كايد مصاروة
يلاحظ المتابع للأوضاع في الأردن مؤخراً بأن هذه الفترة هي من أصعب الفترات التي تمر على المملكة منذ تأسيسها حيث الضغوط من كل الاتجاهات. فهناك مشكلة اللاجئين التي ما زالت مستمرة، فضحايا الاٍرهاب التكفيري أغرقوا البلاد ويشكلون ضغطاً متزايداً على مصادرها المحدودة بتدفقهم إليها عبر الحدود. ثم المشكلة السياسية الأكبر والتي خلقها الرئيس ترامب بضم القدس والأماكن المقدسة لإسرائيل والتي كانت تعتبر دولياً مسؤولية المملكة مما أجج السخط الشعبي ووضع مؤسسة النظام السياسي الأردني بين مطرقة القرار المجحف والغضب الشعبي العارم الذي نتج عنه، وبين سندان ضرورة الاحتفاظ بعلاقة قوية لا يستطيع الاستغناء عنها مع الإدارة الأميركية واستمرار الالتزام باتفاقية السلام مع إسرائيل خاصة ضمن وضع عربي متفكك ومترهل لا مجال للمراهنة عليه. بل بالعكس، فإن المؤشرات تدل على أن قوى عربية مؤثرة مثل السعودية أبدت موافقتها ومباركتها سراً للقرار الترامبي المخالف لقرارات والتزامات المجتمع الدولي بأكمله.
هذا كله في كفة، والوضع الداخلي في كفة أخرى.
فالمواطن الأردني أصبح الحل الوحيد لدى الحكومات المتعاقبة لسد عجز الموازنة الآخذ بالازدياد عاماً بعد عام. فارتفعت الضرائب المختلفة وتم إلغاء الدعم الرسمي عن سلع رئيسية؛ في الوقت الذي توقف فيه النمو الاقتصادي ووصلت فيه البطالة إلى معدلات غير مسبوقة فارتفع الضغط الشعبي مطالباً بإسقاط الحكومة وتغيير النهج. ولكن –مع الأسف– التغيير لم يأت، كون أكبر كتلة سياسية في البرلمان الأردني –وهي الإخوان المسلمين– مارست المراوغه السياسية وأبقت على الثقة بالحكومة، بل وتغيبت عن اجتماعات إقرار الموازنة المليئة بالقرارات الضريبية والمرفوضه شعبياً لتمكن الحكومة من تمريرها..
يفسر المواطن حالة العشق القائمة بين الحكومة والاخوان على أنه زواج الضرورة.. فالإخوان الآن محل غضب ورفض في أغلبية الدول العربية، مثل مصر والسعودية والعراق وسوريا وتونس… والتنظيم اليوم بحاجة إلى إرضاء حكومة الأردن التي هي بدورها بحاجة إلى تسويق برامجها التي تزداد تسلطاً وإفقاراً للمواطن العادي..
في الواقع، أصبحت الحريات الممنوحة للإخوان ورجالاتهم في المؤسسات والجامعات محل سخط واستهجان معظم الأردنيين لدورهم بزرع الفتنة بين ابناء الوطن الواحد وممارسة القمع والتهديد والاعتداء على كل مفكر حر وتقدمي.
من هنا كان الرد الطبيعي للشارع وهو احياء الحراك الشعبي الذي بدا يقوى ويشتد يوماً بعد يوم في مختلف المدن والمحافظات الأردنية بعد سنوات عجاف ظل فيها ساكناً حرصاً على أمن البلد، بعدما شاهد الناس ما حل بالدول الشقيقة، بسبب الفوضى والإرهاب التكفيري الشرس والتدخل الخارجي الذي أدى إلى تدمير شبه كامل للبنية التحتية في سوريا والعراق وليبيا واليمن وإزهاق أرواح مئات الآلاف من الأبرياء. يظهر هذا الحراك الآن ناضجاً ومستوعباً للمرحلة، وفي نفس الوقت ممثلاً لكل القوى الوطنية والنقابية والقومية والمتقاعدين العسكريين، ويطرح مطالب واضحة ومحددة تستند بوضوح إلى ثوابت الدولة الأردنية والمطالب الشعبية متجسدة في ما يلي:
– الحراك الشعبي حراك سلمي ملتزم بالدستور الأردني ونظام الدولة الملكي كما تأسست، وهو يطالب بتغيير نهج وليس بتغيير نظام حكم مع التشديد على إلغاء كل التعديلات الدستورية الأخيرة التي سلبت السلطة من المواطن لصالح مؤسسات أخرى غير ديمقراطية.
– تغيير نهج السلطة المتمثل بالوقوف مكتوفة الأيدي من تجاوزات التخريب الاقتصادي والفساد الذي أدى إلى المديونية الهائلة، وملاحقة كل الأسماء التي أصدر القضاء الأردني أحكاماً ضدهم وإعادة فتح التحقيق في ملفات رئيسية لإعادة أموال الخزينة وتخفيف العبء الضريبي عن كاهل المواطن.
– حل الحكومة الحاليّة ومجلس النواب وتعديل قانون الانتخاب بحيث يضمن توسيع المشاركة الشعبيه ووصول أحزاب سياسية، ثم تشكيل حكومة وحدة وطنية برلمانية، وليست معينة، بهدف اتخاذ قرارات وطنية تلتزم أولاً وأخيراً بمصلحة الأردن وشعبه.
– التوقف عن ملاحقة نشطاء المعارضة والحراك وإطلاق سراح كل معتقلي الرأي. وفي حال وقوع تجاوزات عدم تقديمهم لمحكمة أمن الدولة العسكرية. والجدير بالذكر أن نقابة المحامين الأردنيين صوتت بالإجماع الأسبوع الماضي على قرار رفض الترافع امام محكمة أمن الدولة بقضايا المدنيين والحراكيين لمخالفتها لاحكام الدستور الأردني.
نهاية، لا يخفى على عاقل بأن مطالب الحراك والمحتجين المعتصمين سلمياً في مدن المملكة الرئيسية، هي مطالب شرعية وتؤمن الأمن والأمان الحقيقي للوطن على المدى البعيد، ويجب أخذها على محمل الجد ومن أعلى المستويات..
دون ذلك، ستتعمق المشاكل وتزداد حدة ولن تنفع الشعارات والصور والأضواء البراقة واللقاءات الدعائية هنا وهناك ما دام الأردني يعاني ويزداد فقراً وحرماناً من المشاركة في صناعة القرار في وطنه الذي بناه وحماه أباً عن جد.
حمى الله الأردن واهله وكل بلاد العرب.
Leave a Reply