كمال ذبيان – «صدى الوطن»
لا يُفاجأ «حزب الله» إذا سقط شهيدٌ من قادته أو عناصره، لا بل أن معظمهم يطلبون الشهادة، وهو ما أعلنه مصطفى بدرالدين الذي قضى في سوريا بقصف مدفعي من جماعات تكفيرية، استهدفت مقراً للحزب على طريق مطار دمشق الدولي، وفق ما أعلن نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم في تأبين مَن شغل أجهزة الأمن في العالم، بالبحث عنه لاعتقاله أو اغتياله، وهو الذي إتّهمه التحقيق الدولي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005، بأنه الرأس المدبّر والمخطط والمنفّذ للعملية مع أربعة آخرين من «حزب الله» يحاكمون غيابياً أمام المحكمة الدولية الخاصة بالقضية في لاهاي منذ حوالي أكثر من عامين.
وبدرالدين ارتبط اسمه بعمليات أمنية في أكثر من بلد عربي وأوروبي وفي أميركا اللاتينية، فاعتقل في الكويت عام 1983 بتهمة الهجوم على السفارة الأميركية، كما حصل في تفجير السفارة في لبنان، والذي برز اسمه فيها مع عماد مغنية وهو شقيق زوجته، وكانا ينتميان الى حركة «فتح»، حتى خروجها من الفصائل الفلسطينية الأخرى في آب من العام 1982، وإثر الغزو الصهيوني للبنان، إذ انتمى مغنية وبدرالدين الى صفوف «حزب الله» الذي تأسس في مطلع الثمانينات مع إنتصار «الثورة الإسلامية» في إيران بقيادة الإمام الخميني، الذي أرسل قادة من «الحرس الثوري الإيراني» الى البقاع، بعد الإجتياح الإسرائيلي، لتأسيس «حزب الله» الذي أخذ اسماً له في مراحله الأولى باسم «المقاومة المؤمنة» وكان غالبية قادتها وكوادرها، ممن كانوا منتمين الى حركة «أمل» برئاسة نبيه برّي، وانشقوا عنها، ومن أبرزهم: السيد حسن نصرالله، عبدالكريم عبيد، وآخرون كانوا في «حزب الدعوة» ومنهم: الشيخ نعيم قاسم، محمد رعد ومحمد فنيش… كما أن بعضهم تأثر بالسيد محمد حسين فضل الله، وكان عماد مغنية أحدهم.
وارتبط اسما مغنية وبدرالدين ببعضهما وقد توطدت علاقتهما مع فرار الأخير من سجنه في الكويت إثر غزو النظام العراقي برئاسة صدام حسين لها في العام 1990، فأتى بدرالدين الى لبنان ليشكّل مع مغنية ثنائياً قيادياً، كان كل منهما يتولى مهمات عسكرية من ضمن «المجلس الجهادي» لـ«حزب الله» الذي، بدأ استهدافه من قبل العدو الصهيوني قبل حوالي ربع قرن، عندما أغارت طائرة «أباتشي» إسرائيلية على موكب الأمين العام للحزب السيد عباس الموسوي على طريق النبطية في الجنوب فاستشهد مع زوجته وأحد أطفاله، ليتسلّم القيادة بعده السيد حسن نصرالله الذي عرفت المقاومة في عهده، الإنتصارات بعد أن ولّى «زمن الهزائم» كما يصف هو الوضع السياسي والأمني في الصراع مع العدو الإسرائيلي.
الانتصارات وضريبة الدم
فمنذ 25 سنة، وقادة «حزب الله» وعناصره يتساقطون في حرب لم تتوقف ضد العدو الصهيوني، الذي تكبّد هزيمتين كبيرتين في لبنان، الأولى عندما فرضت المقاومة عليه الإندحار من جنوب لبنان تحت ضرباتها الموجعة، إذ سجّلت قبل تحرير الجنوب في 25 أيار (مايو) عام 2000، مئات العمليات التي استهدفت قوات الإحتلال الإسرائيلي وعملائه من ميليشيا أنطوان لحد، الذي توفي قبل عام داخل الكيان الصهيوني، وهو يدير مطعماً، وقد أذلّه العدو الإسرائيلي، ولم يقم له وزناً، فنبذه وتخلى عنه مَن كانوا مثله عملاء للإحتلال وهربوا معه، وهم يشتمون قادة العدو على ما فعلوه بهم، فلم يشكلّوا لهم حماية وتركوهم لمصيرهم، وسلّم بعضهم نفسه للمقاومة التي سلّمته للأجهزة العسكرية والأمنية اللبنانية وأحيلوا إلى القضاء للمحاكمة.
أما الإنتصار الثاني الذي حققته المقاومة، فكان في ما بعد 12 تموز 2006، عندما تصدّت للعدوان الإسرائيلي على لبنان، وهزمت جيش الإحتلال بعد 33 يوماً من القصف جواً وبحراً وبراً، وهذا ما أعطاها قوة ومناعة والتفافاً شعبياً في لبنان والعالم العربي والعالم، إذ حققت نظرية الردع بمواجهة العدو الإسرائيلي، الذي بات يحسب ألف حساب لأي عدوان يفكر في شنّه على لبنان، لأنه سيكون مكلفاً له، والرد سيطال كل المستوطنات الصهيونية، والمرافق والمرافئ الإسرائيلية، إذ تملك المقاومة حوالي 150 ألف صاروخ وفق تقديرات قادة الكيان الصهيوني الذين يتوقعون سقوط حوالي 1000 صاروخ يومياً عليه ولمدة تتراوح بين شهر وسنة، واحتمال أن تقتحم المقاومة المستوطنات في شمال فلسطين، وتتوغّل فيها لمسافات ومساحات كبيرة في الجليل الأعلى المحتل، وتتحول المعارك العسكرية داخل فلسطين المحتلة، لا خارجها، وهذا العمل المقاوم، هو ما يقلق إسرائيل التي تبحث عن أية وسيلة كي تطال المقاومة التي وفق تحليلات قادة العدو من السياسيين والعسكريين، فإن خطرها بات أكبر مما يتصورون، وهذا ما دفع بالقادة الصهاينة الى ملاحقة مسؤولي المقاومة، فبعد اغتيال السيد الموسوي، جرى اغتيال علي ديب وعلي صالح وحسن سلامة وغالب عوالي، في تسعينات القرن الماضي، ومن هؤلاء مَن كان يتعاطى مع الفصائل الفلسطينية في غزة والضفة الغربية وأشعل إنتفاضة في داخل فلسطين المحتلة، ومنها في الأراضي المحتلة عام 1948.
فـ«المقاومة الإسلامية» في لبنان تدفع ضريبة الدم التي سبقتها إليها المقاومة الفلسطينية في كل فصائلها، فلم ينجُ فصيل فلسطيني واحد من عمليات الإغتيال والتصفية سواء داخل فلسطين المحتلة أو خارجها في لبنان والعالم العربي والعالم، وسقط مئات الشهداء للثورة الفلسطينية التي هزّت العالم، وقدمت القضية الفلسطينية الى الشعوب التي تعاطفت معها، وساندتها في معركة وصلت الى الأمم المتحدة التي استقبلت ياسر عرفات، حاملاً البندقية في يد وغصن الزيتون في اليد الأخرى، داعياً العالم الى الإعتراف بدولة فلسطين.
العدو التكفيري
اغتيال بدرالدين، لم يكن كمن سبقه من إخوانه في «حزب الله» الذي إتّهم الإرهابيين التكفيريين بقتله، لا كما في عمليات مماثلة، كانت الأنظار تشخص نحو العدو الإسرائيلي الذي كان يعلن عن مسؤوليته عن العمليات التي نفّذها، كاغتيال عماد مغنية في كفرسوسة قرب دمشق، بوضع عبوة ناسفة في باب سيارته في 12 شباط 2008، وفي اغتيال حسان اللقيس في الحدث بالضاحية الجنوبية، ثم جهاد مغنية في ريف القنيطرة في كانون الأول من عام 2014 مع ستة من رفاقه بينهم أحد ضباط «الحرس الثوري الإيراني»، ثم سمير القنطار مع رفيقه فرحان الشعلان في جرمانا من ضواحي دمشق، واللذين كانا يؤسسان لمقاومة في الجولان السوري المحتل، ونفذ عناصر منها بعض العمليات.
فهذا المسلسل من الإغتيالات التي نفّذها العدو الإسرائيلي في الصراع المستمر مع المقاومة، والتي كانت ترد عليه في الزمان والمكان المناسبين، كما كان يعد السيد نصرالله وينفّذ، فإن عدواً آخر ظهر ويستهدف المقاومة، وهي المجموعات الإرهابية التكفيرية، التي يقاتلها «حزب الله» في سوريا الى جانب النظام منذ العام 2013، دفاعاً عن المقدسات ومنها مقام السيدة زينب، الى منع تمدد الإرهابيين بإتجاه لبنان الذين كانوا على حدوده من الشمال في عكار الى البقاع الشمالي والهرمل، وكانوا يقصفون البلدات والقرى اللبنانية، ويهددون بتهجير قرى لبنانية داخل الأراضي السورية وعددها نحو 15 مدينة وبلدة، فكان لا بدّ من قتال المنظمات الإرهابية في سوريا، حماية للبنان، وبدأت المعركة من القصير في ريف حمص، وفي تلكلخ وقلعة الحصن وقارة وجبال القلمون والزبداني، وقد دفع «حزب الله» بنخبة مقاتليه قادهم مصطفى بدرالدين المعروف بـ«ذوالفقار» الذي كان يدير المعارك العسكرية مع كبار ضباط الجيش السوري، وقادة «الحرس الثوري الإيراني» وعلى رأسهم قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني الذي اعتبر مقتل بدرالدين خسارة كبرى للمقاومة ومحورها، وكان سبقه علي فياض المعروف بـ«علاء البوسنة» وآخرون، حيث كانت تستهدفهم قذائف وقناصة الإرهابيين الذين، دلّت التحقيقات الأولية التي أجراها «حزب الله» بالتنسيق مع الأمن السوري، ومستشارين إيرانيين، أن القائد العسكري للحزب، تمّ رصده جيداً، وبعملية استخبارية متقدمة، قد يكون حصل خرق ما في صفوف المقاومة، مما سهّل على الإرهابيين أن يحققوا هدفهم ويصيبوه إصابة مباشرة بقذيفة أدّت الى مقتله مع مرافقين له، وهو ما أربك «حزب الله» الذي لم يوقف التحقيقات بعد، للوصول الى كامل التفاصيل، إذ هو الإستهداف الرابع في سوريا لقادته قبل الأحداث وأثناءها.
فرح إسرائيلي
ولقد تعاطت إسرائيل بفرح مع اغتيال بدرالدين، كما مع كل عملية تستهدف قادة المقاومة، إذ أوكلت المهمة الى الجماعات الإرهابية التي لا يخشاها العدو الصهيوني، بل هي تكمله، وشكّل حاضنة لها في المناطق القريبة من احتلاله للجولان، فمدها بالسلاح، واستقبل المصابين في مستشفياته.
فمقتل بدرالدين، شكّل صدمة لدى «حزب الله» الذي يعتبره أحد قادة مجلسه الجهادي، وصاحب القرار فيه، وتسلّم المهام التي كانت موكلة الى صهره عماد مغنية، بعد أن إنتقل من العمليات الخارجية، ليتفرّغ للقتال في سوريا والعراق ضد الإرهابيين.
وتوقف المراقبون أمام مقتل بدرالدين، وارتباط اسمه بقضية اغتيال الحريري، حيث شكّك بعض قادة «تيار المستقبل» في مقتله لشل عمل المحكمة التي تنتظر تقريراً رسمياً حول اغتياله، لتبني على الشيء مقتضاه، إذ ذهب النائب أحمد فتفت الى القول، إن تسريب خبر مقتل بدرالدين، لمنع وصول المحكمة الى السيد حسن نصرالله، وهو مطلوب أمامها، لكن كلامه هذا لم يؤخذ على محمل الجد، بل كتحليل اعتبره هو نفسه.
لقد غاب الثنائي مغنية-بدرالدين، لكن قادة العدو الإسرائيلي يؤكدون أن مثلهم يوجد العشرات لا بل المئات، حيث تسرّبت معلومات عن أن مصطفى مغنية وهو النجل الثاني لعماد وشقيق جهاد سيحل مكان خاله مصطفى، الى اسم آخر يتم تداوله على أنه عضو في المجلس الجهادي وهو طلال حمية، وغيره ممن لا تظهر أسماؤهم ولا صورهم في وسائل الإعلام أو المناسبات.
Leave a Reply