ترامب يعترف رسمياً بالقدس عاصمة لإسرائيل .. ويثير عاصفة غضب وانتقادات دولية
واشنطن – أثار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يوم السادس من كانون الأول (ديسمبر) الجاري، عاصفة انتقادات دولية بعد إعلانه الاعتراف تنفيذياً بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل والبدء في إجراءات نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى المدينة المقدسة.
وفي كلمة ألقاها في البيت الأبيض، قال ترامب «آن الأوان للاعتراف رسمياً بالقدس عاصمة لإسرائيل»، مضيفاً «نحن اليوم نعترف بالواقع، بأن القدس هي عاصمة إسرائيل»، معتبراً أن هذا القرار «تأخر كثيراً».
وأشار إلى أن «العديد من الرؤساء قالوا إنهم يريدون القيام بشيء ولم يفعلوا»، مضيفاً أنه «لا يمكن حل مشاكلنا باتباع نفس الأخطاء في الاستراتيجيات السابقة».
وقال الرئيس إن «إعلان اليوم يشكل مقاربة جديدة للعلاقة بين الفلسطينيين وإسرائيل»، مؤكداً أن «إسرائيل دولة ذات سيادة ولديها الحق في تقرير أين تكون عاصمتها وهذا شرط من أجل السلام».
كان ترامب صريحاً في خطابه عندما قال إن هذا القرار ليس إلا تعبيراً عن «حقيقة واضحة منذ سنوات: القدس مركز للديانة اليهودية والمدينة مقر الحكومة الإسرائيلية»، وثانياً بأن إعلان القدس «عاصمة لإسرائيل» ليس قراره، بل قرار بلاده منذ عشرين عاماً، وأقره الرؤساء الذين قبله، لكنهم كانوا يؤجلون تنفيذه.
وشدد ترامب على أن بلاده «ملتزمة بالتوسط لتحقيق اتفاق سلام يصب في مصلحة الإسرائيليين والفلسطينيين»، وأن هذا القرار لا يمس بالوضع النهائي للتسوية بين الطرفين، لافتاً إلى أنه يدعم حل الدولتين في حال اتفق الطرفان.
كما دعا الرئيس الأميركي للحفاظ على الوضع الحالي للمقدسات في المدينة. وطلب من وزارة الخارجية الاستعداد لنقل السفارة من تل أبيب إلى القدس، وإطلاق عملية توظيف لمهندسين ومتعاقدين لبناء السفارة.
ورحب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بقرار ترامب، واصفاً إياه بـ«التاريخي» متعهداً بعدم إجراء أي تغييرات على «الوضع القائم» في الأماكن المقدسة في القدس. غير أنه –باستثناء جمهورية التشيك التي حذت حذو ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل– قوبل قرار الرئيس الأميركي بعاصفة انتقادات عربية وإسلامية ودولية.
ويمثل قرار ترامب خروجاً حاداً عن مواقف الحكومات الأميركية المتعاقبة سواء ديمقراطية أو جمهورية التي قاومت رغم حملات إسرائيل وأنصارها وضغوط الكونغرس نقل السفارة خشية أن يؤدي ذلك إلى الإضرار بالعلاقات الأميركية العربية وأيضاً الإضرار بحلفائها في المنطقة.
وبذلك تخلى ترامب عن سياسة أميركية قائمة منذ عقود تبناها أسلافه من الرؤساء الأميركيين منذ إصدار الكونغرس الأميركي قانون نقل السفارة في تشرين الثاني (نوفمبر) 1995 بشبه إجماع المشرعين. وهو بذلك يتحدى تحذيرات من شتى أنحاء العالم من أن مثل هذه الخطوة ستزيد الاضطرابات وحالات العنف واستهداف المصالح الأميركية حول العالم.
وبإعلان ترامب عن توقيعه هذا القانون، سيكون أول رئيس أميركي يعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ولتكون الولايات المتحدة أول دولة تقر بذلك رسمياً.
عبرت الدول العربية والغربية والأمم المتحدة عن رفضها الكامل لقرار ترامب، محذرين من خطورة هذه الخطوة المخالفة للقوانين الدولية على فرص السلام في الشرق الأوسط.
واحتلت إسرائيل القدس الشرقية عام 1967، وتعتبر المدينة بكاملها عاصمة لها، في مخالفة صريحة لمقررات الأمم المتحدة التي لا تعترف بسيادة إسرائيل على القدس بشكل كامل، والتي تضم مواقع إسلامية ومسيحية مقدسة.
وبقيت قضية القدس من القضايا المستعصية على الحل ضمن اتفاقية أوسلو عام 1993، التي نصت على أن وضع المدينة سيتم التفاوض بشأنه في مراحل لاحقة خلال عملية السلام مع الفلسطينيين.
إلا أن إسرائيل، ومنذ عام 1967، أقامت عشرات المستوطنات غير الشرعية وفق القانون الدولي في القدس الشرقية، لآلاف المستوطنين اليهود، في محاولة لتغيير ديموغرافية المدينة.
وشدد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، على أن لا بديل عن حل الدولتين للصراع بين الفلسطينيين والإٍسرائيليين، مشيراً إلى أن القدس «قضية وضع نهائي ينبغي حلها من خلال المفاوضات المباشرة».
وسيعقد مجلس الأمن جلسة طارئة الجمعة (مع صدور هذا العدد) بناء على طلب من ثمانية بلدان، لبحث قرار الرئيس الأميركي.
ردود فعل
اعتبرت السلطة الفلسطينية أن القرار الأميركي ينهي عملياً دور واشنطن كراع لعملية السلام. فيما أعلنت فصائل المقاومة عزمها على المضي في طريق الكفاح المسلح لاستعادة الحقوق، وسط حالة غليان وتظاهرات غاضبة عمت مناطق متفرقة من الأراضي المحتلة وتخللتها اشتباكات مع شرطة الاحتلال.
وفي إطار رد الفعل الفلسطيني، ألغى الرئيس محمود عباس اجتماعاً مقرراً مع نائب الرئيس الأميركي مايك بنس. ورد البيت الأبيض بالقول إن إلغاء اللقاء سيأتي «بنتائج عكسية».
وكان المسؤول الفلسطيني في حركة فتح جبريل الرجوب قال الخميس إن «نائب الرئيس الأميركي غير مرحب به في فلسطين والرئيس عباس لن يلتقيه بسبب التصريحات التي أدلى بها» عن القدس.
وأكد عباس، الخميس الماضي إثر لقائه ملك الأردن عبد الله الثاني في عمان أن قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل «مرفوض جملة وتفصيلاً»، مضيفاً أن واشنطن «بهذا الموقف الذي اتخذته أبعدت نفسها كثيراً عن العمل السياسي في الشرق الأوسط».
ويتوجه بنس إلى مصر والأراضي المحتلة في النصف الثاني من كانون الأول (ديسمبر) الجاري.
وقال مسؤولان أميركيان ومسؤولان فلسطينيان طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم إن ترامب سعى في اتصاله مع عباس يوم الثلاثاء الماضي إلى تخفيف أثر إعلان القدس بالتشديد على أن الفلسطينيين سيحققون مكاسب من خطة السلام التي يعكف على وضعها كوشنر والمبعوث الأميركي للشرق الأوسط جيسون غرينبلات، بحسب وكالة «رويترز».
أما كبير المفاوضين الفلسطينيين، صائب عريقات، فقال إن ترامب «عزل الولايات المتحدة عن أي دور ممكن في عملية السلام مستقبلاً»، مضيفاً أن الرئيس الأميركي «استخف بشكل غير مسبوق بالأصوات العربية الحكيمة، وبزعماء العالم التي حاولت ثنيه عن خطوته هذه».
وكان ترامب قد أجرى اتصالات بالملكين السعودي والأردني والرئيسين المصري والفلسطيني في اليوم السابق من إعلانه الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. وجاءت جميع ردود فعل الزعماء الأربعة مستنكرة للقرار في اليوم التالي.
ففي الأردن وهو حليف رئيسي للولايات المتحدة ، قال الملك عبد الله الثاني للرئيس الاميركي دونالد ترامب ان الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل سيؤجج المشاعر الاسلامية والمسيحية، وستكون له «انعكاسات خطيرة على استقرار المنطقة وأمنها». لكن خطوة ترامب تمثل إهانة واضحة لملك الأردن الذي كان والده الملك حسين مسؤولاً عن فقدان القدس عام 1967. فيما الملك الحالي طبقاً لاتفاق 2013 بين الأردن والسلطة الفلسطينية هو الوصي على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس.
ورغم أن عباس كان متأهباً لإلقاء كلمته فور انتهاء ترامب من خطابه، خاصة أنه يعرف فحوى ما سيقوله الأخير، فإنه أجّلها لنحو نصف ساعة بعدما أجرى اتصالين: الأول بالرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، والثاني بأمير قطر، تميم بن حمد. بعد ذلك، أعلن عباس بلغة أقل حدة من المتوقع، استنكاره ورفضه إعلان الرئيس الأميركي، مبيّناً أنه بمثابة «إعلان انسحاب أميركي من رعاية عملية السلام». وأضاف: «الإدارة الأميركية بهذا الإعلان اختارت أن تخالف جميع القرارات والاتفاقات الدولية والثنائية، وفضّلت أن تتجاهل وأن تناقض الإجماع الدولي… حول القدس». ورأى أن ذلك «يُمثل مكافأة لإسرائيل على تنكّرها للاتفاقات وتحديها الشرعية الدولية وتشجيعاً لها على مواصلة سياسة الاحتلال والاستيطان والابرتهايد والتطهير العرقي».
لكن لم يفت «أبو مازن» أن يربط الإعلان الأميركي بأنه يخدم «الجماعات المتطرفة التي تحاول تحويل الصراع في منطقتنا إلى حرب دينية تجرّ المنطقة التي تعيش أوضاعاً حرجة في أتون صراعات دولية وحروب لا تنتهي». مع ذلك، رأى أن «هذه اللحظة التاريخية ينبغي أن تشكل حافزاً إضافياً لنا جميعاً لتسريع وتكثيف الجهود لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية»، خاتماً بقوله: «عاشت فلسطين».
غضب ومقاومة
عم الإضراب العام القدس ومدن الضفة الغربية وقطاع غزة، الخميس الماضي، احتجاجا على قرار الرئيس الأميركي.
وأغلقت أبواب المحلات التجارية والمدارس والجامعات والمعاهد في الضفة وغزة أبوابها، في وقت أعلنت الفصائل الفلسطينية عن النزول إلى الشوارع والساحات العامة للتظاهر احتجاجا على قرار ترامب.
وقالت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، إن يوم الخميس هو اضراب شامل للمشاركة في الفعاليات الشعبية رفضاً للقرار الأميركي بشأن مدينة القدس.
ودعت الفصائل الفلسطينية في بيان مشترك عقب خطاب ترامب، مساء الأربعاء المنصرم، إلى إضراب عام ومسيرات حاشدة، مؤكدة أن مدينة القدس ستبقى عاصمة الشعب الفلسطيني ودولته المستقلة.
وخرج الفلسطينيون في مظاهرات، ليلة الأربعاء الماضي، في عدد من مدن الضفة الغربية وقطاع غزة، للتنديد بقرار ترامب، وقد تم تفريقهم بواسطة قوات الأمن الإسرائيلية.
وبدوره، قال رئيس حركة «حماس» إسماعيل هنية «يجب الإعلان بكل وضوح أن عملية ما يسمى بالسلام قبرت مرة واحدة وللأبد»، مطالباً السلطة الفلسطينية «بالخروج من اتفاقية أوسلو».
ودعا هنية في كلمة ألقاها الخميس من غزة إلى جعل يوم الجمعة «يوم غضب» وبداية تحرك لانتفاضة «حرية القدس والضفة». وقال بهذا الشأن «نطالب وندعو بل نعمل على إطلاق انتفاضة في وجه الاحتلال. لا يوجد اليوم أنصاف حلول والتحرك في المربعات الضيقة. لنطلق العنان لشعبنا الفلسطيني ليعبر عن الغضب والتمسك بحقه الأزلي في القدس وكل فلسطين».
من جانبه، قال الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله إنّ قرار ترامب بخصوص القدس يشكّل وعد بلفور جديداً.
وقال نصرالله إنّ إدراك مخاطر القرار الأميركي سيشكل حافزاً للجميع لتحمل المسؤولية والتحرك، مشيراً إلى أن إسرائيل وقادتها لا يحترمون القوانين والمواثيق والاتفاقات الدولية ولا يحترمون ما يسمى المجتمع الدولي.
وشدد نصر الله على وجوب إصدار قرار ملزم للدول العربية والإسلامية يعتبر القدس عاصمة أبدية لفلسطين وغير قابلة للتفاوض.
ودعا أمين عام «حزب الله» إلى انتفاضة فلسطينية جديدة وتصعيد عمل المقاومة.
وفي السياق، قال الحرس الثوري في إيران إنّ قرار ترامب سيعزز إرادة محور المقاومة بتحرير المدينة المقدّسة، ويطالب في بيان له تقديم الدعم الشامل للانتفاضة الفلسطينية التي ستزيل إسرائيل سريعاً.
قانون عمره ٢٢ عاماً
على الرغم مما أثاره قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، فإن تاريخ هذا القانون يعود إلى 22 عاماً، والجديد هذه المرة هو أن ترامب وقع عليه رسمياً ليصبح نافذاً.
فقد صادق الكونغرس الأميركي بديمقراطييه وجمهورييه في 23 تشرين الأول (أكتوبر) 1995 على قانون يسمح بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وأعطى الحرية للرئيس بالتوقيع عليه لإقراره.
وقد أعطى القانون الرئيس الأميركي سلطة تأجيل تنفيذه لمدة 6 أشهر، وإحاطة الكونغرس بهذا التأجيل، وهو ما دأب عليه الرؤساء الأميركيون المتعاقبون منذ العام 1998، غير أن ترامب قرر تغيير قواعد اللعبة.
«مهنية» غير معهودة
تعاملت وسائل الإعلام الأميركية الرئيسية في تغطيتها لقرار اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل بـ«مهنية غير معهودة» في تناولها لأخبار الرئيس دونالد ترامب منذ ترشحه للرئاسة. وبينما عمدت الصحافة الأميركية إلى انتقاد ترامب وتصيد أخطائه على طول الخط، وحربه معها واتهامه لها بنشر «الأخبار الكاذبة» بشأن سياساته، إلا أنها عادت للحياد في اليومين الأخيرين في تغطيتها لموضوع القدس، متغاضية حتى عن تلعثمه أثناء إلقاء خطاب الاعتراف بالقدس. وبدا واضحاً من العناوين الرئيسية للصحف الثلاث الكبرى، «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست» و«وول ستريت جورنال»، اتفاقها على الخط العام لتغطية القرار أميركياً: «رئيس يفي بوعوده الانتخابية ويضع الشرق الأوسط على حافة الانفجار».
Leave a Reply