عواصم – بعد أسابيع من التقدم الكبير للجيش السوري في عملية واسعة لتطهير ريفي دمشق وحمص من المسلحين، وفيما كان الخناق يشتد على آلاف المسلحين في مدينة القصير، شنت إسرائيل مطلع الأسبوع الماضي عدواناً على العاصمة السورية حمل رسائل استفزاز واضحة لنظام دمشق المنشغل منذ عامين بمواجهة «ثورة» مسلحة مدعومة من دول غربية وإقليمية وعربية.
هذه المرة، كانت سوريا أكثر ديناميكية في رد فعلها حيث هدد نائب وزير خارجيتها، فيصل المقداد، باستهداف العمق الإسرائيلي رداً على أي عدوان جديد يطال بلاده، وذلك بعد أن لوحت مصادر دمشق بفتح جبهة الجولان أمام فصائل المقاومة. وكشف المقداد أنه «بعد الغارات الإسرائيلية على أهداف في ضواحي دمشق، تمّ إعطاء تعليمات للردّ فوراً على أي هجوم إسرائيلي جديد من دون طلب تعليمات من السلطات العليا في البلاد».
العدوان الإسرائيلي الذي جاء بغطاء أميركي وقابله «ضبط النفس» السوري، بإيعاز روسي، دفع باتجاه إحياء مسار الحل السلمي للأزمة السورية التي تحولت الى صراع دولي يمتد الى واشنطن وموسكو. ورغم أن المؤشرات الأولية التي تبعت العدوان دلت بوضوح الى أن المنطقة باتت على «فوهة بركان»، إلا أن المؤشرات السياسية اللاحقة أوحت بعكس ذلك تماماً، لاسيما بعد زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري الى موسكو التي أعلن منها تقارب موقف بلاده من الموقف الروسي إزاء الأحداث السورية.
كيري قضى ثلاث ساعات بانتظار مقابلة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الكرملين. |
فقد اتجهت الأنظار يوم الثلاثاء الماضي إلى الكرملين الذي احتضن لقاء استثنائيا بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وكيري، خرج بعده الأخير مع نظيره الروسي سيرغي لافروف للإعلان عن عقد مؤتمر دولي، ربما في نهاية شهر أيار (مايو) الجاري، يجمع ممثلين عن الحكومة السورية والمعارضة، لتطبيق «بيان جنيف»، في خطوة اعتبرها البعض أنها تحمل «بشائر التسوية الآتية». وفيما أعلن لافروف أنّ روسيا والولايات المتحدة اتفقتا على ضرورة حثّ الحكومة السورية والمعارضة على إيجاد حل سياسي للأزمة، كما أكدتا التمسك بوحدة اراضي سوريا في سياق تنفيذ بنود بيان جنيف بالكامل، نبّه كيري إلى أنّ «البديل عن التوصل الى حل سياسي عن طريق التفاوض سيكون مزيداً من العنف والفوضى وقد يكون سبباً في تفكك البلاد»، معتبرا بيان جنيف «سبيلاً مهماً بالفعل لإنهاء إراقة الدماء في سوريا». ومع انتهاء المؤتمر الصحافي المشترك، كان الديبلوماسيون في فريقي الوزيرين يبدأون جولة هاتفية على المعارضين المقربين من البلدين لإعلامهم بأن صفحة جديدة من العلاقات الروسية-الأميركية قد فتحت وإن على المعارضة السورية أن تتعامل معها بإيجابية.
وفي إطار المفاوضات، ينتقل نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، ومساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط مايكل بيرنز إلى جنيف الأسبوع المقبل، برفقة فريق عمل مشترك روسي-أميركي للتحضير للمؤتمر الدولي حول سوريا.
وقام ديبلوماسيون أميركيون بإبلاغ قادة «الائتلاف الوطني السوري» و«المجلس الوطني» وشخصيات معارضة في اسطنبول وباريس أن الاتفاق الروسي الأميركي سيكون فرصتهم الأخيرة لإعادة الاستقرار إلى سوريا، وانه ليس من مصلحتهم مقاومة الاتفاق، وان عليهم الصعود إلى القطار الذي انطلق من موسكو قبل فوات الأوان.
وعلل معارضون سوريون رفضهم للاتفاق بأنه ينطوي على غموض كبير بشأن مصير الرئيس السوري بشار الأسد وعدم حسم مسألة خروجه من السلطة قبل مباشرة المفاوضات على المرحلة الانتقالية، وأنه سيكون على المعارضة أن تقوم بتوحيد السوريين خلال العملية السياسية بوجه الأسد ما يعني بوضوح أن الأميركيين ابلغوا المعارضين السوريين أن الرئيس السوري سيكون حاضراً في قصر الشعب خلال العملية الانتقالية، والمفاوضات عليها. ولم يكن مفاجئاً أن يرفض «الائتلاف» الاتفاق الروسي- الأميركي، لدعوته المعارضين إلى التعايش عامين مقبلين مع الأسد في دمشق، هذا إذا ما قيّض للعملية السياسية أن تنطلق.
ورداً على انتقادات المعارضة لواشنطن، أعلن المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني أن مستقبل سوريا لا يتضمّن الأسد، معتبراً انه يعود للمعارضة والشعب السوري تقرير الشخصيات التي ستشارك في «المرحلة الانتقالية».
وكان كيري قد تحدث إلى وزراء خارجية معظم الدول المعنية مشيراً الى وجود «تجاوب ايجابي جداً ورغبة قوية في التحرك باتجاه هذا المؤتمر، لمحاولة إيجاد حل سياسي، أو على الأقل استنفاد كل الإمكانيات للوصول إلى ذلك».
ومن نافل القول أن الأميركيين يقدمون صياغة لفظية مبتكرة لإرضاء المعارضة السورية من دون التراجع عن الاتفاق مع الروس ببقاء الأسد في منصبه خلال العملية الانتقالية. ذلك أن الإدارة الأميركية كفت عن المطالبة صراحة بتنحية الرئيس السوري مسبقا، قبل ولوج «جنيف الثانية» نهاية أيار الحالي. كما أن التصريحات التي توالت في واشنطن عن ضيق العملية الانتقالية بمكان يفسح للرئيس السوري كانت مشفوعة على الدوام «بان القرار يعود في النهاية إلى الشعب السوري» كما ينص على ذلك الاتفاق الروسي-الأميركي.
وتواجه الجامعة العربية، التي رحبت بالاتفاق الروسي الأميركي، وفرنسا وتركيا وقطر بشكل خاص، وكل القوى التي لعبت على هامش الخلاف الروسي-الأميركي في قراءة «بيان جنيف»، واجب التعامل مع قراءة موحدة في موسكو وواشنطن للبيان، لن تتيح المزيد من الرهان على التسليح وكسب الوقت. فـ«جنيف» الروسية-الأميركية أصبحت تعني، فيما يتعلق بالرئيس السوري، بقاءه في السلطة، ولم يعد مطلوباً خروجه في أول العملية السياسية ولا خلالها وإنما بعد انتخابات رئاسية منتصف العام المقبل.
كما بدأ السعوديون بإبداء مرونة في الملف السوري وإسداء النصح للمعارضة بالاستعداد لتقديم تنازلات في مفاوضات مقبلة، كما ابلغ قادتهم الأمير بندر بن سلطان الأسبوع الماضي في الرياض، بعد أن أصبحت الأولويات وقف انتشار الجماعات السلفية «الجهادية» واحتواء هيمنة الإخوان المسلمين على المعارضة، بالإضافة إلى اخذ العلم بميزان القوى الجديد على الأرض الذي يفرضه تقدم الجيش السوري على جبهات عديدة واستعادته المبادرة في مناطق استراتيجية مختلفة.
ومن جهة ثانية بدأ الغربيون بمحاولة اللحاق بالقطار الروسي-الأميركي. وهكذا وعد وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس «بدفع الأميركيين إلى العمل من اجل حل سياسي، والتشاور مع الروس، ذلك أننا نقترح منذ زمن طويل جنيف ثانية». وزير الخارجية الفرنسية، العائد بقوة إلى حل سياسي، وعد أيضا بالعمل على وضع «جبهة النصرة» على لائحة المنظمات الإرهابية، «لكي لا يكون بعد اليوم التباس في موقفنا» بعد أشهر طويلة من رفض وجود «النصرة» جديا في سوريا أو تشكيلها قوة فعالة في أوساط المقاتلين، إلى أن بادر الأميركيون إلى وضعها أولا على لائحة الإرهاب.
وفي السياق الإقليمي أيضاً، حمل وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي في زيارته اللافتة إلى الأردن الأسبوع الماضي رسالةً إيرانيةً سلمها إلى العاهل الأردني، قبل أن ينتقل الوزير الإيراني إلى دمشق في زيارة لم يعلن عنها مسبقاً. وقد أكدت المواقف الصادرة عن طهران خلال الأيام القليلة الماضية تأكيد إيران على أنها جادة في الدفاع عن سوريا ومنع سقوطها، وهو موقف أكده أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله (التفاصيل صفحة ١٥).
وكانت وزارة الخارجية الروسية ذكرت أن وزير الخارجية السوري وليد المعلم ابلغ لافروف، «بملابسات الغارات الجوية التي شنها الطيران الاسرائيلي بالقرب من دمشق يومي 3 و5 أيار الحالي». واضافت «دعا الجانب الروسي الى إبداء أقصى قدر من ضبط النفس. وشدد لافروف على عدم جواز انتهاك سيادة ووحدة اراضي سوريا والدول الاخرى في المنطقة، خاصة في سياق النزاع الداخلي المدمر والخطير المستمر في سوريا».
والى الآن يبقى الجيش السوري في الموقع التفاوضي الأول، وهو الذي استطاع قلب ميزان القوى العسكري لمصلحة النظام، والذي من دونه لم يكن ممكنا الحديث عن جنيف أو عن أي عملية تفاوضية يخوضها النظام السوري من موقع أفضل بكثير مما كان عليه عندما صدر «بيان جنيف» الأول قبل حوالي العام من اليوم.
وقد استطاعت القوات السورية إحراز المزيد من الإنجازات في مواجهة المسلحين، حيث ذكر «المرصد السوري لحقوق الإنسان» المعارض، في بيان، «إصابة القائد العام لجبهة النصرة في بلاد الشام أبو محمد الجولاني في قدمه، كما أصيب عدد من عناصر الجبهة خلال قصف الجيش السوري على مناطق في ريف دمشق الجنوبي». ونفت «جبهة النصرة» على لسان القيادي فيها الغريب المهاجر قحطاني أن يكون زعيم الجبهة قد أصيب، فيما تمسك «المرصد السوري» بروايته. ويأتي ذلك في الوقت الذي واصلت فيه القوات السورية تقدّمها في حوران منتزعة السيطرة على غالبية بلدة خربة غزالة في سهل حوران على الطريق السريع بين دمشق ودرعا، فيما أحكم الطوق على مدينة القصير حيث استردت القوات السورية قرية الشومرية وتمكنت من فك حصار المسلحين لبلدة الغسانية منذ أكثر من عام.
سوريا وإسرائيل
بعد توافق أميركي روسي على وقف التصعيد من قبل الكيان الإسرائيلي، الذي بعث برسائل طمأنة عن عدم نيته خوض حرب شاملة ضد سوريا، قال نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد ان سوريا سترد فورا وبشدة على اي هجوم اسرائيلي جديد على أراضيها، متحدثا عن مكالمة هاتفية بين الرئيس الروسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو غداة الغارات التي شنتها اسرائيل الجمعة والاحد على اهداف في ضواحي دمشق. واشار محللون الى أن التهديد السوري غير المسبوق «برد فوري» على اي هجوم اسرائيلي، يأتي في اطار من التفاهمات بين روسيا، الحليفة الكبرى للنظام السوري، والولايات المتحدة الحليفة التاريخية للدولة العبرية. وتأتي هذه التطورات ايضا في وقت احتجت فيه اسرائيل على مساعي روسيا لبيع منظومة صواريخ أرض-جو متطورة لسوريا.
وقال المقداد في مقابلة مع وكالة «فرانس برس» أن «لا وجود لايران ولا لحزب الله» في سوريا، «لا توجد سيارات تنقل اسلحة (الى حزب الله في لبنان) لاني أظن انها يجب ان تاتي من الخارج الى سوريا، الى الحكومة السورية، لاننا بحاجة اليها، ولن نرغب في أن تغادر البلد الى مكان آخر».
وكانت اسرائيل حذرت الولايات المتحدة من احتمال قيام روسيا ببيع سوريا انظمة صواريخ ارض جو متطورة، حسب معلومات نقلتها صحيفة «وول ستريت جورنال».
وأضافت الصحيفة ان اسرائيل سلمت معلومات الى الادارة الاميركية تفيد بان روسيا على وشك بيع سوريا بطاريات صواريخ أرض جو من نوع «أس-300» المتطورة القادرة على تدمير طائرات او صواريخ موجهة.
وتعود هذه الصفقة الى العام 2010 حسب الصحيفة نفسها، ودفعت سوريا لروسيا 900 مليون دولار ثمن اربع بطاريات من نوع «أس أس 300» لها ست منصات اطلاق و144 صاروخا يبلغ مداها 200 كلم.
Leave a Reply