مجزرة “القبير” بعد “الحولة” لثني الموقف الروسي-الصيني من دمشق
عواصم – تعيش سوريا سباقاً محموماً بين تطبيق “خطة أنان” ومحاولات إشعال الفتنة المذهبية عبر مجازر دموية بشعة كان آخرها مجزرة في بلدة القبير راح ضحيتها حوالي مئة ضحية، واتهمت المعارضة السورية ما أسمته “شبيحة النظام” بارتكاب المجزرة رغم أن الدلائل تشير الى وقوف المجموعات المسلحة المدعومة من دول الخليج وتركيا بهدف تكثيف الضغط الدولي على روسيا والصين لسحب الغطاء عن دمشق تمهيداً لضربها وإسقاط نظامها.
وقد تواصل التجاذب الدولي حول الأزمة السورية وتأويل خطة المبعوث الدولي كوفي أنان، على خلفية مجزرة مزرعة القبير التي لا تزال خارج مجال تحقيق المراقبين الدوليين، بين معسكر تقوده روسيا التي جددت رفضها لاي قرار دولي يجيز التدخل الخارجي ودعوتها القريبة لمؤتمر موسّع حول الأزمة تمهيداً لتشكيل مجموعة دولية بديلة عن “أصدقاء سوريا” تعيد انعاش خطة أنان، والمعسكر الغربي-العربي الذي كرّر دعوته المجتمع الدولي إلى “فرض” تطبيق خطة أنان عبر اللجوء إلى الفصل السابع لضمان “انتقال السلطة”، من دون المطالبة الصريحة بالتدخل العسكري.
وفيما حذر أنان مجلس الامن الدولي في جلسة مغلقة، من أن الازمة السورية “ستخرج عن السيطرة قريباً” إذا فشل الضغط الدولي على دمشق في تحقيق نتائج سريعة، وطلب من القوى الكبرى ممارسة “ضغوط ملموسة” على دمشق وإبلاغها بأن عدم احترام نقاط الخطة الست سيكون له “نتائج واضحة”، داعياً إلى توحيد الجهود الدولية بشكل عاجل لحل الازمة وبما يتوافق مع “المبادرة” الروسية، اعتبر الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن “الآمال في تماسك خطة أنان في سوريا تتبدد”، وأن الرئيس السوري وحكومته “فاقدان للشرعية”.
وتذبذبت المواقف الأميركية خلال الأسبوع الماضي بين التصعيد والمهادنة مع روسيا، لتصل الى ذروتها في موقف أطلقته وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون في تركيا غداة مجزرة القبير في محافظة حماه بالقول إن “على الاسد ان ينقل سلطته ويغادر سوريا”. واضافت في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيرها التركي أحمد داود اوغلو أن “العنف المدعوم من قبل النظام الذي شهدناه في حماه أمر غير مقبول”.
ولكن الموقف الأميركي جوبه سريعاً بصلابة روسية عبر عنها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في كازاخستان الذي أكد ان بلاده ستمنع صدور أي قرار من مجلس الامن الدولي يجيز “تدخلاً خارجياً” في سوريا.
ولفت ممثل روسيا لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين خلال اجتماع الجمعية العامة حول سوريا، الى ان بلاده ستقدم مبادرة حول الوضع في سوريا في مؤتمر ستدعو اليه، مشيراً الى انه “يجب عدم المطالبة بالتغيير الفوري للنظام في سوريا، وانه من الخطأ دعم المعارضة التي تطالب بتدخل عسكري في بلادها وان تقديم السلاح لها يزيد في خطر الأوضاع”. ودعا تشوركين الى توخي الحذر عند توجيه الاتهامات حول المجازر في سوريا، مشيراً الى انه “من الخطأ ان نعتمد على دعم مجموعات المعارضة، لذلك يجب ان نقرّ بأن تقديم السلاح الى المعارضة المسلحة يزيد في اشتعال النيران”. وتابع قائلاً: “نعتقد انه من الخطير ان يكون هناك تنبؤات خطيرة لفشل خطة انان وكذلك هناك حاجة لخطوات عملية للوصول الى حل سياسي”. وأكدت موسكو انها لا تعارض “السيناريو اليمني إذا سانده السوريون”، معتبرة أن “مصير الأسد ليس سؤالاً يوجه إلينا بل إلى الشعب السوري”.
وقال المندوب الصيني في الامم المتحدة، لي باودونغ، “نحن نرفض رفضاً قاطعاً حل الازمة السورية عن طريق تدخل عسكري أو أي محاولة للتشجيع على تغيير النظام بالقوة”. وأضاف أن بكين ترغب في لعب “دور إيجابي وبناء في البحث عن حل سريع، سلمي ومناسب للمسألة السورية”، من دون ان يلحظ خطة النقاط الست للسلام المقدمة من مبعوث الامم المتحدة والجامعة العربية الى سوريا كوفي انان. وأشار الى ان “الصين اتخذت موقفاً متوازناً، عادلاً ومسؤولاً حيال مشكلة سوريا”.
من جهته، طالب ممثل قطر لدى الأمم المتحدة ناصر عبد العزيز الناصر بوضع “جدول زمني محدد لتطبيق خطة انان، بما في ذلك فرضها تحت بند “الفصل السابع” من ميثاق الأمم المتحدة وبتفعيل اللجنة الخاصة بالتحقيق في مجزرة الحولة”. وشدد الناصر على أنّه “من غير المقبول أن يبقى الوضع على ما هو عليه في سوريا”، معتبراً أن “التأخير في تطبيق المبادرة يزيد من صعوبة الحلّ السياسي للأزمة”، فيما أكد رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم آل ثاني خلال لقائه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في باريس أن “الجانب السوري دائما يقبل بالمبادرات ويفشّلها… الذي أفشل المبادرة هو الجانب السوري”. مع العلم أن قطر كانت أول من نعى خطة عنان عندما أعلن أميرها أن نسبة نجاح المبادرة لا تتخطى نسبة ٣ بالمئة.
أما المندوب السوري لدى الامم المتحدة بشار الجعفري، فأكد أن بلاده “مستعدة لاستضافة لجنة تحقيق مستقلة من دول معروفة بحياديتها ورفضها للتدخل الخارجي في سوريا”، وأن دمشق لا ترفض الحوار مع المعارضة التي ترفض الدعوة للتدخل الخارجي، فيما أعلن أن قتلى القبير سقطوا “قبل خمس ساعات من أي اشتباكات” في المنطقة، وأن الصور التي نشرتها الفضائيات عن ضحايا المجزرة ليست لهم.
خطاب الأسد
وفي حين لا يزال النظام السوري متماسكاً، بجيشه وجسمه الدبلوماسي والأمني والاقتصادي، أبدى الرئيس السوري بشار الأسد، في خطابه الاول بعد التعديلات الدستورية أمام مجلس الشعب باعضائه الجدد، ارتياحاً بالغاً للتطورات على المستوى الدولي وللدعم الروسي لصموده في مواجهة الحملة الغربية-العربية الشرسة لإسقاط سوريا. وأعلن الأسد أن لا حل سياسيا لما تواجهه سوريا من أزمة ليست سياسية “داخلية” بل “حرب حقيقية من الخارج” تسعى عبر “الإرهاب” لإشعال “فتنة طائفية” بهدف “سحق” الدولة السورية أو “تقسيمها”. وفيما أكد استعداد دمشق لاجراء حوار وطني لا يشمل فئات مرتهنة للخارج، إلا أنه شكّك في أسس حوار كهذا، لغياب سبل التحقق من الثقل الشعبي الحقيقي للأطراف التي قاطعت الانتخابات و”الشعب”، على حدّ قوله.
وأعلن الأسد قبول السلطة بالحوار الوطني كمدخل لحل الأزمة من دون التنازل عن “مكافحة الإرهاب” في موقف يدل على إمكانية بدء عمليات عسكرية واسعة لاجتثاث المجموعات المسلحة بانتظار ضوء أخضر من حلفائه الدوليين.
كما دافع الأسد عن دوره كرئيس للدولة رافضا اتهامه بالانحياز لطرف، مشيرا إلى أن “الرئيس هو من يقف تحت سقف الدستور والوطن والقانون”. وتوقف الرئيس السوري عند مجزرة الحولة معتبرا إياها “عملا وحشيا مخجلا”، وكرر الدعوة لعدم “الانجرار وراء الغرائز”.
حظر الإعلام السوري
وفي إطار مواصلة الضغوط الخليجية على النظام السوري، طلب المجلس الوزاري للجامعة العربية، السبت الماضي، من شركتي الاقمار الصناعية “عربسات” و”نايلسات” وقف بث القنوات الفضائية السورية “الرسمية وغير الرسمية”. ونص البيان الختامي للاجتماع الذي عقد في الدوحة على دعوة “مجلس الامن الى تحمل مسؤوليته طبقا لميثاق الامم المتحدة واتخاذ الاجراءات اللازمة لضمان التطبيق الكامل والفوري لخطة (…) انان في اطار زمني محدد بما في ذلك فرض تطبيق النقاط الست التي تضمنتها الخطة عبر اللجوء الى الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة”.
وبدوره حث وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، في مؤتمر صحافي بجدة، عقده مع بان كي مون، الأحد الماضي، مجلس الأمن الدولي على “إنشاء منطقة عازلة في سوريا، وذلك لحماية المضطهدين والأبرياء الذين يتعرضون لإطلاق النار”. وقال الفيصل إن “الحل الحقيقي للأزمة السورية هو الدفاع عن المواطن السوري من قسوة العمل العسكري”، محذراً من خطورة الوضع وإمكانية تدهور الموقف بتأثير عامل الزمن.
قمة شانغهاي
وفي موازاة ذلك، أعلنت منظمة شنغهاي للتعاون التي تلعب فيها الصين وروسيا دورا قياديا، أنها “تعارض أي تدخل عسكري في الشرق الأوسط” داعية إلى وقف أعمال العنف في سوريا أيا كان مرتكبها، في بيان صدر في ختام قمة عقدتها في بكين.
وأعلنت المنظمة التي تضم الصين وروسيا وأربع دول من وسط آسيا أن “الدول الأعضاء تعارض أي تدخل عسكري في شؤون هذه المنطقة أو فرض تغيير في النظام بالقوة أو عقوبات من طرف واحد”.
وشددت المنظمة تحديدا بشأن سوريا على “ضرورة وقف كل أنواع العنف أيا كان مصدرها”. وأكدت المنظمة الإقليمية أن التوصل إلى “حل سلمي للمسألة السورية من خلال الحوار السياسي” سيكون من مصلحة الشعب السوري والأسرة الدولية على السواء.
وكانت الولايات المتحدة قد أيدت فرض عقوبات دولية قاسية على سوريا تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يجيز استخدام القوة “إذا لزم الأمر”، دعما لطلب قدمته الجامعة العربية الأسبوع الماضي بهذا الشأن.
هل تسـتعد قوات روسـية لتدخل عسـكري في سـوريا؟
وفي الإطار نفسه، نقلت صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” الروسية، عن مصدر في وزارة الدفاع الروسية قوله إنه يجري إعداد خطة لاستخدام القوات المسلحة الروسية خارج البلاد ضمن المهام التي كلفت وزارة الدفاع بتنفيذها من قبل الرئيس فلاديمير بوتين في الآونة الأخيرة. وتضيف الصحيفة أن سوريا هي أحد البلدان المحتملة لقيام القوات الروسية بعمليات في الخارج.
وتخضع هذه الخطة للدراسة والتدقيق بالاشتراك مع قيادة الأركان الموحدة لـ”منظمة شنغهاي”. أما التأكيد غير المباشر لهذا الخبر فقد جاء في ما نقلته “روسيا اليوم” على لسان الأمين العام لـ”منظمة شنغهاي” نيقولا بورديوجا، الذي أعلن عن احتمال مشاركة قوات من المنظمة في عمليات حفظ السلام في سوريا. ومن دلائل الإعداد المكثف للقوات الروسية للقيام بمثل هذه العمليات، تنفيذ البرامج الخاصة لإعداد قوات الإنزال الجوي، ووحدات خاصة تابعة لإدارة الاستخبارات العسكرية الروسية، وكذلك وحدات من القوات البرية ومشاة البحرية.
Leave a Reply