى الجنوب اللبناني الى الجولان فـي اقصى الجنوب السوري، وتأكيد حق الرد فـي الزمان المكان المناسبين وبالطريقة المناسبة، على اي استهداف يطال أيا من كوادر المقاومة وقادتها.
-تكريس الأجندة الاسرائيلية المستقلة فـي الساحة السورية، بمعزل عن الأجندات الأخرى، الاقليمية والدولية، التي تزدحم بها الأجواء والأراضي السورية، وكأن العدو يريد أن يوحي انه غير معني إلا بحماية مصالحه وأمنه، بمعزل عن حسابات اللاعبين الآخرين فـي سوريا.
-استثمار اللحظة للتخلص من القنطار على قاعدة الافتراض ان الظروف الحالية لا تسمح لـ«حزب الله» وحلفائه بالتوسع كثيراً فـي الرد الى حد خوض حرب واسعة وتجاوز الخطوط الحمر، تفادياً لأي تأثير سلبي محتمل على محاولات تسوية الأزمة السورية التي اكتسبت مؤخراً قوة دفع أممي، بمشاركة روسية، وهو العامل الذي سيجبر المقاومة، وفق الحسابات الاسرائيلية، على تقييد حجم الانتقام.
– الايحاء بأن مفاعيل الانخراط الروسي فـي الحرب السورية تتوقف عند تخوم الأمن الاسرائيلي، وأن منظومة صواريخ «أس400» تراعي هذه الخصوصية، خلافاً للاعتقاد الذي ساد بعض حلفاء موسكو على وقع تدخلها العسكري بأن حرية العدو فـي العمل ضد أهداف معادية له فـي الداخل السوري باتت معطلة بالكامل، ليتبين أن موقف فلاديمير بوتين الحاسم ضد الارهاب ووقوفه الى جانب سوريا وإيران و«حزب الله» فـي مواجهة هذا الارهاب، لا ينسحبان على ملف الصراع بين اسرائيل ومحور المقاومة والممانعة، وبالتالي على علاقة موسكو وتل أبيب.
لكن اسرائيل التي لم تستطع ان تخفـي سعادتها بقتل القنطار، لن يتسنى لها أن تفرح كثيراً وطويلاً، ذلك أن هاجس رد المقاومة سيقى مخيماً على مستوطناتها ودوائر القرار فـيها، حتى إشعار آخر، مهما حاول العدو أن يكابر، ولعل الانتظار المثقل بكل الاحتمالات سيكون أشد وطأة عليه من الرد بحد ذاته.
Leave a Reply