ديربورن – خاص “صدى الوطن”
بعد سبع سنوات من البحث الشاق والمضني، صرف خلالها الأردني المقيم والعامل في الولايات المتحدة منذ ما يقارب الـ13 سنة، مصلح الرفوع ما يقارب العشرة آلاف دولار كأجور لـ”عملاء خاصين”، مقابل البحث عن ابنته لوسي (حليمة) التي خرجت في 26 أيار (مايو) من العام 2003 مع والدتها بقصد السفر إلى الأردن.
لم يمر يوم بدون ألم أو مكابدة، سواء أكانت آلام الخوف على الطفلة الصغيرة بنت الست سنوات، أو آلام الشقاء الناتجة عن البحث والمتابعة اليومية للحصول على أية معلومات توصل الأب العجوز والملتاع إلى ابنته.
بدأت القصة عندما قررت الزوجة الأميركية كيمبرلي الرفوع، بالإعداد للسفر إلى الأردن لقضاء بضعة أسابيع مع أهل وأقارب الزوج الذي قام بكل الترتيبات اللازمة لتلك الرحلة، من حجز لبطاقة سفر، وتحضير هدايا للأقارب، وتزويد الزوجة بمصروف، وإبلاغ أهله وأقاربه بزيارة زوجته وابنته. قام بكل ما يجب القيام به كزوج محب ومسؤول، دون ادخار أي جهد معنوي أو مادي مع تحمل تكاليف الرحلة التي زادت على الـ 3 آلاف دولار.
وبعد بضعة ايام، يكتشف الرفوع أن الزوجة لم تسافر إلى الأردن، وأنها اختفت في مكان ما مع الطفلة الصغيرة، فلجأ إلى رجال الشرطة، ومكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) لمساعدته في إيجاد زوجته وطفلته، أو لإمداده بأية معلومات عنهما، دون جدوى.
لم يستفد شيئاً من أقسام الشرطة ولا من “أف بي آي”، فعمد إلى توظيف أشخاص اختصاصيين “عملاء” للأمر ذاته، بدون طائل. خسر مصلح الرفوع الكثير من المال، وبذل الكثير من الجهد، ولكنه لم ييأس في البحث عن ابنته، فلذة كبده.
محاولات أخرى
لم يدخر الرفوع جهدا أو مالا، ولم يستبعد أي حل مهما بدت احتمالاته قليلة أو غير منطقية، كان يريد “أن يصفّي ذمته أمام الله”. وفي عام 2006، لجأ إلى مكتب المحامية العربية “ج. ك”، التي اقترحت عليه أن يرفع على الزوجة كيمبرلي قضية طلاق، فتقوم المحكمة بوضع إعلانات في الجرائد تطلب من الزوجة “الغائبة عن السمع” الحضور إلى المحكمة، مع التزام مكتب المحامية بتحصيل حق الحضانة للأب. بعد عدة شهور وصلت الرفوع ورقة من المحكمة تبلغه بوقوع الطلاق القانوني من زوجته كيمبرلي، ولكن دون أن تتضمن الورقة أية إشارة إلى الحضانة. ولما سأل الرفوع مكتب المحامية عن أسباب عدم تحصيل حقه بحضانة الطفلة، تمت إجابته بأن المحكمة لم تبت في تلك المسألة بسبب غياب الأم وطفلتها عن جلسة المحكمة. من جديد دفع الرفوع 3700 دولارا إضافية.
رمية من غير رام
بعد وصوله بيوم واحد من الأردن ، في شهر حزيران العام الماضي، تلقى نجل الرفوع والأخ غير الشقيق لحليمة بكر اتصالاً من شرطة ديربورن يفيد بوجود فتاة “تائهة” في عمر الـ13، على شارع وورن في ديربورن. ولدى رؤية الأخ صورة الفتاة على شاشة الموبايل، تعرف فيها على أخته “حليمة” المفقودة منذ 7 أعوام، وكانت وقتها في السادسة من عمرها.
كانت الفتاة في حالة مروعة، وتعاني من شبه انهيار نفسي وعصبي، ورفضت لدى الحديث مع رجال الشرطة رؤية أي أحد من أقاربها، أو أمها، أو أبيها. ولدى الكشف العياني على بعض أعضائها تبين لرجال الشرطة وجود آثار لجروح عميقة في شرايين اليدين، هي نتيجة لمحاولات انتحار بكل تأكيد. ولدى سؤال الأب عن تفسير لهذا الظهور المفاجئ، قال “بأن على الأرجح كانت الأم، التي تعاني بدورها من حالة نفسية غير مستقرة، تحتجز البنت بطريقة غامضة وسرية، وما يدعم هذا الظن، فشل كل وسائل البحث الأمنية (شرطة، “أف بي آي”) والوسائل الخاصة (عملاء مدفوعي الأجر) في العثور على أية معلومات عن البنت، بما في ذلك البحث عبر رقم الضمان الاجتماعي الخاص بها”.
أخبر رجال الشرطة الرفوع بضرورة حضور جلسة في المحكمة في شهر تموز (يوليو)، وحضر الأب الجلسة، وكانت الأم موجودة أيضا. وعرض الأب على الأم، أن تعود، وأن يفتح لها بيتا ويصرف عليها وعلى ابنتها، بدل البهدلة ولتكون البنت في حمايته وتحت نظره. رواغت الأم ولكنها وافقت أخيرا، وتأجلت الجلسة حتى 30 تشرين أول (أكتوبر) العام 2009. وظلت لوسي “حليمة” تحت تصرف وعناية السلطات المختصة.
تدهور الوضع.. مرة أخرى
حلّ موعد الجلسة، لكن الأم كانت قد فارقت الحياة. وحضر محاميها. وبسبب خضوع الفتاة لعلاجات نفسية.. عينت المحكمة موعدا آخر لجلسة أخرى بعد شهرين.
وكّل الأب محامياً عربياً ودفع له مبلغ ألف دولار مقدماً. لم يحضر المحامي الجلسة الأولى، وحضر الثانية متأخرا، فقام الرفع بعزله، مستردا منه 500 دولار، ومتنازلاً عن 500 دولار للمحامي.. الذي ادعى بأنه قام ببعض المتابعات على الهاتف (!!).
الأب.. في المدرسة
في جلسة 30 تشرين أول كلفت المحكمة الأب حضور جلسات وحلقات ودروس اجتماعية وتربوية، لإعادة تأهيله وتعليمه الطريقة المثلى في تربية وتنشئة الأطفال (هل يحتاج أب قضى 7 سنوات من عمره في البحث عن ابنته، وبذل الغالي والرخيص، بما في ذلك الوقوف على أبواب اللئام، في سبيل إيجاد الطفلة وإعادتها إلى كنفه ورعايته هذا النوع من الدروس والإعداد حقا؟). ناهيك، يا أبو الحبيب، عن إخضاع الأب نفسه إلى اختبار مستواه العقلي والنفسي والوجداني.
حضر الأب تلك الدروس. 60 ساعة بالتمام والكمال، بكل تبعاتها من الذهاب مشياً إلى الدروس والعودة مشيا على الأقدام وتأجيل الدروس.. وهكذا. تعطل الرجل خلالها الكثير وضيّع الكثير من الوقت والجهد والمال.. ولكن كل شيء يهون مقابل “عيون حليمة”.
قلت للعم مصلح الرفوع محاولا التخفيف عنه: “هذه هي الضريبة الأميركية. ادفعوها!”. أجاب الأب المبتلى “لو كانت شاباً ربما لم أفعل كل ما فعلت. الشاب يستطيع أن يدبر حاله. ولكنها بنت، وأنا خائف عليها من أن تقع بين أولاد الحرام.. إنها عرضي.. أنت تفهم حساسية الموضوع”.
نعم.. نعم أفهم.
وسألته: ألم تسأل المؤسسات العربية والإسلامية لمساعدتك؟
أجاب: هذه قصة أخرى. لم أترك باباً إلا وطرقته.
اللقاء مع الابنة
في جلسة كانون الأول، حضر الأب والبنت والمربية (الإفريقية الأميركية) إضافة إلى وجود طبيب نفسي (أردني) وكذلك المشرفة الاجتماعية على القضية جولانا مور ومدير البرنامج الاجتماعي الذي خضع له الأب.
استطاع الأب التواصل مع ابنته التي يراها للمرة الأولى بعد 7 سنوات. جاء إلى المحكمة ومعها صورها وملابسها وأشياءها التي ما يزال يحتفظ بها منذ سبع سنوات. ذكرها ببعض الأحداث، فتذكرت، وتودد إليها بحنو فاستجابت وهدأت نفسها وعلت وجهها ابتسامة وسلام غابا عنها طويلا.
في الجلسة ذاتها، حاول الأب أيضا التودد إلى المربية، لكنه بادلته بمشاعر جافة وإعراض لئيم.
جرى الاتفاق في تلك الجلسة، على حق الأب برؤية ابنته اسبوعيا في الساعة الخامسة من عصر أحد الأيام.
في الزيارة الثانية، حضر الأب، وحضر الأخ غير الشقيق وزوجته، وكانت الفرحة أشد من ذي قبل، حيث التم شمل الأسرة ثانية بعد سنوات ممضة من العذاب والحسرة.
الانتكاسة
قبل حلول موعد الجلسة العائلية الثالثة سافر الأب إلى الأردن للمشاركة في عرس إحدى بناته، وفي تلك الأثناء تلقى الأخ بكر اتصالا من المشرفة على القضية جولانا مور يفيد بأن “حليمة” لم تعد راغبة برؤية أحد.
عاد الأب سريعا من الأردن، ليذهب إلى الموعد المحدد للقاء ابنته. تأخر عشر دقائق بالتمام والكمال. وصل الى الموعد في الساعة 5:10 وكان الجميع هناك. كان الطاقم المكلف من قبل المحكمة موجودا، ماعدا المربية. حاولوا الاتصال بها، دون فائدة. هاتفها مقفل.
اتصلت المشرفة جولانا مور فيما بعد وأخبرت الأب بأن المحكمة ستقوم بتأجيل اللقاءات بدعوى أن “الابنة سعيدة مع مربيتها” ولا تريد العودة إلى أبيها.
لم يرضخ الأب لقرارات المحكمة، وعاد ثانية لمطالبتها بإيضاح الأسباب الحقيقية وراء تلك القرارات. عينت له المحكمة محاميا أميركيا، لم يخدم القضية بما يكفي، إضافة إلى حصول بعض العوائق بسبب انعدام التواصل بين المحامي والأب الذي لا يعرف الإنكليزية.
حصاد الريح
بعد 7 سنوات، يشعر مصلح محمد الرفوع أنه وصل إلى طريق مسدود. لم يتمكن من استعادة ابنته، والأنكى أنه محروم حتى من رؤيتها. صرف كل ما يأتيه من أموال، هو المدقع الفقر أصلا، والذي يعيش على راتب تقاعدي لا يزيد عن 600 دولار في الشهر. يدفع 300 دولار منهم أجرة سكن في ديربورن (في بايسمنت). ليس لديه سيارة ليتنقل بها. ولا أحد يقبل في تشغيله، خاصة وأنه يعاني من ضعف النظر. ابنه لديه من المشاكل ما يكفيه.
ولكنه مع ذلك لن يستسلم. جال على المراكز الإسلامية، السنية والشيعية، طالباً منهم المساعدة، المعنوية أو المادية. (أحدهم أعطاه ستة دولارات!!). قصد المؤسسات العربية الأميركية ذات الطابع الاجتماعي والإنساني، دون فائدة، فتلك المؤسسات مبرمجة أصلاً ومعدة بيروقراطياً لقضاء احتياجات وتلبية امتيازات من نوع آخر. يسب الرجل ويشتم تلك المؤسسات مجتعمه، ويقول ما نقول جميعا في مواقف مماثلة “لو كانوا يهودا..لأشفقوا وحنوا عليّ”. يسأل الرجل سؤالاً لا جواب له: “من أين نأتي بكل هذه القسوة”؟ “ابنتي تكبر في بيت غريب” يقول. “أنا عربي مسلم.. وهي تكبر في كنف عائلة أميركية، عاداتنا غير عاداتهم. ولكنني والله لا أمانع أن تكبر عند عائلة مسيحية بشرط.. أن تكون عائلة محبة”!
مناشدة
أبو حليمة.. يناشد أبناء الجاليتين العربية والإسلامية لمساعدته في تكليف محام بارع يساعده في استعادة ابنته، أو حتى استعادة برنامج اللقاءات الدورية (مرة كل أسبوعين). أية مساعدة، معنوية أو مادية ستكون مشكورة ولها عند الله الأجر والثواب.
وبحوزته الآن من كل المؤسسات والجهات والمساجد التي ذهب إليها، مبلغ 900 دولار، هو بالأصل عبارة عن مبلغين منفصلين تقدم بهما مسجدان، واحد في ديترويت (400 دولار)، والآخر في مدينة وورن (500 دولار).
للمساعدة يمكن الاتصال مع مصلح محمد الرفوع على الرقم: ٣١٣.٣٦٣.٤٣٥٤
Leave a Reply