بروكسل، نيويورك – مع استمرار الأزمة الاقتصادية في أوروبا في ظل التدهور الكبير في الميزانية الإيطالية، أخفق وزراء منطقة اليورو، الأسبوع الماضي، في تحديد حجم الزيادة لصندوق الإنقاذ الأوروبي مؤكدين في الوقت نفسه على ضرورة زيادته، مضيفين إمكانية اللجوء لصندوق النقد الدولي لمزيد من المساعدة إذا لزمت الحاجة.
وسعى وزراء مالية منطقة اليورو الـ17 لحماية العملة الأوروبية الموحدة وإخراج أوروبا من أزمتها المالية، التي تهدد بإدخال العالم كله في أزمة عالمية جديدة، وبحث الوزراء تقديم بعض التنازلات في سيادة الدول الأعضاء في الشؤون المالية لفائدة سلطة مركزية أوروبية، وإقرار ضوابط مالية مشددة ملزمة لكافة الدول.
وجاء هذا الاجتماع، الذي لم يكلل بالنجاح، في وقت تقترب فيه منطقة اليورو من كارثة مالية بعد القفزة الكبيرة في تكلفة اقتراض إيطاليا إلى مستوى غير مسبوق، الثلاثاء الماضي، إذ باعت روما سندات سيادية لأجل ثلاث سنوات بنسبة فائدة ناهزت 7,89 بالمئة وهو ما يفوق بكثير ما دفعته الشهر الماضي عندما كانت بنسبة 4,93 بالمئة.
ومن ناحيته، قال رئيس الوزراء الإيطالي ماريو مونتي إن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي صرحا له بأن انهيار إيطاليا بسبب أزمة ديونها سيكون نهاية للعملة الأوروبية اليورو. وكان الزعماء الثلاث قد التقوا الخميس لوضع شراكة وثيقة للتعامل مع أزمة الديون بمنطقة اليورو.
وبعد مرور عامين على بداية أزمة الديون بمنطقة اليورو لا يزال يفر المستثمرون من سوق سندات المنطقة، كما تحرص البنوك الأوروبية على التخلص من السندات الحكومية، وتفقد بنوك جنوب أوروبا المودعين ويلوح كساد في الأفق مما يعزز الشكوك بشأن بقاء العملة الموحدة.
وتمكنت مجموعة اليورو التي تضم وزراء مالية منطقة اليورو من إقرار خطة مفصلة لضمان أول 20 إلى 30 بالمئة من إصدارات السندات الجديدة للدول التي تواجه صعوبات تمويلية بهدف حث المستثمرين على شراء سندات هذه الدول. كما وافقت على تأسيس صناديق للاستثمار المشترك لجذب مستثمرين أجانب لشراء سندات حكومية في منطقة اليورو.
وإزاء ذلك، أكد رئيس “منطقة اليورو” جان كلود يونكر أن الآليتين ستدخلان حيز التنفيذ بحلول كانون الثاني (يناير) المقبل، وأنه سيجري توفير نحو 250 مليار يورو (333 مليار دولار) من صندوق الإنقاذ الأوروبي للإقراض. وأوضح في مؤتمر صحفي أن دول المنطقة تسعى لأن يقدم صندوق النقد الدولي مبلغا مماثلا ويدعم آلية الاستقرار المالي في أوروبا. وأضاف أن الأوروبيين سيعجلون دراسة زيادة موارد صندوق النقد الدولي من خلال قروض ثنائية في أعقاب تفويض من قمة مجموعة العشرين كي يتمكن صندوق النقد من مضاهاة الحجم الجديد لآلية الاستقرار المالي الأوروبي والتعاون بشكل وثيق.
تأثير أكبر لأزمة اليورو على أميركا
ومن جهة أخرى، اعتبرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في تقرير صدر الأسبوع الماضي، أن الاقتصاد الأميركي قد يواجه تهديدا يوقف انتعاشه جراء استمرار أزمة الديون الأوروبية، مشيرة إلى أن آثار الأزمة على أميركا قد تؤثر بدرجة أكبر مما كان متوقعا سابقا. وأوضحت المنظمة في تقريرها للتوقعات النصف السنوية أن حجم عدم التيقن المحيط بالاقتصاد الأميركي كبير والمخاطر تميل بدرجة كبيرة نحو اتجاه نزولي.
ووفقا للتقرير، فإن التداعيات السلبية من اضطرابات الأسواق في أوروبا قد توقع آثارا تفوق التقديرات السابقة حيث يمكنها إخراج الانتعاش عن مساره، وبالتالي تتجدد المخاوف بين الأفراد والشركات بأميركا ذات الموقف المالي الهش.
وأوصت المنظمة في حال حدوث صدمة أميركية جراء أزمة الديون الأوروبية بتيسير السياسات النقدية عن طريق إطالة أمد إعانات البطالة وزيادة القدرة على الحصول على إعفاءات على ضريبة الدخل.
وبالنسبة لمعدل البطالة المرتفع في الولايات المتحدة، رجحت المنظمة أن يبلغ في المتوسط هذا العام 9 بالمئة وأن ينخفض في العام المقبل قليلا ليصل إلى 8,9 بالمئة في عام 2012.
غايتنر يشيد بتحرك بنوك مركزية لمساعدة أوروبا
وفي السياق، قال وزير الخزانة الاميركي تيموثي غايتنر ان الولايات المتحدة ترحب بتحرك منسق أعلنته بنوك مركزية حول العالم، الاربعاء الماضي، لتقليل الضغوط على النظام المصرفي الاوروبي بتقديم سيولة نقدية إضافية. وقال غايتنر في بيان، بعد ساعات من إعلان مجلس الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي الاميركي) والبنك المركزي الاوروبي والبنك المركزي الكندي والبنك المركزي السويسري التحرك المشترك المفاجىء، “نرحب وندعم الإجراءات التي اتخذتها بنوك مركزية حول العالم للمساعدة في تخفيف الضغط على النظام المالي الاوروبي والمساعدة في تعزيز الانتعاش الاقتصادي العالمي”.
وفي العادة لا تعقب الخزانة الاميركية على الاجراءات التي تتخذها البنوك المركزية لكن غايتنر دأب مؤخرا على حث أوروبا على السيطرة على أزمة ديونها السيادية بسب الخطر الذي تشكله على انتعاش اقتصادي عالمي ما زال ضعيفا.
خفض كبير لنمو فرنسا وبريطانيا
ونقلت صحيفة “لاتريبيون” الفرنسية، الأسبوع الماضي، أن مؤسسة “ستاندرد أند بورز”، حذرت من أنها قد تخفض نظرتها المستقبلية للتصنيف الائتماني الممتاز لفرنسا في غضون أيام من نظرة إيجابية إلى سلبية، ويشكل ذلك تهديدا بفقدان باريس تصنيفها ضمن أفضل دول العالم من حيث الجدارة الائتمانية.
من جانب آخر، قالت الحكومة البريطانية إنها خفضت توقعاتها للنمو الاقتصادي، محذرة من أن دخول منطقة اليورو في دورة ركود قد يدفع الاقتصاد المحلي للانكماش. وفي ضوء هذه المعطيات فإن التحكم في عجز الموازنة البريطانية سيأخذ وقتا أطول من المنتظر، كما أن إجراءات التقشف ستمتد لما بعد عام 2015.
Leave a Reply