كمال ذبيان – «صدى الوطن»
ينشغل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، في توجيه الرسائل إلى الداخل والخارج شاكياً من تمسك الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة، سعد الحريري، لعدم تنحيه عن التأليف وإصراره على الاستفراد بتسمية الوزراء بنفسه في مخالفة صريحة للدستور والميثاقية والتوازن السياسي، بحسب عون.
رسالة مجلس النواب
الرئيس عون عبّر عن رفضه للاستمرار بتسمية الحريري في العديد من المناسبات، كان آخرها رسالة أرسلها إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل مارون شاكياً له عدم التزام الرئيس المكلف بسقف المبادرة الفرنسية التي ترشّح الحريري لرئاسة الحكومة تحت سقفها.
وفي أحدث رسائله، توجّه رئيس الجمهورية بشكواه إلى مجلس النواب، الذي كان قد سمّى الحريري بالأكثرية لرئاسة الحكومة، محملاً الكتل النيابية مسؤولية اختيار الحريري ومذكراً إياهم بموقفه عشية الاستشارات النيابية الملزمة حين حذر من تكليفه.
وأراد عون من الرسالة تبرئة ذمته من التأخير المستمر في تشكيل الحكومة بعد مرور سبعة أشهر على تسمية الحريري الذي اجتمع به 18 مرة دون أن يصلا إلى توافق بشأن صيغة وأعضاء الحكومة الجديدة، بالرغم من مبادرات ووساطات داخلية وخارجية لم تثن أياً منهما عن التمسّك بموقفه وشروطه، لا بل ذهب الرئيسان إلى استخدام لغة غير لائقة في مخاطبة بعضهما، سواء مباشرة عبر الإعلام عندما وصف عون، الحريري بـ«الكاذب»، أو في رد الأخير عليه، بأنه لن يتنحى عن التأليف إلا بعد استقالة عون، وهو سقف عال وغير مسبوق في التخاطب بين قصر بعبدا وبيت الوسط.
من جهته، اعتبر الرئيس المكلف أن رئيس الجمهورية يريد التخلص منه، وأن رسالته إلى البرلمان تهدف إلى الإفلات من تهمة عرقلة تشكيل الحكومة، لافتاً أن شأنها شأن الرسائل المترجمة للغات عدة والموجهة إلى عواصم اجنبية لحماية بعض الحاشية والمحيطين والفريق السياسي من عقوبات يلوح بها الاتحاد الأوروبي مجتمعا أو الدول كل على انفراد».
فجاءت رسالة رئيس الجمهورية إلى مجلس النواب، لتزيد التباعد بين الرئيسين اللذين فرض الدستور عليهما التوافق على ولادة الحكومة، إذ يتمسك الحريري بعدم التراجع عن التشكيلة التي قدّمها في نهاية كانون الأول الماضي، ويرفض الاعتذار، في حين يرفض عون وتياره السياسي –الذي يشكل أكبر كتلة مسيحية في البلاد– أن تنزل أسماء الوزراء بــ«الباراشوت» ودون أية منهجية واضحة في الاختيار.
سحب التكليف
وقصد رئيس الجمهورية في رسالته، أن ينزع مجلس النواب، التسمية من الحريري، لكن الدستور اللبناني المليء بالثغرات، يخلو أصلاً من أي نص دستوري لمعالجة هذه المعضلة، إذ لا توجد أية مهلة دستورية أمام الرئيس المكلّف لتشكيل الحكومة أو الاعتذار، ما يجعل قرار التنحي في يد الرئيس المكلف حصراً، وهذا ما لن يفعله زعيم «تيار المستقبل»، لاسيما وأن المسألة تحوّلت إلى أزمة سياسية ودستورية وطائفية وشخصية بينه وبين رئيس الجمهورية وفريقه السياسي المتمثّل بـ«التيار الوطني الحر» برئاسة جبران باسيل، بعد أن سقطت التسوية الرئاسية بين الطرفين، وهي التسوية التي دفع الحريري ثمنها داخل تياره السياسي وفي طائفته وبيئته الشعبية، إضافة إلى علاقاته مع السعودية التي أجبرته على الاستقالة وجردته من الغطاء السياسي الذي ورثه عن والده، بسبب فشله في التصدي لنفوذ «حزب الله»، الذي أصبح أكثر قوة مع وصول عون إلى قصر بعبدا.
عون لا يريد الحريري
مع سقوط التسوية الرئاسية، ورفع الغطاء السعودي عن الحريري، وتوجه الدول المؤثرة في لبنان نحو تشكيل حكومة من المجتمع المدني، ومن خارج الطبقة السياسية الحاكمة المتهمة بالفساد، جاءت تسمية السفير مصطفى أديب لرئاسة الحكومة، بعد استقالة حكومة حسان ذياب، باعتباره النموذج الذي تريده أميركا وفرنسا ودول أخرى، وهذا ما شجّع عون على أن يسعى إلى منع عودة الحريري إلى الرئاسة الثالثة.
غير أن رئيس الجمهورية سرعان ما اصطدم بإصرار رئيس مجلس النواب، نبيه برّي، على عودة الحريري وعدم ممانعة «حزب الله» لتلك العودة، بالرغم من امتناع أكبر كتلتين نيابيتين مسيحيتين، «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» عن تسمية الحريري أو غيره. ومع ذلك، نجح بري في جمع 22 نائباً مسيحياً لتسمية الحريري الذي حاز بذلك على شبه ميثاقية بالرغم من عدم تأييده من أي حزب مسيحي، بما في ذلك «الكتائب» الذي استقال نوابه الثلاثة في وقت سابق.
وإذا كان الحريري قد نجح في الحصول على الميثاقية والأصوات الكافية لترؤس الحكومة، فإنه سرعان ما اصطدم بتمسك عون بحقه الدستوري في التوقيع على مراسيم تشكيل الحكومة، فما لم يستطع أن يفعله الجنرال بالاستشارات، قرّر أن يقوم به مستخدماً ما تبقى من صلاحيات الرئاسة الأولى بعد اتفاق الطائف فمنع تشكيل حكومة وفق أهواء الحريري، فيما أطلق تياره السياسي حملة سياسية وإعلامية للضغط على الحريري ودفعه إلى الاستقالة تحت عنوان إفساح المجال لغيره لتشكيل حكومة إنقاذية تنتشل لبنان من أزماته الاقتصادية والاجتماعية.
أما الحريري فلا يبدي حتى الساعة أية نية للاستجابة لضغوط بعبدا، كما يرفض أية صيغة تمنح عون الثلث الضامن في حكومته، تخوفاً من جعلها رهينة في يده. إذ أن الحكومة في لبنان تعتبر بحكم المستقيلة في حال استقال ثلث أعضائها.
الأزمة داخلية؟
صحيح أن أزمات لبنان منذ نشأته كانت ناتجة عن صراعات إقليمية ودولية، غير أن كثيرين يرون أن أزمته الراهنة، المتمثلة بعدم تشكيل حكومة جديدة، سببها خلافات داخلية بحتة.
فبرأي هؤلاء، ظهرت الأزمة على حقيقتها أمام العالم بدلالة تصريحات المسؤولين في بعض الدول الذين أعلنوا بصراحة أن القوى اللبنانية لا تساعد على تشكيل الحكومة. وهذا ما خلص إليه وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان، في آخر زيارة له إلى بلاد الأرز التي غادرها متشائماً ومصراً على تحذيره السابق بأن دولة لبنان في طريقها إلى الانحلال والزوال بسبب الطبقة السياسية الحاكمة والفاسدة، التي ألمح إلى إمكانية مواجهتها بعقوبات، واضعاً أمله في قوى جديدة تنشأ من المجتمع لتكون البديل.
كذلك. تبيّن للرئيس برّي –وهو الممسك بالملفات الداخلية والعارف بتفاصيلها باعتباره أحد أعمدة النظام السياسي القائم– أن الأزمة داخلية «مئة بالمئة» وسببها الخلافات الشخصية والعناد المستفحل لدى المعنيين بالأزمة، غامزاً من قناتي الرئيس عون وفريقه السياسي، والحريري وبيئته السياسية. إذ أن كلا الطرفين لا يرغب بالتنازل للآخر مما يحول دون تحقيق أية تسوية محتملة بينهما. ولذلك كان الفشل مصير دعوات الحلحلة التي أطلقها رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، والبطريرك الماروني بشارة الراعي وغيرهما.
وبعد رسالة رئيس الجمهورية إلى مجلس النواب، ازدادت القناعة لدى الكثيرين بعدم وجود آفاق لأي حل داخلي قريب، وهو ما دفع بري إلى التمسك بدعوته إلى تشكيل حكومة بأسرع وقت، محذراً من أي تأخير إضافي.
وفي رد غير مباشر على الدعوات المطالبة بإيجاد مخرج دستوري للأزمة الحالية بين الرئاستين الأولى والثالثة، أكد بري على ضرورة المضي قدماً «وفق الأصول الدستورية» في تشكيل حكومة جديدة بالاتفاق بين رئيس الحكومة المكلف ورئيس الجمهورية.
الأزمة مستمرة
انتهت جلسة مجلس النواب، بتلاوة رسالة رئيس الجمهورية ومناقشتها بشكل محدود، لعدم وجود أية صلاحية دستورية تجيز للمجلس سحب تكليف الحريري، فاكتفى البرلمان بإصدار توصية للرئيس المكلف بتطبيق المادة 53 من الدستور، التي تنص على آلية تشكيل الحكومة، دون أن تظهر أية بوادر لحلحلة سياسية قريبة بينما تواصل البلاد الغرق في أزماتها.
فالخلاف القائم بين عون والحريري، بلا شك، له أبعاد تتعلق بشخصي رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف، وبين الأخير وباسيل، وهذا ما اتضح بالنسبة للكثيرين بعد فشل محاولات جمعهما، والتي سعى إليها الرئيس الفرنسي ولم يوفق، كما حاول البطريرك الماروني ولم ينجح، وكذلك جنبلاط. بل تحرّك الرئيس برّي في هذا الإطار بعد جلسة البرلمان، فالتقى الحريري وباسيل على انفراد، لكنه لم يتمكن من جمعهما أيضاً، ليتأكد له أن الأزمة بينهما شخصية، ولا بدّ من التواصل بينهما لتحقيق أي تقدم.
الموفد الرئاسي الفرنسي باتريك دوريل كان قد انتبه إلى عقدة الحريري–باسيل قبل أشهر، ونجح في أن يؤمّن اتصالاً هاتفياً بينهما لكنه لم يتعد تبادل السلام والتحية. ذلك لأن الرئيس المكلف، يرفض إحياء تسوية جديدة مع باسيل الذي كان قد توصل إلى «التسوية الرئاسية» مع نادر الحريري الذي أُخرِج من بيت الوسط بعد احتجاز ابن خاله في السعودية وإجباره على الاستقالة من هناك.
وإذا كان الحريري لا يبدي أية حماسة للتوصل إلى تسوية جديدة مع التيار البرتقالي، خاصة وأن التسوية الرئاسية لم تحقق له أي مكاسب، فإن الرئيس عون في المقابل من غير المتوقع أن يرضخ في نهاية عهده ويقبل بعودة الحريري إلى السراي الكبير وفق شروطه الخاصة.
Leave a Reply