فاطمة الزين هاشم
عندما يتزوج الإنسان ويستقر فـي عشه الزوجي، أول ما يفكر به هو إنجاب الأطفال ليضمن تخليد اسم والده سواء أكان لائقاً أم لا، وإذا ما اختار اسماً آخراً يعد هذا انتقاصاً من فحولته أمام زوجته وتقوم الدنيا ولا تقعد بسبب هذا الاسم. تزوجا بعد قصة حب ضجت بها القرية والجوار، كانا عاشقين لا يحتملان الابتعاد أحدهما عن الآخر لحظات، كان الكلام يتدفق بينهما بسلاسة كأنه ينبثق من ينابيع روحيهما العميقة.
كان يناديها بساحرتي الجميلة وتناديه بتوأم روحي، التناغم الرائع بينهما أكبر دليل على نجاح زواجهما لأن الحب الصادق يوطد العلاقة بين الزوجين حتى ينصهرا معاً ويصبحا روحين بجسد واحد.
أثمر هذا الزواج عن طفلة جميلة أسمياها «نور»، نورت هذه الطفلة وأنعشت حياتهما وأضاءت شمعة فـي منزل الأسرة السعيدة لكن اسمها لم يرق لجدتها من والدها وأصرت أن تحمل الطفلة اسمها رغم قباحة معناه، امتعضت الزوجة وقالت هذا الاسم قديم ومعناه لا يليق بطفلة جميلة كهذه. وخاطبت أم الزوج اسم نور أجمل وأكيد سينال إعجابك فـيما بعد. انتفض الزوج ووالدته رغم انتقائه شخصياً للاسم وخرجا معا وهما يكيلان الشتائم للزوجة المسكينة. عاد للمنزل ولم يشاركها الفراش بل نام فـي الغرفة المجاورة وبدأ بالغياب عن المنزل لأيام وإذا حضر يصبح شخصا آخر لا تعرفه. داس على الحب الذي كان يتغنى به. هجرها دون سبب، وفـي احدى الليالي بينما كانت الأم تغط بنوم عميق تسلل إلى غرفة الصغيرة وأخذها وهرب بها إلى جهة مجهولة، استيقظت الأم فـي موعد إرضاع طفلتها فلم تجدها فـي سريرها، اخذت تدور فـي أنحاء المنزل الحزين تبحث عن طفلتها دون جدوى فتحت خزانة ملابسه وجدتها فارغة كقلبه. قصدت منزل أمه فلم تجد أحداً هناك من قال إنهم انتقلوا إلى المدينة وآخر قال إنهم سافروا خارج البلاد! بقيت أشهر وسنوات تبحث عن ابنتها وقلبها يلفه الحزن والأسى حتى عندما وصلتها ورقة الطلاق كانت قد وضعت باليد دون طابع بريدي يرشدها إلى مكان معين لتحظى بابنتها. بعد أن انقطعت بها السبل من العثور على ابنتها تقدم لها رجل يطلب الزواج منها فوافقت وأنجبت ولكنها لم تنس «نور» من قال إن الأم تنسى ضناها. تزوج الأب أيضاً ورمى بالطفلة لوالدته التي هي السبب بتعاسة هذه الطفلة بل العائلة ككل عاملتها كخادمة دون رحمة، حرمتها من مباهج الحياة حتى عندما كبرت أصبحت تضيَق عليها الخناق بدل أن ترشدها وتساعدها على اجتياز فترة المراهقة بسلام. ضاقت بها الحياة وهي فـي عمر تحتاج به للرعاية والإرشاد، أصبحت فتاة ناضجة فاتنة تضج بالحيوية والصبا ملفتة إلى أبعد الحدود، لكنّها تحتاج إلى سياج يحميها من ذئاب الشوراع ويحصنها من الوحوش المفترسة. وجود الأم ضروري بجانبها فـي هذه الفترة العمرية ولكنها كانت وحيدة فـي هذه الدنيا القاسية.
حظها العاثر أوقعها بيد شاب لعوب تبرأ منه الضمير البشري لا يعرف سوى اللعب بعواطف الفتيات، نسج حولها خيمة من الحب المزيف وأغراها بالكلام المعسول والغزل المصطنع حتى أصبحت بيده كعجينة يشكلها على مزاجه. تعلقت به كغريق يحتاج لمن ينتشله من الغرق، وعدها بالزواج وفرش لها طريقاً معبداً بالورود والياسمين ومنَاها بالحياة التي تحلم بها حتى أيقنت أنه فارس الأحلام الذي أرسله لها الرب من الغيب. ولكن الحقيقة شيئاً آخر. تركها وهرب بعد أن دنس شرفها بفعلته الشنيعة. لجأت لإحدى المستشفـيات وعملت بتنظيف الغرف، ساقها القدر باتجاه مريضة كانت تتلوى من الألم سألتها عما تريد نظرت إليها هذه السيدة بامعان وطلبت منها أن تنادي الممرضة لتعطيها مسكن للألم ولكنها شعرت بشئ غريب يجذبها نحو هذه الفتاة، عندما حضرت فـي اليوم الثاني نادت عليها وهي تنظف فـي الجهة المقابلة، حضرت إليها لكن قلبها انتفض فـي صدرها بعاطفة جياشة لا تعرف سرها، سألتها ما اسمك يا ابنتي قالت: «نور» مااسم والدك أجابت كم عمرك أجابت أيضاً، ما قصتك قالت : أمي توفـيت وأنا صغيرة وأكملت لها القصة صرخت هذه السيدة ابنتي أنا أمك لن أموت بل خطفوك مني وأنت طفلة كاد أن يغمى عليها لولا اسعافها بسرعة، ضمتها إلى صدرها وهي تصرخ أشكرك يا رب أعدت لي ابنتي وأعدت لي حياتي التي فقدتها سنوات طوال. نظرت الفتاة إلى أمها وهي مذهولة لا تصدق ماحصل وذهبتا فـي عناق ممزوج بدموع الفرح والسعادة .
Leave a Reply