خليل إسماعيل رمَّال
تفرض المقارنة نفسها فرضاً عليك بين رد الفعل الأردني بعد إعدام «داعش» لطيَّاره الأسير معاذ الكساسبة، وبين التقاعس اللبناني المريع بحق جنوده الرهائن لدى أعتى من عرفهم التاريخ جرماً من التكفـيريين الإرهابيين المرابضين فـي جرود عرسال.
ذلك أنَّ «المملكة الاردنية الهاشمية» تشبه «الجمهورية» اللبنانية كثيراً من حيث كونهما معاً «شبه وطن» وجائزة ترضية منحها المستَعمِر البريطاني فـي الحالة الأولى لحسين، شريف مكّة، وسلالته من بعده بسبب خيانة الغرب ونكث عهوده مع العرب الذين وقفوا مع «الحلفاء» ضد تركيا ودول المحور، والمستعمِر الفرنسي وهبها فـي الحالة الثانية للبعض لتكون وطناً قومياً كامل الدسم الماروني وخالٍ من «الدهون» الدينية الأخرى. وفـي الحالتين اقتطع المحتلان البريطاني والفرنسي المجرمان أجزاء غالية من قطريَن عربييَّن هما فلسطين وسوريا من أجل بناء كيانيَن مُصطَنَعَيْن، فلم تقم فـيهما قائمة للدولة أو المؤسسات بسبب عدم اكتمال نموهما الطبيعي الجغرافـي والسيكولوجي والسوسيولوجي فبقيت القبلية الوراثية تنخر فـي عظام الكيان الأول والمذهبية والطائفـية تعصف بالكيان الثاني. هذا النقص فـي النمو ولّد نظاميَن تابعَين يقتاتان على فضلات البترودولار و«الوالدتين الحنونتين» بريطانيا وفرنسا والغرب بشكلٍ عام. وتستمر أوجه الشبه فـي سياسة «البلدين» تجاه الزعيم الخالد جمال عبد الناصر والصراع العربي الاسرائيلي وتحمُّل وزر القضية الفلسطينية، ولكن نكتفـي بهذه العجالة لضيق النفس.
لكن رغم التلازم بين الكيانين، تصرَّف الأردن بكرامة يفتقرها ساسة مسخ الوطن اللبناني، من حيث رد الصاع صاعين ضد جزَّاري«داعش» الذين حرقوا الكساسبة وهو حي بعد أنْ كانوا يطالبون بتسليم المجرمة الإرهابية ساجدة الريشاوي، فقام بإعدامهما وأعدم معها الإرهابي زياد الكربولي ردَّاً على جريمة التكفـيريين النكراء.
أما عندنا فقد تم التضحية بأربعة جنود حتى الان لكي يكتشف تمَّام سلام أنَّ تميم يكذِب ولم يكن يهمُّه إلاَّ مواطناً قطرياً فقط من كل عملية التفاوض غير التمام. صحيح ان اقتحام «خط بارليف» فـي سجن رومية الحصين قد تم، ولكن غير وارد عند لبنان تنفـيذ الإعدام بالمجرمين الذين صدرت بحقهم فعلاً أحكام بالإعدام بسبب الإرهاب والقتل، ليرد على السفاحين التكفـيريين بعد قتل أبناءنا. فالإعدام الداعشي هو إعدام بريري منحط ولا يزيد من وحشيته إنْ تم حرقاً، فهل الذبح أهون؟ لكن المهم أنَّ ردة الفعل الأردنية الشعبية كانت عارمة وغاضبة ووحَّدت الأردنيين جميعاً فـي الدعوة للثأر، أما أهالي المخطوفـين العسكريين عندنا فالمساكين يقفون لوحدهم على الطرقات فـي بلدٍ تخدَّرَتْ فـيه المشاعر، بعد أنْ أضحوا مطية فـي يد مجرمي «النصرة».
وكأنَّ هذا لا يكفـي، فبدل الوقوف مع كل من يحارب الموجة الظلامية التي تفتك بالقيم الاسلامية والمسيحية وحتى الإنسانية، إذ بالنائب سامي الجميِّل ينبري للمطالبة بنزع الجنسية اللبنانية من الذين يقاتلون فـي سوريا أي المقاومة الإسلامية التي حققت لتوها إنجازاً خارقاً جديداً والتي لولاها لاحتاج الناس إلى «نادوووور» وإلى «جيههههيز» لينظروا ويسمعوا اليه ولغيره. سامي المفتون بالغرب جاءته هذه الفكرة اثناء وجوده بالخارج حيث بدأت أوروبا بأخذ هذا الإجراء كما أن طغاة البحرين يستعملون نفس الأسلوب مع المعارضين السلميين. الشاب المشاغب لم يترك للصلح مطرحاً فحتى أصدقاء والده يستعديهم واحداً بعد الاخر وآخرهم سجعان قزي. لكن هذه «البطولات» بالمقلوب ليست غريبة عن آل الجميِّل. يريد سامي نزع الجنسية من اللبنانيين الأقحاح الذين سقوا الارض بدمائهم بينما أهله وحزبه وقواته اللبنانية تعاملوا مع اسرائيل منذ العام ١٩٥٢، كما ساند عمه بشير الجميِّل الغزو الإسرائيلي عام ١٩٨٢ وكوفـيء بانتخابه رئيساً ولم يطلب أحد نزع الجنسية عنه وعن آل الجميِّل الذين هم اخر المتلبننين بعد جلبهم من المنصورة فـي مصر.
أبناء المقاومة وشعبها هم اصحاب الأرض الحقيقيون وجنسيتهم مقاومة وإباء قبل أنْ تكون لبنانية، كما أن جنسية مقاوم واحد هي أفضل من مليار جنسية لبنانية قد تكون بلا شرف ولا كرامة.
إلّا أن الموقف الأردني لا يعفـيه من مسؤولية النظام فـي خلق المشكلة من الأساس عبر مشاركته فـي المؤامرة على سوريا وتسهيله عبور المسلحين وتدريبهم حسب الأوامر البندرية رغم فضائل دمشق على سكان الأردن وتزويدهم بالمياه التي سرقتها إسرائيل (تماماً مثل جحود لبنان من فضل سوريا). فالذي خلق «فرانكشتاين الداعشي» عليه أنْ يدفع الثمن. وحتى اليوم يرفض النظام الأردني أنْ يقف موقفاً مشرِّفاً فـيطرد ويلفظ الجماعات التكفـيرية من أرضه تماشياً مع الحرب الأميركية المزعومة ضد الإرهاب. لكن الحرب ضد الإرهاب تسويف وتزوير وكذب من دون سوريا شعباً وقائداً وجيشاً.
قال ذات مرةً الإمام الخميني العظيم «إنَّ أعداءنا أغبياء»، فالحركة الإرهابية الجاهلية قد تكون حفرت قبرها بيدها .
و«داعش» اليوم تستعدي العالم كله، حتى اليابان، ولم يبق معها إلا يوسف القرضاوي وبعض المجانين فـي الغرب. وكما قال ذلك الجندي السوري الشهيد قبل إعدامه «والله لنمحيها». فمصير الفكر المتطرف الغاشم دائماً الى إبادة وزوال مهما ادلهم الزمان وطال!
Leave a Reply