دمشق – بدأت بوادر عودة الأزمة السورية الى المسار الدبلوماسي تلوح بالأفق مع مباشرة الوسيط الدولي الجديد الأخضر الإبراهيمي مهامه، لكن دون توقع انفراج قريب في ظل تمسك الأطراف الدولية والإقليمية بمواقفها من الأحداث في سوريا وإن كانت المواقف المؤيدة للنظام السوري تبدو أكثر ثقة في تحركاتها مع مواصلة الجيش السوري حملته على المجموعات المسلحة التي تتلقى ضربات عسكرية قاصمة في كافة أنحاء البلاد.
من جهتها، وجهت موسكو مع الصين رسالة تحذير واضحة إلى واشنطن والغرب، من التدخل في سوريا بما ينتهك ميثاق الأمم المتحدة والقوانين الدولية، ردا على تصريحات الرئيس الأميركي حول «الخط الأحمر» الكيميائي الذي قد يؤدي إلى تدخل عسكري خارجي.
وتبدو مواقف موسكو وبكين أكثر ثباتا من تلك المتقلبة التي تتخذها واشنطن، خصوصا بعد أن أبلغ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المسؤولين المعنيين بالأزمة السورية بمن فيهم الرئيسين باراك أوباما والفرنسي فرنسوا هولاند، كما رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان، أنّ روسيا لا تناور في ما يتعلق بمصالحها الاستراتيجية والحيوية لا في سوريا ولا في منطقة الشرق الأوسط عموماً، حسب ما كشفت وسائل إعلام روسية.
وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال لقائه عضو مجلس الدولة الصيني داي بينغو في موسكو يوم 21 آب (أغسطس) الماضي «لدى روسيا والصين في اطار تنسيق السياسة الخارجية معيار موثوق به لتحديد خطواتهما. هذا المعيار يكمن في ضرورة مراعاة مبادئ القانون الدولي وعدم انتهاك المبادئ المثبتة في ميثاق هيئة الأمم المتحدة». وأضاف «ان هذا هو السبيل الوحيد والصحيح في الظروف الحالية».
وكان الرئيس الأميركي قد هدد بعمل عسكري إذا نقلت أسلحتها الكيماوية إلى جهة أخرى في المنطقة. وجاء تهديد أوباما الذي تزامن مع دعوة فرنسية جديدة إلى رحيل الرئيس السوري بشار الأسد في وقت تحيط فيه الشكوك حول مهمة الوسيط الدولي الجديد الأخضر الإبراهيمي.
وقال أوباما في مؤتمر صحفي في واشنطن الاثنين الماضي إن نقل أو استخدام الترسانة الكيماوية السورية «خط أحمر لا يجوز تخطيه».
وكان أوباما يشير إلى مخاوف غربية من أن يستغل «حزب الله» اللبناني على وجه الخصوص الوضع المضطرب في سوريا للحصول على جزء من الترسانة الكيمياوية السورية أو أن يستخدمها الأسد ضد معارضيه إذا أحس بقرب انهيار نظامه. لكن المراقبين رأوا في تصريح أوباما تردداً واضحاً في اتخاذ موقف حاد من الأزمة السورية لاسيما بعد فشل الجيش السوري الحر من تحقيق انتصارات ميدانية خاصة في حلب التي كان يعول عليها الأميركيون لتكون «المسمار الأخير في نعش الأسد» على حد وصف وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا.
وقال الرئيس الأميركي «حتى الآن لم آذن بتدخل عسكري (في سوريا). لقد أوضحنا بجلاء لنظام الأسد وأيضا للاعبين آخرين على الأرض أن خطاً أحمراً في نظرنا سيُعبر إذا بدأنا نرى مجموعة كاملة من الأسلحة الكيماوية يجري نقلها أو استخدامها. سيغير ذلك حساباتي ومعادلتي».
وكرر الرئيس الأميركي تصريحات سابقة بأن نظام الرئيس السوري فقد شرعيته، وأشار في الأثناء إلى أنه أمر بزيادة المساعدات للاجئين السوريين.
وبشأن احتمالات التدخل العسكري أيضا، حذرت روسيا على لسان لافروف من أن مجلس الأمن وحده مخول التفويض باستخدام القوة. وقال لافروف في هلسنكي «نرى من المناسب الدفاع عن ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على أن استخدام القوة يقرره مجلس الأمن وحده».
وكان وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو أثار من جهته احتمال إقامة منطقة عازلة في سوريا لحماية اللاجئين ولمنع تدفق المزيد منهم إلى تركيا.
وقال أوغلو في تصريحات نشرتها صحيفة حريات «إذا تجاوز رقم اللاجئين في تركيا مائة ألف، فإننا لن نجد أين نسكنهم. سيكون علينا حينها أن نسكنهم داخل سوريا. ربما سيكون على الأمم المتحدة بناء مخيمات في منطقة آمنة داخل حدود سوريا» ولكن تلويح أوغلو يبقى في خانة التهويل الدبلوماسي لأن أي تحرك عسكري من قبل أنقرة ستعتبره موسكو هجوماً من قبل حلف «الناتو» على دولة حليفة لها.
وفي السياق ذاته، قال الإبراهيمي، إن الحديث عن أي تدخل عسكري لن يفشل مهمته فحسب، بل سيفشل عملية التسوية برمتها.
وقال وزير لافروف عقب لقائه مع وفد حكومي سوري برئاسة نائب رئيس الحكومة قدري جميل إن «معارضي التقدم نحو المصالحة الوطنية كثيرون، لذلك فإن فرصة النجاح لا تبلغ مئة بالمئة، لكنها موجودة». وشدد لافروف على «أن تحقيق نتائج ملموسة يتطلب أن يعي جميع المعنيين بمصير الشعب السوري مسؤوليتهم»، وقال: «سنعمل كل ما في وسعنا من أجل ذلك».
من جهته، قال قدري جميل في مؤتمر صحافي عقب لقائه لافروف في موسكو إن تقديم المعارضة السورية مطلب رحيل الرئيس بشار الأسد كشرط مسبق لبدء الحوار مع دمشق لا يتوافق مع مبادئ الديمقراطية. لكنه أشار إلى إمكانية مناقشة هذا الموضوع أثناء هذا الحوار في حال انطلاقه. واستغلت وسائل الإعلام التابعة للجهات المناوئة للنظام السوري هذا التصريح لتطلق حملة دعائىة تقول أن الأسد مستعد للتنحي.
وأضاف جميل أن الغرب هو الذي يحاول فرض مطلب رحيل بشار الأسد على الشعب السوري، مشددا على أن هذه المحاولات إذا نجحت ستكون سابقة خطيرة، إذ يمكن تكرار السيناريو ذاته في بلدان أخرى.
ولفت نائب رئيس الحكومة السورية إلى أن «الحكومة السورية تريد جديا الاتجاه شرقا، ما يعني العلاقات مع الدول التي تماثلنا والشرق بالنسبة لنا روسيا والصين والهند وفنزويلا أيضا».
في المقابل، أعلنت الرئاسة الفرنسية في بيان أن «رئيس الدولة… شجع المجلس الوطني السوري على إنشاء تجمع واسع لكل قوى المعارضة، خصوصا لجان التنسيق المحلية والمجالس الثورية وممثلين للجيش السوري الحر». وأضاف البيان أن «الممثلين الشرعيين لسوريا الجديدة يمكنهم بذلك الإعداد للانتقال نحو نظام ديمقراطي في أفضل الشروط الممكنة».
ولكن من المعروف أن المعارضة السورية التي بات يسيطر عليها الإسلاميون بشكل واضح تعاني من التشرذم لاسيما مع التطورات الميدانية وكشف الجرائم التي يقوم بها المعارضون المسلحون الذين ينتمون للتيارات التكفيرية والازدياد الكبير في أعدا المقاتلين العرب والأجانب. ولكن ذلك لم يمنع رئيس المجلس الوطني السوري عبد الباسط سيدا بعد لقائه هولاند مع وفد من المجلس أن هناك «عملا جديا للاعلان سريعا» عن حكومة انتقالية في سوريا. وقال سيدا «نجري مشاورات معمقة مع مختلف المكونات السورية بشأن تشكيل حكومة انتقالية»، مضيفا «نحن نعمل جادين للإعلان سريعا عن هذه الحكومة بعد الانتهاء من المشاورات».
تورط غربي
أمنياً، يواصل الجيش السوري عملياته العسكرية التي تركزت خلال الأسبوع الماضي في ريف دمشق وحلب ودرعا. وفي إطار كشف التورط الخارجي في انتهاك السيادة السورية ذكرت صحيفة «بيلد ام سونتاغ» الألمانية، أن جواسيس ألمانا يتمركزون قبالة السواحل السورية وينقلون معلومات لمساعدة المسلحين السوريين في معركتهم ضد النظام.
وأوضحت الصحيفة أن عناصر من الإستخبارات الفدرالية الألمانية يعملون، انطلاقا من سفن منتشرة قبالة السواحل السورية، مستعينين بتكنولوجيا تسمح لهم بمراقبة حركة القوات العسكرية حتى عمق 600 كيلومتر داخل البلاد. وينقل هؤلاء الجواسيس معلوماتهم إلى ضباط أميركيين وبريطانيين يقومون بدورهم بنقلها إلى المسلحين.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول أميركي قوله إن «أي جهاز استخباراتي غربي لا يملك هذا القدر من المصادر الجيدة في سوريا» مثل الاستخبارات الألمانية.
وقال متحدث باسم وزارة الدفاع الألمانية، لوكالة «فرانس برس»، «صحيح أن سفينة ألمانية تقوم حاليا بعملية في المنطقة ستستغرق اشهرا»، الا انه نفى أن تكون «سفينة تجسس» خلافا لما اوردته الصحيفة الألمانية. وأضاف «نحن لا نقدم تفاصيل عملانية حول المهمة الجارية حاليا».
واشارت الصحيفة الى ان عناصر في الاستخبارات الالمانية ينشطون ايضا في النزاع السوري انطلاقا من قاعدة حلف شمال الاطلسي في مدينة اضنة التركية، موضحة انهم يتنصتون على الاتصالات الهاتفية واللاسلكية الخارجة من سوريا. واضافت انهم على اتصال كذلك بشكل غير رسمي بمصادر مقربة من الحكومة السورية. وقال مسؤول في الاستخبارات الالمانية للصحيفة «يمكننا الافتخار بالمساهمة البارزة التي نقدمها لاسقاط نظام الأسد».
وتشدد برلين على ان تدخلا عسكريا لن يكون الحل لانهاء النزاع السوري، الا ان وزير الدفاع الالماني توماس دومايزيير اشار مؤخرا الى ان على المانيا المساعدة بطرق مختلفة، من خلال تقديم مساعدة انسانية ولوجستية.
وبدورها، أعربت موسكو عن قلقها من قيام الدول الغربية بزيادة نقل أسلحة إلى المقاتلين في سوريا.
وكتب نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف، على صفحته على موقع «تويتر»، «يظهر المزيد من المعلومات عن توريد شحنات كبيرة من الأسلحة الغربية الصنع إلى المعارضة السورية عبر بلدان ثالثة».
وأعرب غاتيلوف عن شكوكه في إمكانية تطبيق العقوبات على سوريا التي فرضها الغرب نفسه عليها. وقال «من المهم كيف ينظر في هذه الظروف شركاؤنا الغربيون الذين يدعون إلى فرض العقوبات على سوريا إلى تطبيقها بشكل مضمون؟».
وكانت وسائل الإعلام الغربية ذكرت أن الدول الغربية تمد فصائل المعارضة السورية بأسلحة. وألمحت صحيفة «كوميرسانت» إلى احتمال احتواء شحنات الأسلحة التي تصل إلى المعارضين على أسلحة حصلت عليها ليبيا من روسيا خلال حكم العقيد الراحل معمر القذافي بما فيها صواريخ مضادة للطائرات ورشاشات كلاشنيكوف.
Leave a Reply