تعهد بالإصلاح وضرب “الإرهابيين” بيد من حديد.. والغرب و”المجلس الوطني” يصرون على التدويل
دمشق – دشن الرئيس السوري بشار الأسد، في خطاب القاه الأسبوع الماضي، على مدرج جامعة دمشق، ألحقه بخطاب وسط آلاف المتظاهرين في “ساحة الأمويين”، مرحلة جديدة من الأزمة السورية، حيث أعلن أن المؤامرة تلفظ أنفاسها الأخيرة، وذلك بالتوازي مع رسو الأسطول الروسي في طرطوس ورفض طهران وموسكو وبكين لأي ضربة عسكرية لدمشق.
وفي المرحلة الجديدة التي دشنها الأسد أكد أن “الأولوية القصوى” للسلطات في الوقت الحالي هي في السعي لاستعادة الأمن الذي لا يتحقق “إلا بضرب الإرهابيين القتلة”، مشيراً إلى أن استفتاء سيجري على دستور جديد في آذار (مارس) المقبل، تليه انتخابات تشريعية في أيار (مايو) أو حزيران (يونيو)، مؤكداً انفتاحه لتشكيل حكومة تضمّ “كل الأطراف السياسية من الوسط إلى المعارضة إلى الموالاة، فالحكومة هي حكومة الوطن وليست حكومة حزب أو دولة”.
وفي خطابه الرابع منذ بدء الأزمة في سوريا، أكد الأسد أنه لن يغلق الباب “أمام أي مسعى عربي للحلول والاقتراحات ما دام انه يحترم سيادة سوريا”، ملقياً باللائمة على “مخططات خارجية” في تصعيد الاحتجاجات، وتعهد بالعمل على تحقيق الاصلاح و”ضرب الارهابيين والقتلة بيد من حديد”.
وقال الأسد “بعدما فشلوا في كل محاولاتهم لم يكن هناك خيار سوى التدخل الخارجي، وعندما نقول الخارج عادة يخطر ببالنا الخارج الأجنبي، مع كل أسف أصبح هذا الخارج مزيجاً من الأجنبي والعربي، وأحياناً وفي كثير من الحالات يكون هذا الجزء العربي أكثر عداء وسوءاً من الجزء الأجنبي”.
وأردف: “لا أريد التعميم، هناك دول حاولت خلال هذه المرحلة أن تلعب دوراً أخلاقياً موضوعياً تجاه ما يحصل في سوريا، وهناك دول بالأساس لا تهتم كثيراً (…) يعني تقف على الحياد في معظم القضايا، وهناك دول تنفذ ما يطلب منها. الغريب أن بعض المسؤولين العرب معنا في القلب وضدنا في السياسة، وعندما نسأل لماذا؟ يقول أنا معكم ولكن هناك ضغوطاً خارجية. يعني هو إعلان شبه رسمي بفقدان السيادة. ولا نستغرب أن يأتي يوم تربط الدول سياساتها بسياسات دول خارجية على طريقة ربط العملة بسلات عملات خارجية، وعندها يصبح الاستغناء عن السيادة أمراً سيادياً”. وأضاف “الغرب مهم لكنه لا يزال استعمارياً ولم يتغير، لذلك توجهنا شرقاً”، معتبراً أن “ما قدم لنا من دول خاضعة لا يبشر بالخير”، ورأى “أن كل من يساهم في الفوضى الآن شريك في الإرهاب (…) ولا نستطيع أن نكافح الإرهاب من دون أن نكافح الفوضى فكلاهما مرتبط”.
وخاطب الاسد من سماهم أعداء بلاده قائلاً “خسئتم لست أنا من يتخلى عن المسؤولية لا في الأزمات ولا في الأحوال العادية، وأنا لا أسعى الى منصب، ولا أتهرب من المسؤولية، وأنا أستمد قوتي من الدعم الشعبي، وهذه المعركة لم تزدنا إلا صلابة”. واضاف انه يعمل في آن واحد على “الاصلاح السياسي ومكافحة الارهاب الذي انتشر بشكل كبير في سوريا”.
وهاجم الاسد بعض الدول في الجامعة العربية وخفّف من اهمية تعليق عضوية سوريا في الجامعة، متسائلاً هل تخسر سوريا ام تخسر الجامعة من هذه المقاطعة؟ وكرر قول الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر بأن سوريا هي قلب العروبة النابض “فهل يمكن للجسد ان يعيش بدون قلب”. وقال ان الجامعة بلا سوريا تصبح عروبتها معلّقة.
وفي اليوم التالي من خطاب “جامعة دمشق”، ألقى الأسد، مصحوبا بزوجته وابنه وابنته، كلمة أمام آلاف المتظاهرين في “ساحة الأمويين”، وقال الأسد في كلمته “شعرت برغبة عارمة أن اكون معكم في هذا الحشد لكي أستمد القوة بوجه كل ما تتعرض له سوريا، أردت أن اكون معكم في دمشق التي أرادوا أن يزرعوها بالدمار ولكن هيهات أن يحققوا ذلك”. وأعرب الرئيس السوري عن ثقته بتحقيق “النصر على المؤامرة التي أصبحت في مرحلتها الاخيرة”.
ردود
وأثار خطاب الأسد اتهامات للرئيس السوري بمحاولة حرف أنظار شعبه عما تعهد به من إنهاء العنف وبدفع البلاد إلى أتون الحرب الأهلية. وكانت واشنطن وباريس في طليعة من شجب خطاب الأسد. تبعها بعض العرب، وذلك من خلال لقاءين منفصلين جمعا وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون مع رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جبر آل ثاني ووزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل. واستكمل المشهد بلقاءات هي الأولى من نوعها علنا بين وليم بيرنز الرجل الثاني في وزارة الخارجية الأميركية وجماعة الإخوان المسلمين في مصر. كان جيفري فيلتمان، كبير مستشاري وزيرة الخارجية الأميركية، قد مهد لها قبل فترة وقيل إن لهذه الزيارات أهدافا عديدة، ولكن أبرزها إيران وسوريا ومستقبل العلاقة مع إسرائيل وأميركا.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند “من المثير الإشارة إلى أن الأسد في خطابه وجه أصابع الاتهام إلى مؤامرة خارجية واسعة إلى حد أنها تضمّ الجامعة العربية وغالبية المعارضة السورية وكل المجتمع الدولي”. وأضافت إن الرئيس من جهة أخرى “يبدو أنه ينكر بقوة أي مسؤولية لدور قواته الأمنية نفسها” عن أعمال “العنف”.
وقال وزير الخارجية الفرنسي ألان جوبيه “إن هذا الخطاب يأتي على النقيض مما كان يمكن أن نتوقعه. إنه يحضّ على العنف وعلى المواجهة بين الاطراف، وهو نوع من إنكار للواقع”. وطلب من الجامعة العربية أن “تقدم تقريراً الى مجلس الامن” عن نتائج بعثة مراقبيها في سوريا. وقال إن “19 كانون الثاني يجب ان يكون المهلة الأخيرة، لا نريد ان ننزلق في ذلك الى ما لا نهاية ونأمل في هذا الموعد ان تقدم لنا الجامعة تقييماً واضحاً لمدى احترام النظام السوري لما قطعه من تعهداته”.
ومن ناحيته، رد “المجلس الوطني السوري” المعارض على الخطاب في مؤتمر صحفي في اسطنبول اعلن فيه رفض ما جاء في الخطاب “الذي هو نوع من الهلوسة وتأكيد على الاستمرار في استخدام العنف ودفع الشعب الى الانقسام”.
وقال رئيس المجلس برهان غليون ان دلالة خطاب الاسد تعني “ان النظام السوري يرفض المبادرة العربية ويجب رفع الملف الى مجلس الامن”. وأضاف أن المجلس سيرسل وفدا الى الأمم المتحدة ليعرض وجهة نظره، ويطلب تحويل الملف السوري الى مجلس الامن، مؤكدا أنه “يعمل بالتنسيق مع الجامعة العربية، وأنه لن يتخلى عن الطرف العربي في أي مبادرة يتم تقديمها”.
ميدانيات
ميدانياً، تواصل خلال الأسبوع الماضي تساقط القتلى في سوريا، حيث تقول المعارضة السورية أنما بين ٢٠ و٣٠ قتيلا يتساقطون يومياً. في حين شهد الأسبوع الماضي مقتل أول صحفي أجنبي في سوريا، والذي سقط مع ثمانية مدنيين حين استهدفت قذيفتان مظاهرة مؤيدة للأسد في حي الزهراء وسط مدينة حمص. والصحفي القتيل فرنسي كان يعمل لدى القناة الفرنسية الثانية واسمه جيل جاكيي، كما أصيب صحفي بلجيكي يعمل لدى “الراديو البلجيكي” واسمه ستيفن فيسنير.
وفي سياق آخر، عممت وزارة الداخلية السورية، الخميس الماضي، صورة للانتحاري الذي استهدف حي الميدان في دمشق، بهدف الحصول على معلومات عنه. وقالت الوزارة، في بيان “كان العمل الإرهابي الذي وقع في حي الميدان ونفذه الانتحاري صاحب الصورة في منطقة مكتظة بالسكان والمارة بالقرب من مدرسة حسن الحكيم للتعليم الأساسي أدى لاستشهاد 26 وجرح 63 من المدنيين وقوات حفظ النظام”.
المراقبون
وكانت اللجنة الوزارية العربية قد قررت مواصلة مهمة المراقبين، وطلبت تقديم الدعم لها وإعطاءها الوقت الكافي لانجاز مهامها. واعتبرت اللجنة الوزارية العربية في ختام اجتماع لها في القاهرة مساء الاحد الماضي أن الحكومة السورية نفذت “جزئيا” التزاماتها للجامعة العربية. ودعا وزراء الخارجية العرب الحكومة السورية ومن سموهم الاطراف المسلحة الاخرى الى وقف كافة أعمال العنف والسماح بدخول مزيد المراقبين.
من جهتها وجهت المعارضة السورية انتقادات حادة الى عمل بعثة المراقبين العرب في سوريا واتهمتها بـ”التغطية على جرائم النظام السوري”!!.
وطبقا لتقديرات الأمم المتحدة أسفرت حملة “قمع” الاحتجاجات في سوريا عن مقتل أكثر من 5000 شخص.
Leave a Reply