بغداد – اتسعت رقعة أعمال العنف في العراق بين القوات الأمنية ومجموعات المتظاهرين والمسلحين المناهضين لرئيس الوزراء نوري المالكي، في مشهد تبدو فيه البلاد متجهة نحو أزمة عميقة وخطيرة تترافق مع مخاوف متجددة من اقتتال طائفي دموي ومن إمكان انتقال السيناريو السوري إلى الداخل العراقي، لا سيما أن الأزمة تتخذ بعداً مذهبياً صارخاً مع المواجهة بين المالكي وخصومه في المناطق التي يغلب عليها السنة، بينما يؤكد الخطاب الرسمي أن المواجهة قائمة مع «المسلحين التخريبيين من فلول النظام السابق».
ويشهد العراق منذ الثلاثاء الماضي موجة هجمات انتقامية ضد القوات الأمنية في المحافظات التي تسكنها غالبية سنية، رداً على عملية اقتحام ساحة اعتصام في الحويجة وسقوط أكثر من 53 قتيلاً تحت عنوان محاربة «قوات الطريقة النقشبندية» التابعة لنائب الرئيس السابق عزة الدوري. وقد تبع ذلك سقوط أكثر من 148 شخصاً خلال اليومين التاليين، بينهم 50 مدنياً وثلاثة عسكريين. كما قتل يوم الخميس 17 شرطيا و35 مسلحاً في مواجهة وقعت غربي الموصل، كما انفجرت سيارة مفخخة في ساحة ثورة العشرين، وسط النجف، موقعة عدداً من الضحايا.
جانب من تشييع أحد الجنود العراقيين. |
أما المالكي، وبعد غياب أثار الكثير من التساؤلات خلال الأيام الماضية، فقد خرج الخميس الماضي ليحذر من محاولات إعادة البلاد إلى «الحرب الأهلية الطائفية»، في وقت أمهل الجيش المسلحين الذين يسيطرون على ناحية سليمان بك في محافظة صلاح الدين 48 ساعة قبل بدء «تطهير» المنطقة.
وفي كلمة بثتها قناة «العراقية» الحكومية، قال المالكي «انها فتنة والفتنة كالنار تأكل الحطب والهشيم.. والفتنة عمياء لا تميز بين المجرم والبريء، وأقول لكم اتقوها فإنها نتنة».
وبينما دعا رئيس الوزراء العراقيين من رجال عشائر وإعلاميين ورجال دين وآخرين إلى «أن يبادروا وألا يسكتوا على الذين يريدون إعادة البلاد إلى ما كانت عليه في الحرب الأهلية والطائفية»، حذّر من عدم وجود «رابح أو خاسر» من الفتنة.
وبخصوص الهجمات التي يتعرض لها الجيش، قال المالكي «عز العراق، وعز أي بلد بجيشه وشعبه، لأنه هو الذي يصون السيادة ويوفر العزة والكرامة للمواطنين أولا وللبلد ثانياً»، مشدداً على أن من «حقهم (عناصر الجيش) أن يعيشوا ويحظوا بالاحترام والمهابة التي يقتضيها ضبط الأوضاع الأمنية في العراق الذي يتأثر بالمحيط الإقليمي الذي يعج بالفتن والمشاكل والتي بدأت ترمي إفرازاتها علينا».
وقد عقد الخميس الماضي اجتماع أمني في محافظة ديالى ضم قادة أمنيين وعسكريين مسؤولين في المنطقة لبحث التطورات في سليمان بيك، الواقعة على الطريق بين بغداد وإقليم كردستان، وقد تقرر منح مهلة 48 ساعة للمسلحين للمغادرة وبعدها سيتدخل الجيش لتطهير المنطقة من المسلحين»، واستجاب المسلحون صباح الجمعة. ولفتت المصادر إلى وجود معلومات استخبارية تشير إلى فصيلين يقاتلان كانا يسيطران على المنطقة وهم 25 شخصا من «القاعدة» و150 شخصاً من «النقشبندية»، مشيرة إلى أن «الأهالي نزحوا بشكل كامل من الناحية إلى مناطق قريبة».
وتمكن المسلحون، الأربعاء الماضي، من السيطرة «بالكامل» على ناحية سليمان بيك إثر معارك مع الجيش العراقي فيها، والذي لجأ إلى قصف المنطقة بالطائرات بعد «انسحاب تكتيكي».
وفي سياق متصل، أكد المتحدث باسم متظاهري الحويجة حامد الجبوري قائلاً «نحن في انتفاضة أحرار العراق أعلنا مبايعتنا الكاملة لجيش الطريقة النقشبندية»، مضيفاً «سنكون جناحاً مسلحا تابعا له لنعمل على تطهير العراق من الميليشيات الصفوية وسننتقم من المجزرة في الحويجة».
في المقابل، استمر الوضع الأمني بإلقاء ثقله الدموي على المشهد السياسي، حيث عمد نائب رئيس الوزراء صالح المطلك إلى الاستقالة، وهو كان مكلفاً بإدارة لجنة التحقيق في أحداث الحويجة، من دون تحديد أسباب الاستقالة. كما تمّ تأجيل جلسة البرلمان العراقي من الخميس إلى الأحد بسبب مقاطعة الكتل الرئيسية. وانتقد رئيس الكتلة البرلمانية في القائمة «العراقية» (بقيادة إياد علاوي) سلمان الجميلي زج الجيش العراقي لفض الاعتصام الذي كان قائما في الحويجة، معتبراً أن هذه الخطوة وضعت الجيش في مواجهة شعبه.
وتأتي التطورات الأمنية الأخيرة بعدما كسبت الحكومة العراقية، إلى حد بعيد، رهان استحقاق انتخابات المحافظات، بضمانها لانتخابات آمنة شاركت فيها نسبة 50 بالمئة من الناخبين العراقيين. وتعتبر هذه النسبة مقبولة بعد أسبوع دام من التفجيرات الإرهابية المتنقلة حصد مئات الضحايا، وبالنظر إلى معارضة داخلية جاهدت في الأيام الأخيرة في محاولاتها لضرب شرعية الحكومة العراقية المركزية في بغداد.
وشارك العراقيون في الانتخابات المحلية وسط إجراءات أمنية مشددة عكست الخشية من العنف المتصاعد مؤخرا، لتبلغ نسبة المشاركة 50 بالمئة، أي ستة ملايين و400 الف و777 ناخباً، بحسب ما أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، التي شددت على أن هذه النسبة «عالية جداً في هذه الظروف، وفي ظل ما نعيشه»، وهي نسبة مطابقة لآخر انتخابات محلية أجريت في العام 2009. وبلغت نسبة المشاركة في العاصمة بغداد 33 بالمئة فقط، وهي أدنى نسبة بين المحافظات الـ12 التي جرت فيها الانتخابات، فيما سجلت محافظة صلاح الدين أعلى نسبة بمشاركة 61 بالمئة. وكان المالكي، وفي آخر تصريح له قبل اندلاع المواجهات في البلاد، قد قال عقب الإدلاء بصوته في فندق الرشيد في المنطقة الخضراء في بغداد إنّ «كل مواطن ومواطنة، رجل كبير أو صغير، شاب وشابة، يظهرون أمام الصندوق ويلونون اصبعهم، يقولون لأعداء العملية السياسية إننا لن نتراجع». وأضاف «أقول لكل الخائفين من مستقبل العراق والخائفين من عودة العنف والديكتاتورية إننا سنحارب في صناديق الاقتراع»، موضحا أن «هذه رسالة طمأنة للمواطن بأن العراق بخير». وتابع رئيس الوزراء قائلاً إنّ «هذه أول انتخابات منذ الانسحاب الأميركي وهي دليل على قدرة وصلابة العملية السياسية وقدرة الحكومة على أن تجريها. لقد أصبحت لدينا خبرة في إجراء الانتخابات».
Leave a Reply