كمال ذبيان – «صدى الوطن»
منذ أشهر ومازال لبنان يتخبّط في أزمته المالية–الاقتصادية، التي فاقمت الوضع المعيشي ودفعت نحو 60 بالمئة من السكان تحت خط الفقر، فيما تحذّر منظمات دولية، من أن اللبنانيين متجهون نحو مزيد من انهيار الدخل وفقدان القدرة الشرائية، إضافة إلى ارتفاع نسبة البطالة التي باتت تقدّر حالياً عند 45 بالمئة، وسط مخاوف متزايدة من ارتفاع معدلات الجريمة، مع تسجيل طفرة في أعمال السطو والسلب والسرقة، ناهيك عن حوادث الانتحار.. حتى أصبح اللبنانيون يسألون عن سبيل للخروج من عنق الزجاجة التي وجدوا أنفسهم فيها.
الخلاف حول الأرقام
الأزمة تزداد تعقيداً لدى محاولة الاطلاع على الأرقام التي تحولت هي نفسها إلى وجهات نظر.
فالتباين في حجم العجز والخسائر الاقتصادية والموجودات، بدا جلياً بعد أن جرى تقديم تقارير متناقضة إلى صندوق النقد الدولي، سواء من الحكومة أو مصرف لبنان أو لجنة تقصي الحقائق النيابية، المنبثقة عن لجنة المال والموازنة في مجلس النواب.
هذا التناقض بالأرقام، علّق المفاوضات مع وفد صندوق النقد الدولي الذي أعطى الحكومة فرصة للاتفاق على أرقام موحّدة، بعد أن قدّرت الحكومة في خطتها الخسائر بحدود 83 مليار دولار، فيما خفضت لجنة المال النيابية المبلغ إلى نحو النصف، باعتبار أن لدى الدولة مداخيل وموجودات يمكن تسييلها، أو الاشتراك باستثمارها مع القطاع الخاص لتخفيف فداحة الخسائر التي رأت فيها جمعية المصارف أنها مضخّمة في خطة الحكومة، لتحميل البنوك أعباء مالية تقارب 20 مليار دولار، على أن يتحمّل «مصرف لبنان» نحو 60 مليار دولار، وتكون الدولة اللبنانية بذلك قد أنجزت تصفير الدين العام، وأنهت خدمته التي وصلت إلى نحو 6 مليار دولار سنوياً.
ولا يزال صندوق النقد الدولي ينتظر توافق اللبنانيين على أرقام محددة للخسائر التي لحقت بالاقتصاد، ليبدأ البحث بالإصلاحات التي اقترحتها حكومة حسان دياب التي لجأت إلى تعيين مجلس إدارة جديد لمؤسسة كهرباء لبنان، كبداية لعملية الإصلاح المطلوبة دولياً للبدء بالمساعدات، لاسيما وأن كهرباء لينان تكبد الدولة سنوياً خسائر تتجاوز ملياري دولار، وتعتبر من أكبر مزاريب الهدر في لبنان.
التدقيق
وإلى جانب الخلاف على الأرقام، ظهر خلاف آخر حول لجنة التدقيق المالي التي أقرّتها الحكومة، لمراجعة الحسابات تحت شعار محاربة الفساد، لاسيما في «مصرف لبنان» والمؤسسات التابعة له، أو المستثمر فيها، مثل شركة «طيران الشرق الأوسط»، و«كازينو لبنان»، و«بنك أنترا»، و«بنك التمويل»، إضافة إلى مؤسسات أخرى.
لكن هذه الخطوة سرعان ما تعطلت، إذ تبين أن الشركة التي سيتم التعاقد معها من قبل وزارة المالية، وتدعى «كرول»، لها ارتباطات بالعدو الإسرائيلي، ولها مكاتب في الكيان الصهيوني، وجرى اعتراض عليها من حركة «أمل» و«حزب الله»، وطلب وزراؤهما في الحكومة استبدالها بأخرى لا شبهات عليها، كي لا تقع حسابات الدولة وسرية مؤسساتها في يد العدو الصهيوني. إلا أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ووزراء «التيار الوطني الحر»، اعتبروا أن هناك محاولة للالتفاف على جهود كشف الفساد في مؤسسات الدولة المنهوبة.
واعترضت وزيرة العدل ماري كلود نجم على هذه «المحاولة المكشوفة» لمنع التحقيق في أماكن الهدر الذي تسبّب بإفلاس خزينة الدولة، مشيرة إلى أنه سيجري التعاقد مع شركة جديدة في أسرع وقت ممكن، لفضح مَن يعرقل جهود كشف الفاسدين. وقد حصل تفاهم لاحق بين رئيس مجلس النواب نبيه برّي ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، على إيجاد حل –تسوية حول شركة التدقيق التي ستتولى المهمة.
التخبّط الحكومي
التخبّط الحكومي، يظهر يومياً، من خلال الأداء والتباينات داخل المجلس الوزاري، إذ لم يشعر المواطنون، بأن إنجازات تحققت فعلاً بالرغم من عرض رئيس الحكومة حسان دياب لتقرير يؤكّد فيه، أنه خلال المئة يوم الأولى تمكّنت الحكومة من تحقيق 97 بالمئة من وعود بيانها الوزاري، وهو ما يراه معارضو الحكومة حبراً على الورق، وفق مراجع بداخلها.
حتى أن الرئيس برّي عبر مراراً عن امتعاضه من الحكومة داعياً إياه إلى مزيد من العمل والإنتاج حتى يشعر المواطنون بتبدل إيجابي في حياتهم اليوم، ولكن الواقع يشير إلى أن أي إنجاز لم يتحقق على الأرض… فانقطاع الكهرباء وصل إلى ذروته، لمدة 20 و22 ساعة من أصل 24 يومياً، بعد أن كان اللبنانيون قد وُعدوا –عام 2015– بكهرباء 24/24، فإذا بهم بعد خمس سنوات يعانون تقنيناً يصل إلى 24/24 ساعة. هذا فضلاً عن انهيار صرف سعر الليرة وغلاء الأسعار فيما يستمر الفساد بالتغلغل في المؤسسات الرسمية، وسط حالة يأس عامة من إمكانية الإصلاح.
الضغوط السياسية والأزمة الاقتصادية المتفاقمة، أعادت طرح استقالة الحكومة، في الكواليس، وسط تباينات في وجهات نظر الأطراف حول ما إذا كانت الظروف الإقليمية والدولية، تسمح بهذا التغيير حالياً. وقد انبرى نائب رئيس مجلس النواب، إيلي الفرزلي، إلى جس النبض عبر طرح استقالة دياب وعودة سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة، تحت عنوان «الميثاقية»، لأنه يمثّل الأكثرية السّنّية، عبّر عنها الناخبون السُّنّة في صناديق الإقتراع، بانتخاب ثلثي النواب السُّنّة من «تيار المستقبل».
إلا أن فكرة التخلي عن الحكومة لم ترَ النور في ظل استمرار الدعم الذي تلقاه من بعبدا و«حزب الله»، فلا بديل لها في هذه المرحلة، لاسيما وأن عودة الحريري الذي خرج من الحكم بطلب سعودي–أميركي، لمحاولة تشكيل حكومة أخرى لا وجود لـ«حزب الله» فيها.
وقد طرح الحريري بنفسه فكرة عودته إلى السراي الكبير، مشترطاً تشكيل حكومة مستقلة ومن اختصاصيين، للهروب من توزير «حزب الله»، وهو مطلب لم يتمكن من تحقيقه في الحكومة السابقة فاستقال ورفض أن يسمى أحد غيره تحت شعار «أنا أو لا أحد».
وقد تمكّن «حزب الله» وحلفاؤه والذين يمثلون الأكثرية النيابية من تسمية حسان دياب رئيساً للحكومة، وهم لن يتخلوا عنه بسهولة وهو الذي قرّر المواجهة والصمود بوجه الحملات التي تشن لإسقاطه عبر استغلال الأزمة الاقتصادية.
فك الحصار
منذ تشكيل الحكومة ويتهمها معارضوها بأنها حكومة «حزب الله»، فضرب عليها شبه حصار سياسي من قبل بعض دول الخليج وعلى رأسها الإمارات والبحرين والسعودية التي لم تهنّى حسان دياب بتشكيل الحكومة، في حين أبدت قطر والكويت وعُمان ترحيبياً نسبياً في الحدود الدنيا، بينما طالبت دول أوروبية بتحقيق الإصلاحات كشرط أولي لدعم لبنان، وكذلك فعلت أميركا التي شجّعت الحكومة، لكنها قرّرت فرض المزيد من العقوبات على «حزب الله» وصولاً إلى «قانون قيصر» ضد سوريا، والذي يستهدف لبنان أيضاً بسبب علاقاته الاقتصادية مع سوريا التي يستجر منها الكهرباء، فضلاً عن كونها المعبر البري الوحيد للصادرات اللبنانية إلى العراق ودول الخليج.
الحكومة تحركت لفك الحصار، وتوجّهت إلى العراق لمبادلة النفط مقابل الغذاء، بحيث يتسنى للبنان استيراد النفط من بلاد الرافدين، دون أن يستهلك احتياطاته من الدولار. هذه الخطوة ساهمت في التقاط أنفاس الليرة بعدما حضر وفد رسمي عراقي وأجرى محادثات رسمية، تم خلالها الاتفاق على وضع آلية لاستيراد النفط إلى منشآت قائمة في طرابلس مقابل تصدير منتجات زراعية وصناعية لبنانية إلى السوق العراقية.
غير أن فك الحصار عن لبنان، يستلزم التطلّع نحو الشرق، وجذب المستثمرين، ولو من الصين.
وقد أعربت بكين عن رغبة واضحة في الاستثمار بلبنان، كما أن الكويت وقطر وعدتا بالمساعدة، وسبق لهما ذلك بعد العدوان الإسرائيلي صيف 2006، حث كان للدولتين مساهمات في إعادة الإعمار، ولكن هل تجرؤان على كسر الحصار السعودي–الإماراتي على حكومة دياب؟
الحكومة اللبنانية تواصلت مع الدولتين، عبر موفد رئاسي هو المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم الذي عاد بأجواء إيجابية من الكويت، فيما وعدت قطر سابقاً بوضع وديعة بقيمة 500 مليون دولار، وقد طالبت بها حكومة دياب لوقف تدهور سعر صرف الليرة، والصمود بوجه العقوبات الأميركية التي تحول دون إعادة إعمار سوريا وانتعاش لبنان.
تواصل واشنطن ضغوطها على لبنان، من أجل استبعاد «حزب الله» من الحكومة، وصولاً إلى نزع سلاحه، فالمطلوب أميركياً وإسرائيلياً، عبر سلاح التجويع والإفقار، هو إخضاع لبنان عبر معادلة «المال مقابل السلاح».
Leave a Reply