واشنطن
طغت الأزمة الأوكرانية على أوّل خطاب للرئيس الأميركي جو بايدن حول «حال الاتّحاد»، لتخيم على مجمل الأزمات الداخلية التي عصفت وتعصف بالولايات المتحدة منذ تولي بايدن الرئاسة قبل 13 شهراً ونيف.
فقد راهن الرئيس الديمقراطي في كلمته أمام الكونغرس مساء الثلاثاء الماضي، على كسب ود الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء عبر التركيز على خطاب العداء تجاه موسكو والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مكتفياً بمقاربة عامة لبعض الملفات الشائكة التي دفعت شعبيته إلى الحضيض خلال الأشهر الماضية، وعلى رأسها، التضخم الاقتصادي وارتفاع أسعار الوقود والزيادة القياسية في معدلات الجريمة.
كما عمد بايدن إلى تجاهل بعض الملفات التي عصفت بإدارته خلال العام الماضي، مثل الانسحاب الفوضوي من أفغانستان وتدفق المهاجرين غير الشرعيين عبر الحدود مع المكسيك، ناهيك عن جائحة كورونا التي حصدت حياة أكثر من نصف مليون أميركي في عهد الرئيس الديمقراطي الذي دعا في كلمته المواطنين إلى تجاوز الوباء والعودة إلى حياتهم الطبيعية في أقرب وقت.
أوكرانيا
بدأ بايدن خطابه بالإشادة بمقاومة الشعب الأوكراني للغزو الروسي، و«الرسالة القوية» التي ظهرت عقب اندلاع الأزمة، المتمثّلة بانتصار «الديمقراطية على الديكتاتورية»، مشدّداً على أنّ «بوتين كان مخطئاً» بقرار غزو أوكرانيا وأن الجيش الروسي سيعيش «سنوات من المعاناة» في المستنقع الذي وجد نفسه فيه.
وأوضح بايدن الذي قاطعه المشرعون الديمقراطيون بالتصفيق تسعين مرة خلال الخطاب الذي استغرق نحو ساعة كاملة: «توقّع بوتين أنه يمكنه الدخول إلى أوكرانيا فيما العالم يتفرّج. في المقابل، واجه مقاومة أقوى بكثير ممّا كان يتخيّل».
ووصف الرئيس الـ46 للولايات المتّحدة، بوتين بالـ«ديكتاتور»، معتبراً أنه بات «معزولاً أكثر من أيّ وقت مضى». وتابع أن «الرئيس الروسي كان يظنّ أن الغرب وحلف شمال الأطلسي لن يردّا، لكن في المعركة بين الأنظمة الديمقراطية وتلك الاستبدادية، أثبتت الديمقراطيات أنها على قدر التحدّي، ومن الواضح أنّ العالم يختار جانب السلام والأمن».
وشدد بايدن على أن الولايات المتحدة لن تنخرط في الحرب، قائلاً: «ننشر قواتنا لحماية حلفائنا في الناتو ولا نعتزم القتال في أوكرانيا».
وتعهد الرئيس الأميركي أثناء الخطاب بأن يدفع بوتين ثمناً باهظا للحرب في أوكرانيا على المدى الطويل حتى لو نجحت حملته العسكرية على المدى القصير، وذلك عبر حزمة العقوبات القاسية التي فرضت على المؤسسات المالية الروسية رداً على غزو أوكرانيا.
وأعلن بايدن في خطابه، عن خطوة جديدة بحظر استخدام الرحلات الجوية الروسية المجال الجوي الأميركي، لكنه تحاشى –حتى الآن– المس بقطاع الطاقة الروسي.
وأضاف أن الاقتصاد الروسي «يتداعى وكل اللوم على بوتين»، مؤكداً «سنحمي المستهلكين والشركات الأميركية من تداعيات العقوبات المفروضة ضد روسيا».
كما توعّد بايدن الأوليغارشيين الروس بمصادرة «يخوتهم وشققهم الفاخرة وطائراتهم الخاصة»، والتي قال إنهم حصلوا عليها نتيجة أعمال غير شريفة.
وحمل عدد من المشرعين في الكابيتول، علم أوكرانيا في إشارة إلى دعمهم لهذا البلد في وجه الغزو الروسي. وارتدى بعض الحاضرين دبابيساً تحمل عبارات مؤيدة لأوكرانيا، فيما ارتدى آخرون مناديل وإكسسوارات بالعلم الأوكراني.
كما حظيت السفيرة الأوكرانية، أوكسانا ماسكاروفا، بترحيب حار وتصفيق داخل المجلس.
وفي ختام كلمته، خرج بايدن عن النص المعد سلفاً ليقول «ليس لديه أدنى فكرة عما ينتظره» في إشارة إلى بوتين الذي وجه إليه تهديداً مبطناً بقوله: «اذهبوا واقضوا عليه».
ولم يكتف بايدن بالتهديد اللفظي، إنما استعمل أيضاً لغة الجسد إذ رفع قضبته أمام الحضور، في إشارة تركت الجمهور في حيرة، كما تقول صحيفة «الإندبندنت» البريطانية.
وكان الرئيس الأميركي يتحدث إلى الكونغرس في اليوم السادس من غزو روسيا لجارتها الأوروبية، وبينما كانت كييف تتابع رتلاً عسكرياً روسياً يمتد على مسافة أميال من المحتمل أنه يستعد للسيطرة على العاصمة الأوكرانية.
ملفات داخلية
وفي محاولة لتهدئة المخاوف الاقتصادية الناجمة عن العملية الروسية في أوكرانيا، أكّد بايدن أن الولايات المتحدة ستطرح في الأسواق 30 مليون برميل نفط من احتياطها الاستراتيجي لاحتواء ارتفاع الأسعار، متوجهاً إلى الأميركيين بالقول «لا تقلقوا ستكونون على ما يرام».
وتابع: «عملت الولايات المتّحدة مع 30 دولة أخرى لضخّ 60 مليون برميل نفط من الاحتياطيات حول العالم. ستقود أميركا هذه الجهود عبر طرح 30 مليون برميل نفط في الأسواق»، مؤكّداً أن إدارته «مستعدّة للقيام بالمزيد إذا لزم الأمر».
وفي الواقع، لم يساهم إعلان بايدن في تهدئة الأسواق حيث تجاوز سعر برميل النفط في اليوم التالي حاجز 110 دولارات محققاً أعلى مستوى له منذ أكثر من ثماني سنوات.
وفي سياق آخر، أعلن بايدن أن السيطرة على معدّلات التضخّم المرتفعة في الولايات المتحدة هي من أولوياته القصوى، محملاً مسؤولية ارتفاع الأسعار إلى أزمة وباء كورونا. واعتبر أن السبيل للتعافي هو تعزيز الصناعة الأميركية لتخفيف الاعتماد على سلاسل التوريد الأجنبية.
وأضاف: «أولويّتي القصوى هي السيطرة على الأسعار»، مشيراً إلى أنه سيعمل على خفض الأكلاف والحدّ من العجز التجاري «لكي لا تبقى الولايات المتّحدة تحت رحمة سلاسل التوريد الأجنبية».
ومن بين الأهداف الأخرى التي حددها لإدارته، أعلن بايدن أنه سيزيد الإنفاق على قوات الشرطة متنصلاً من الشعار الذي رفعه بعض الديمقراطيين في عهد سلفه دونالد ترامب، بالمطالبة بالحد من تمويل الشرطة.
وجاء موقف بايدن الداعم للشرطة في ظل ازدياد معدلات جرائم العنف في معظم المدن الرئيسية الأميركية، وهو ما يهدد حظوظ الديمقراطيين في الانتخابات التشريعية القادمة.
وفي السياق، أكّد بايدن أن حزمة «خطة الإنقاذ الأميركية» خصّصت مبلغ 350 مليار دولار للحكومات المحلية لتوظيف المزيد من الشرطة وتدريبهم، لحماية المجتمعات الأميركية، بحسب الموقع.
ولم يفت الرئيس الأميركي، بالإضافة إلى تركيزه على قضايا الحرب على أوكرانيا وما يعانيه المواطن الأميركي اقتصادياً بسبب التضخم ووباء كورونا، أن يسلط الضوء أيضاً على «أضرار مواقع التواصل الاجتماعي»، وما قد تسببه من «مخاطر على الصحة العقلية». وبحسب شبكة «سي أن أن»، فهذه هي المرة الأولى التي يذكر فيها رئيس أميركي «مواقع التواصل الاجتماعي» في خطاب «حال الاتحاد». وجاء ذلك ضمن ما طرحه بايدن حول ما سماه «أجندة وحدة للأمة»، تتضمن التركيز على الصحة العقلية، مشيراً إلى «أضرار وسائل التواصل الاجتماعي»، وداعياً إلى سن تشريعات للحد من تلك الأضرار.
رد الحزب الجمهوري
ورد الحزب الجمهوري على خطاب بايدن منتقداً أبرز النقاط التي جاءت فيه على المستوى المحلي.
وقالت حاكمة ولاية آيوا، كيم رينولدز، إن «الخطاب أعاد الولايات المتحدة إلى حقبة الثمانينيات والتضخم».
وإذ دعت رينولدز الأميركيين إلى الوحدة تضامناً مع أوكرانيا إلا أنها طالبتهم أيضاً بـ«عدم تجاهل ما حدث قبل غزو بوتين»، في إشارة إلى الأزمات المحدقة التي تعصف بالبلاد على المستوى الاقتصادي والأمني والسياسي.
وأضافت رينولدز أن الانسحاب الفوضوي من أفغانستان «قوّى أعداءنا»، مضيفة أن «كوريا الشمالية تختبر صواريخ فيما يقوم بوتين بغزو أوكرانيا». وأضافت أن «التلويح بالعقوبات والتركيز على الصواب السياسي بدلا من الاستعداد العسكري والتركيز على ردود الفعل بدلاً من قيادة الفعل جعل مقاربة الرئيس للسياسة الخارجية ضعيفة للغاية» فيما يتعلق بالملفات الخارجية.
كذلك حرص العديد من قادة الحزب الجمهوري على انتقاد خطاب بايدن الذي وصفوه بـ«المنفصل عن الواقع»، فيما استغرب آخرون عدم ذكر بايدن للصين في خطابه، على الرغم من أنها تمثل المنافس الأول للولايات المتحدة على الساحة الدولية.
Leave a Reply